فشل استخباراتى أم مخطط شيطانى لتمرير "سيناريو التهجير".. تجاهل إسرائيل التحذيرات من هجوم وشيك يثير شكوكا حول نوايا مبيتة لإيجاد ذريعة لإخلاء غزة من سكانها.. تسريبات الإسرائيليين ووثائق التاريخ ترجح كفة المؤامرة

فشل استخباراتى أم مخطط شيطانى لتمرير "سيناريو التهجير".. تجاهل إسرائيل التحذيرات من هجوم وشيك يثير شكوكا حول نوايا مبيتة لإيجاد ذريعة لإخلاء غزة من سكانها.. تسريبات الإسرائيليين ووثائق التاريخ ترجح كفة المؤامرة
فشل استخباراتى أم مخطط شيطانى لتمرير "سيناريو التهجير".. تجاهل إسرائيل التحذيرات من هجوم وشيك يثير شكوكا حول نوايا مبيتة لإيجاد ذريعة لإخلاء غزة من سكانها.. تسريبات الإسرائيليين ووثائق التاريخ ترجح كفة المؤامرة

 

كانت رياح الذكرى ما تزال عالقة فى أجواء تل أبيب..بدأ سكان الأراضى المحتلة والمستوطنات غير الشرعية يوم السابع من أكتوبر بخطى ثقيلة وأعين سكنها الكدر، فأحاديث الليلة الماضية على الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعى جاهدت دون جدوى فى طمس الانتصارات المصرية عام 1973 التى مر عليها نصف قرن من الزمان.. سعى الجميع ليبدأوا يوماً جديداً من الإنكار، دون أن يدركوا أنهم على موعد مع طوفان امتد ليفك حصار غلاف غزة ، ويحرز الاختراقات تلو الاختراقات للقبة الحديدية.

ولكن، هل كان الانتصار المدوى الذى أحرزته الفصائل فى صباح 7 أكتوبر، وما تلاه من فشل الاحتلال فى تحرير الأسرى الإسرائيليين دون الرضوخ لصفقة تبادل خلال هدنة إنسانية، هل كان كل ما جرى فى الفترة من 7 أكتوبر، وعلى مدار ما يقرب من شهرين ، سقوطاً استخباراتياً لتل أبيب، أم كان مجرد فصلاً فى مؤامرة مركبة، تهدف إسرائيل من خلالها إلى تمرير سيناريو التهجير القسرى للفلسطينيين ؟.

عملية طوفان الأقصى، التى وصفها مراقبون ووسائل إعلام عالمية كبرى خلال الأيام التالية للسابع من أكتوبر الماضى بـ" الفشل الاستخباراتى الأكبر منذ 1973"، حركت الكثير من المياه الراكدة فى القضية الفلسطينية، حيث أعادت - برغم قسوتها- الحديث عن ضرورة استئناف عملية السلام، وقادت -برغم اجتياز شهداء العدوان حاجز الـ14 ألف- دولاً غربية لتغيير خطابها وموقفها من الأزمة..إلا أنها كانت كذلك  بمثابة فرصة لحكومة بنيامين نتنياهو للدفع نحو سيناريو تفريغ قطاع غزة من سكانه، وأحيت من أرشيف الموساد ملفاً مشبوها يعود عمره، بحسب وثائق بريطانية، إلى عام 1971 ، حيث شهد العام أولى محاولات الاحتلال الدفع بسكان غزة نحو سيناء ، بهدف الاستيلاء على المزيد من التراب الفلسطينى .

 

ارتباك عسكرى وتحركات مشبوهة

ولعل ما يرجح كفة "المؤامرة الإسرائيلية" هو ذلك التنسيق العابر للحدود الذى أقدمت عليه تل أبيب على صعيد الاستخبارات، والذى ظهر عبر محاضر اجتماعات ودعوات مسئولين إسرائيليين لإبادة جماعية لسكان القطاع من جهة، وصولاً إلى تحرك أقلام وأصوات غربية من جهة أخرى لترويج فكرة نزوح سكان القطاع لسيناء أو الأردن ، وهو تحرك مشبوه، ومرتب بعناية ، لا يتسق مع حجم الارتباك الطبيعى لتل أبيب على الصعيد العسكرى بعد تحرير مستوطنات غلاف غزة ، وبعد وقوع عشرات الإسرائيليين فى أسر الفصائل الفلسطينية .

 

التباين الواضح فى الموقف الإسرائيلى عسكريا واستخباراتيا ، كان محور تقرير لصحيفة  فاينانشيال تايمز البريطانية فى 24 نوفمبر، والذى ذكر، نقلا عن مصادر إسرائيلية مطلعة، إن ضابطا رفيع المستوى فى الاستخبارات الإسرائيلية رفض تحذيرا مفصلا يتنبأ بعملية طوفان الأقصى، ووصفه بأنه سيناريو وهمي.

 

التقرير كشف أن الحراس على حدود إسرائيل مع غزة، والعديد منهم جنديات تشاهدن وتحللن مقاطع الفيديو وغيرها من البيانات التى تم جمعها بالقرب من السياج الإلكترونى المحيط بالقطاع، أرسلوا تقريرا مفصلا قبل أسابيع من عملية السابع من أكتوبر إلى ضابط المخابرات الأعلى رتبة فى القيادة الجنوبية حيث احتوى التقرير على تحذيرات محددة، منها أن الفصائل الفلسطينية تتدرب على تفجير نقاط حدودية فى عدة مواقع، ودخول إسرائيل والاستيلاء على (الكيبوتز)، وفقا لشخص على إطلاع مباشر بمحتوى التحذير.

ووفقا للمصادر، فإن الجنود حذروا أن تحليلهم لعديد من مقاطع الفيديو أظهر أن رجال الفصائل الفلسطينية يتدربون على احتجاز رهائن، وأنهم شعروا بأن هناك هجوما وشيكا.

وجاءت المذكرة بعد رؤية قائد عسكرى فلسطيى بارز يشرف على التدريب، والذى تم التعرف عليه من قبل الحراس من خلال قاعدة بيانات الوجوه والهويات التى تحتفظ بها الوحدة 8200، وهى جزء من فيلق المخابرات الإسرائيلية.

ولم يكن هذا التقرير الوحيد الذى رصد إغفال حكومة نتنياهو وأجهزة استخباراته لعلامات التحذير من الطوفان القادم، فقد  كشفت صحيفة هآارتس الإسرائيلية أن جهاز استخبارات الدولة العبرية حذر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو مرتين قبل عملية السابع من أكتوبر، من أن الأزمة الاجتماعية والسياسية المحيطة بالتعديلات القضائية تشجع على شن هجمات ضد إسرائيل.

وذكرت الصحيفة أن رئيس قسم الأبحاث فى مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي حذر نتنياهو شخصيا من أن الأزمتين السياسية والاجتماعية المحيطتين بالإصلاح القضائى كان يشجع الفصائل الفلسطينية وحزب الله وأطراف أخرى على شن هجوم ضد إسرائيل، ومنها هجمات مشتركة.

 

مخطط التهجير..صحوة مباغتة بعد السابع من أكتوبر

لم يمر وقت طويل بعد عملية طوفان الأقصى لتخرج تلميحات وتسريبات وأحيانا دعوات صريحة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة كحل إسرائيل الوحيد لتحقيق "الأمن".

ففى 13 أكتوبر، وبحسب ما ذكرت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، طرحت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، وهى وزارة تجرى أبحاثا لكنها لا تضع سياسات، ثلاث بدائل من أجل تغيير الواقع المدنى فى قطاع غزة، ووصف واضعوا التقرير هذا البديل، تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، بأنه الأكثر تفضيلا لأمن إسرائيل.

واقترحت الوثيقة نقل المدنيين فى غزة إلى  خيام فى شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة لهم، وممر إنسانى غير محدد. كما سيتم، بموجب المقترح الشيطانى، إنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع الفلسطينيين النازحين من الدخول. ولم يحدد التقرير ماذا سيحدث لغزة بعد إخلائها من سكانها.

كما خرج العديد من المسئولين الإسرائيليين، السابقين والحاليين، يدعون صراحة إلى توطين الفلسطينيين في سيناء وإخلاء غزة، لاسيما الشمال، حيث الحدود المشتركة للقطاع مع الدولة العبرية، وحيث تتزايد الضغوط على نتنياهو من المتطرفين للتوسع فى بناء المستوطنات. بل إن استغل زعيم مستوطنات بارز فى حزب رئيس الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حالة الأزمة ليدعوه لإعادة بناء مستوطنات كتلك الموجودة فى الضفة الغربية فى قطاع غزة كـ "حزام دفاعى".

 

التاريخ شاهد على المخططات الإسرائيلية

وإذا كانت وثائق الحاضر وحدها لا تكفى، فالتاريخ شاهد على المخططات الإسرائيلية الراسخة. فقد كشف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى فى 31 أكتوبر، أن مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من غزة يعود إلى عام 1971 ، أي قبل حرب السادس من أكتوبر.

وتضمن تقرير"بي بي سي" وثائق بريطانية سرية ، تكشف أبعاد المخطط الإسرائيلي قبل 52 عاماً ، والذي كان يهدف إلى ترحيل آلاف من سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء، وذلك بعد احتلال الجيش الإسرائيلي غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ‏السورية، في حرب يونيو عام 1967، حيث أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل، وباتت مخيمات اللاجئين ‏بؤر مقاومة للاحتلال.

لا يبدو هذا سيناريو "تخيليا"، كالذى رفضه ضابط الاستخبارات الإسرائيلى بحسب رواية فاينانشيال تايمز. فهناك العديد من الأدلة الذى ترجح هذا الاتجاه، منها ما يحدث على أرض الواقع بالفعل، وتحدى تل أبيب الصارخ لكافة الدعوات الدولية، حتى من قبل حليفتها الوثيقة الولايات المتحدة، برفض التهجير القسرى للفلسطينيين.

فضربت إسرائيل عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية، واستهدفت بقصف جوى وحشى، لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية بحسب شهادات الخبراء، ليس فقط منازل المدنيين، بل دمرت أحياء كاملة وقضت على البنية التحتية سواء المستشفيات أو محطات تحلية المياه أو مخازن الحبوب، وكل ما هو ضرورى لأن يكون هناك حياة، حتى لو فكر الفلسطينيون يوما فى العودة إلى منازلهم بعد توقف الحرب لن يجدوا شيئا يصلح لإقامة حياة.

هذا ما وثقته تقارير الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية، من بينها وكالة أسوشيتدبرس التى قالت إن حوالى نصف المبانى فى شمال غزة قد تدمرت أو تضررت جزئيا، وفقا لتحليل  بصور الأقمار الصناعية أجرى فى جامعة أوريجون. ومع تقدير الأمم المتحدة بأن 1.7 مليون شخص أصبحوا مشردين، فإن البعض يتساءل عما إذا كانت غزة ستتعافى على الإطلاق.

كما أن الحرب أوقفت 27 من إجمالى 35 مستشفى فى قطاع غزة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. بينما الدمار الذى لحق بالبنية التحتية الحيوية ستظل تداعياته قائمة لسنوات.

وقال سكوت بول، خبير السياسة الإنسانية فى منظمة أوكسفام أمريكا إن المخابز ومطاحن الحبوب تدمرت وكذلك تم تدمير مرافق الزراعة والمياه والصرف الصحى. وأضاف قائلا: أنت بحاجة إلى أكثر من أربعة جدران وسقف ليكون المكان صالحا للسكن، وفى كثير من الحالات لا يمتلك الناس ذلك.

 

 العودة إلى الشمال.. حلم بعيد المنال

وبعد نزوح الملايين من شمال القطاع إلى جنوبه، باتت العودة فى الاتجاه المعاكس حلما بعيد المنال للغزاويين ستقاتل إسرائيل لجعله مستحيلا، ورغم قلة المحاولات، فإن قوات الاحتلال أطلقت النار على فلسطينيين أرادا الاتجاه إلى الشمال، فأدت إلى استشهادهما على الفور فى يوم بدء سريان اتفاق الهدنة المؤقتة.

 

هذا الواقع المؤلم تدعمه وثائق التاريخ التى تؤكد أن مخطط التهجير هدف إسرائيل القديم الذى لم يتوقف، وإن كان قد توارى لفترات عن الأنظار.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع