المركز المصرى للفكر والدراسات يرصد مسارات القاهرة لوقف الحرب على غزة.. مصر عززت جملة من الثوابت أبرزها حل الدولتين.. وسعت لوقف إطلاق النار بالتنسيق مع القوى العربية والإقليمية والدولية.. والبعد الإنسانى أولوية

المركز المصرى للفكر والدراسات يرصد مسارات القاهرة لوقف الحرب على غزة.. مصر عززت جملة من الثوابت أبرزها حل الدولتين.. وسعت لوقف إطلاق النار بالتنسيق مع القوى العربية والإقليمية والدولية.. والبعد الإنسانى أولوية
المركز المصرى للفكر والدراسات يرصد مسارات القاهرة لوقف الحرب على غزة.. مصر عززت جملة من الثوابت أبرزها حل الدولتين.. وسعت لوقف إطلاق النار بالتنسيق مع القوى العربية والإقليمية والدولية.. والبعد الإنسانى أولوية

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات تقريرا حول التحركات المصرية والمسارات التى تتبناها الدولة لوقف الحرب على قطاع غزة، حيث أكد أن القاهرة حرصت خلال العقود الماضية، على التأكيد على مقاربتها الوطنية للقضية الفلسطينية، التى تعتبرها قضيتها الأساسية على المستوى الإقليمى، وهى مقاربة ترتكز على عدة مرتكزات أساسية، منها أن البوابة الأساسية والوحيدة لحل القضية الفلسطينية، تكمن فى حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع الحفاظ على مواقف أساسية ثابتة ترفض الحلول الأحادية، التى تعيق إقامة الدولة الفلسطينية، مثل الاستيطان والإجراءات التى تتخذها إسرائيل فى القدس، مع دعم الحقوق العادلة للشعب الفلسطينى، وعلى رأسها حق العودة للاجئين.

وأضاف أن هذه المقاربة فرضت على مصر بشكل دائم، التحرك المتزامن فى عدة مسارات فى أن واحد، للتعامل مع الأوضاع التى تسببت بها الإجراءات الإسرائيلية الميدانية والسياسية فى كل من قطاع غزة والضفة الغربية، حيث اشتبكت مصر بشكل دائم مع كافة القضايا الخاصة بالملف الفلسطينى، وعلى رأسها ملف المصالحة الفلسطينية، ولها إسهامات مضيئة فى هذا الملف على غرار الإشراف على الانسحاب الإسرائيلى من غزة، والإشراف على صفقة جلعاد شاليط، ودورها الرئيسى فى الوصول لتهدئة فى كافة الحروب السابقة، ودورها فى دعم إعادة إعمار غزة عقب الضربات الإسرائيلية عام 2021 والذى رصدت له ميزانية قياسية بلغت 500 مليار دولار.

هذا الجهد متعدد الاتجاهات، بحسب المركز المصرى للفكر والدراسات، ظهر بشكل أكبر خلال العدوان الإسرائيلى الغاشم الحالى على قطاع غزة، والمستمر منذ أكتوبر الماضى، ونتجت عنه جملة من التداعيات السلبية على المستوى الأمنى والإنسانى والسياسى شملت قطاع كبير من الشرق الأوسط، وهو ما أوجب على مصر - من واقع مسئوليتها التاريخية ودورها المحورى وواجباتها القومية والإنسانية المبادرة بتفعيل تحركات آنية فى عدة اتجاهات، لمحاولة حصار هذه التداعيات، وتقليل تأثيراتها قدر الإمكان، وقد تركزت هذه التحركات بشكل رئيسى على ثلاثة مسارات أساسية.


المسار الأول هو مسار "تثبيت المواقف السياسية المصرية"، حيال التطورات المتلاحقة فى قطاع غزة، والثانى هو مسار "تفعيل التحركات المصرية العاجلة لمحاصرة التأثيرات المختلفة للعمليات الإسرائيلية فى قطاع غزة"، أما الثالث فيرتبط بطرح حلول واقعية وفعالة تساهم فى تحسين الوضع الإنسانى فى قطاع غزة ووقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية يمكن من خلالها الوصول إلى هدف "حل الدولتين".


وأشار المركز إلى تأكيد مصر على جملة من الثوابت الخاصة بها تجاه مسألة التصعيد فى قطاع غزة، على رأسها رفض أى عمليات عسكرية إسرائيلية، ورفض عمليات التدمير والقتل الممنهج، ورفض مساعى تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر أو أى دولة أخرى، وقد جاء هذا التأكيد بشكل متكرر على لسان عدد كبير من المسئولين المصريين، على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أعلن بشكل واضح، أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء يمثل خطا أحمر بالنسبة لمصر، معتبرا أن مثل هذه الخطوة تهدف فى الأساس إلى تصفية القضية الفلسطينية.


من هذه المنطلقات، جاءت الجهود المصرية لطرح حلول يمكن من خلالها وقف التدهور القائم فى قطاع غزة، بحسب المركز، وهى جهود بدأ التمهيد لها عبر التواصل الدبلوماسى والسياسى المستمر مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة فى ظل التدمير الواضح الذى طال البنية التحتية لقطاع غزة، والعدد القياسى من الشهداء والجرحى، وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل لا يمكن قبوله، وسط استمرار لسياسة "التهجير القسري"، التى تنتهجها إسرائيل بهدف تغيير الوضع الديموغرافى لقطاع غزة، وهو ما أسفر عن وصول تعداد النازحين إلى محافظة رفح حسب الأمم المتحدة نحو 1.9 مليون شخص، أو ما يقرب من 85 بالمائة من إجمالى سكان القطاع.

وأضاف أن القاهرة طرحت الخطة الأكثر واقعية لإيجاد نقطة ارتكاز واضحة يمكن من خلالها التحرك قدمًا وبشكل إيجابى لإيجاد حل نهائى للمعضلات التى تكتنف القضية الفلسطينية، وهى خارطة طريق طرحتها مصر خلال قمة "القاهرة للسلام"، التى احتضنتها العاصمة المصرية فى الحادى والعشرين من أكتوبر الماضى، وحضرها أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، وهى القمة التى عبرت بشكل واضح عن الرغبة المصرية فى مواكبة الأحداث فى غزة بشكل عاجل، حيث درجت العادة أن يتم عقد مؤتمرات السلام عقب انتهاء العمليات العسكرية، لكن لم ترغب القاهرة فى انتظار وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، وسارعت بطرح هذه الخارطة من أجل كسب الوقت والعمل على إيجاد وسائل لتطبيقها بالتزامن مع المسارات الأخرى التى تتحرك فيها لوقف التصعيد الحالي.


وبحسب المركز، تضمنت هذه الخارطة، تصور شامل لحل جذور الصراع العربي- الإسرائيلى، وتوصف بالحل الأعم والأشمل مقارنة بالتصورات الغربية المماثلة، والتى تنحاز بشكل أو بأخر لتل أبيب، وتستهدف الخارطة المصرية فى المقام الأول، تحسين الوضع الإنسانى فى قطاع غزة، وإعادة إحياء مسار السلام، من خلال عدة محاور، تبدأ بالتدفق الكامل والآمن، والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، ثم التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار، ثم البدء العاجل، فى مفاوضات لإحياء عملية السلام وصولا إلى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، فى الأراضى الفلسطينية" ومن ثم، يتم تفعيل المرحلة التالية من هذه الخريطة، وهى العودة لمسار الحل السياسى، وفق الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية، والتى تضمن حق الفلسطينيين المشروع فى إقامة دولة مستقلة، للوصول إلى الهدف النهائى هو إقرار تسوية عادلة للصراع الإسرائيلى - الفلسطينى من خلال مبدأ حل الدولتين على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.


وقد سارت الجهود العربية الموازية فى الإطار السياسى، ومنها القمة العربية الإسلامية المشتركة التى انعقدت فى مدينة الرياض فى المملكة العربية السعودية فى نوفمبر الماضى، على نفس مسار خارطة الطريق المصرية، حيث رفضت مبدأ التهجير القسرى للفلسطينيين باعتباره يمثل جريمة دولية ومخالفة صريحة للقانون الدولى والإنسانى، ولما له من مخاطر على الأمن القومى المصرى ودول الجوار الفلسطينى، وخطورة اتساع رقعة الصراع إقليميا.


تجسدت هذه المرحلة فى الاتصالات المكثفة والعاجلة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى مع تصاعد وتيرة الحرب مع كل الأطراف سواء الإقليمية أو العربية أو الدولية لتلعب مصر الدور الرئيسى فى محاولات البحث عن صيغ فعالة لوقف إطلاق النار، وقد أسفرت الجهود المصرية والقطرية المشتركة، إلى التوصل لهدنة إنسانية مؤقتة على مدار نحو أسبوع فى نوفمبر الماضى، تم بموجبها إيقاف العمليات القتالية بشكل كامل فى جميع أجزاء قطاع غزة، وإيقاف تحليق الطائرات الإسرائيلية فى أجواء وسط وجنوب قطاع غزة، ووقف الطلعات الجوية الإسرائيلية بشكل جزئى فى أجواء شمال القطاع، مع التبادل التدريجى للأسرى من النساء والقصر بين الجانبين، والسماح بدخول 200 شاحنة مساعدات.


وأضاف المركز أن هذه الترتيبات امتدت لتشمل آلية وقف إطلاق النار فى حد ذاتها، وكيفية مراقبة هذه الآلية، والمحاذير الموضوعة على المستوى العسكرى أمام طرفى الصراع، وهى الترتيبات التى كان أحكامها والاتفاق بشكل واضح حولها، سببًا فى خروج اليوم الأول من أيام الهدنة بشكل يحمل فى طياته أقل قدر ممكن من الانتهاكات
وحرصت مصر أيضًا على أن يتم تتويج كل ما سبق، عبر سلسلة اتصالات عربية وإقليمية ودولية واسعة، سعت لحشد الدعم والتأييد الغربى والإقليمى لعملية التبادل وللهدنة، وفى نفس الوقت ركزت على محاولة تعديل مواقف بعض الدول الأوروبية، التى كانت خلال الفترة الماضية تتخذ موقفًا "رماديًا" تجاه ما يحدث فى غزة وكذلك اتسمت التحركات السياسية والدبلوماسية المصرية، بالحرص على التعاون مع كافة الأطراف، وتجنب أية مزايدات على المفهوم المصرى للعمل العربى المشترك، والتعاون مع الأطراف الدولية، حيث كانت الجهود المصرية مكملة ومتضامنة مع جهود قطر والولايات المتحدة الأمريكية.


من أهم العوامل التى يمكن ملاحظتها فى الإدارة المصرية لهذا الملف، بحسب المركزالمصرى، رغبة القاهرة فى أن تكون الهدنة نقطة ارتكاز لثلاثة عناصر أساسية، الأول هو وقف العمليات العسكرية والمساهمة فى حقن الدم الفلسطينى، والثانية هى التأكيد على الإصرار المصرى السابق بضرورة إدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات، وهو ما تضمنه بالفعل اتفاق الهدنة، والثالثة هى التوصل لاتفاق أولى يمكن تطبيقه لتبادل الأسرى، بما يساهم بشكل أو بأخر فى فتح المجال لوقف العمليات العسكرية بشكل كامل لاحقا كذلك يمكن القول أيضًا أن الإدارة المصرية الفعالة لملف المساعدات، سواء عبر رفض إخراج أى شخص من قطاع غزة بالتزامن مع دخول مساعدات إنسانية وغذائية مقابله، أو التأمين السريع والناجز للمرافق الخاصة بتخزين كميات المساعدات الكبيرة التى وصلت إلى مصر، من أجل إرسالها إلى غزة، وهى مهمة صعبة بالنظر إلى أنها تحتاج إلى تجهيزات خاصة وعمليات فرز مستمرة من أجل تحديد المساعدات التى لها أولوية فى الدخول إلى قطاع غزة، كانت جميعها عوامل فعالة فى السماح بالدخول السريع للمساعدات فى أول أيام الهدنة، ولولا هذه الجهود لكان من الصعب بمكان تأمين الكميات الكافية من المساعدات كى تدخل إلى غزة بمجرد بدء تطبيق الهدنة.

ورغم أن العمليات العسكرية عادت بعد انتهاء هذه الهدنة، إلا أن المحاولات المصرية للتوصل إلى هدن إضافية لم تتوقف حتى الآن، وطرحت القاهرة فى ديسمبر 2023 رؤية متكاملة للخروج من الأزمة، وحتى أن كل المفاوضات التى تمت بعد ذلك تمت بناء على هذه الرؤية وفى ضوئها، وقد اشتملت هذه الرؤية على عدد من المراحل، كل مرحلة فيها تتضمن هدنة إنسانية، وإدخال المساعدات لكل مناطق قطاع غزة، وتبادل المحتجزين والأسرى، وقد انطلقت مصر بهذه الرؤية إلى مراحل أخرى سواء ما يتعلق بعرضها على أطراف الأزمة، أو الذهاب بها إلى الوسطاء.

وأشار المركز إلى الجهود المصرية الكبيرة لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى الترافع امام محكمة العدل الدولية، كما تتواصل الجهود المصرية لاستقبال الجرحى الفلسطينيين للعلاج فى المستشفيات المصرية، تزامنًا مع استمرار وصول طائرات الإغاثة لمطار العريش الدولى، والتى بلغ عددها حتى الآن 582 طائرة، مع قرب انتهاء القاهرة من مخيم "خان يونس" للنازحين الفلسطينيين، من ضمن سلسلة من المخيمات التى حرصت مصر على إقامتها فى منطقة جنوب قطاع غزة، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المهجرين قسريًا من وسط وشمال قطاع غزة، كما حرصت القاهرة كذلك، على تفعيل جسر جوى إنسانى، حيث استمرت الطائرات المصرية بالتعاون مع نظيراتها من الدول الشقيقة والصديقة فى تنفيذ طلعاتها اليومية من مصر والأردن لإنزال المساعدات الإنسانية إلى سكان شمال قطاع غزة، للحد من وطأة المعاناة الإنسانية الكبيرة التى يوجهونها فى ظل العراقيل والصعوبات التى تحول دون انتظام دخول المساعدات بصورة كافية للمناطق الشمالية.


والحقيقة أن الحصيلة الحالية للجهد المصرى على المستوى الإغاثى والإنسانى فى قطاع غزة، هى الأهم والأكبر من كافة الجهود الأخرى التى تبذلها دول عربية وأجنبية، حيث بلغت نسبة المساعدات المصرية من إجمالى المساعدات التى تم إدخالها إلى قطاع غزة منذ أكتوبر الماضى، نحو 87 بالمائة، وبلغ حجم الأدوية والمستلزمات الطبية التى أدخلتها مصر لقطاع غزة عبر معبر رفح منذ أكتوبر الماضى 10868 طنا،ً ونحو 10235 طنًا من الوقود، و129329 طنًا من المواد الغذائية، و26364 طنًا من مياه الشرب، كما بلغت كميات المواد الطبية التى دخلت القطاع من معبر رفح 43073 طن، بجانب 123 سيارة إسعاف مجهزة.


ولم تقتصر الجهود المصرية على المستوى الإنسانى على عمليات إدخال المساعدات، فقد استضافت المستشفيات المصرية حتى الآن 3706 مصابين فلسطينيين، يرافقهم 6071 من المرافقين.

 

إذن نستخلص مما سبق، بحسب المركز، أنه منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم تتوقف الجهود المصرية لوقف عمليات إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة، بالتزامن مع جهد سياسى نزيه ومستمر، للتوصل إلى هدنة إنسانية مؤقتة، تفضى لوقف دائم لإطلاق النار.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع