بعد عشرات المجازرالتى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى حق الشعب الفلسطينى مما أدى إلى سقوط أكثر من 15 ألف شهيد وإصابة أكثر من 25 ألف مصاب نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، تقريرا رصدت فيه ظاهرة التحول الشعبى داخل أوروبا من دعم كامل للإسرائيل، إلى دعم غير مسبوق للقضية الفلسطينية، وذكرت الصحيفة أنه كان 90% من يهود العالم يعيشون فى أوروبا فى نهاية القرن التاسع عشر، ورغم أنه لم يتبق هناك سوى ما يزيد قليلاً عن مليون يهودي، إلا أنها ظلت خلال العقود الماضية قبلة وحصن لليهود حول العالم، ولكن الاتجاه الآن أصبح واضحا، فالتركيبة السكانية الأوروبية تتغير، والمهاجرون من الدول العربية ما زالوا يهيمنون فى الشوارع، والأجواء المعادية لإسرائيل تنتشر بسرعة فى القارة العجوز.
غزة
وبحسب الصحيفة العبرية، فإنه بعد مرور ما يقرب من 60 عامًا على مغادرة آخر اليهود للدول العربية، فإن هناك دلائل متزايدة على أن اليهود قد يضطرون فى المستقبل المنظور إلى قول وداعًا مرة أخرى للبلدان التى عاشوا فيها منذ مئات السنين، ربما تكون عقود من الهدوء النسبى فى أوروبا وترسيخ مجتمعات كبيرة، خاصة فى فرنسا وإنجلترا وألمانيا، قد وصلت إلى نهايتها، كما أن المناخ الديموغرافى - وخاصة الضغط المناهض لإسرائيل آخذ فى التزايد.
مظاهرات دعم فلسطين فى أوروبا
وفى رصدها لتاريخ اليهود بأوروبا، ذكر تقرير الصحيفة العبرية، أنه عندما نشر بنيامين زئيف هرتزل كتابه "دولة اليهود" فى نهاية القرن التاسع عشر، كان 90% من يهود العالم يعيشون فى أوروبا، وحتى فى السنوات التى تلت المحرقة، كان اليهود الأوروبيون يشكلون حوالى 35% من يهود العالم، واليوم، لم يبق فى القارة سوى 9% فقط من يهود العالم - حوالى 1.2 مليون، والاتجاه واضح.
مجازر غزة
وأبرز جالية هى فرنسا حيث يبلغ عدد اليهود نحو 440 ألف يهودى ، يتركز معظمهم فى المدن الكبرى، وعلى الرغم من أنها أكبر جالية فى أوروبا، ولها مؤسسات كثيرة وتقاليد عريقة فى البلاد، إلا أن الدكتور دوف ميمون، الخبير فى شؤون أوروبا فى معهد سياسة الشعب اليهودي، يدعى أنها هى الأكبر فى العالم. الخطر: "الإقليم يتحدث عن نفسه، حيث يوجد فى فرنسا 10 ملايين مسلم، غالبيتهم العظمى معادون لإسرائيل، فمنذ بداية الحرب، كانت هناك زيادة كبيرة فى الحوادث المعادية لإسرائيل، وليس هناك ما يضمن أن هذا لن يمتد إلى أماكن أكثر عنفا وخطورة مع استمرار القصف فى غزة".
مظاهرات دعم فلسطين
وبحسب ميمون، فإن ما نشاهده فى أوروبا ويسبب المزيد من الرغبة فى الهجرة هو الإقصاء الاجتماعى الزاحف لليهود، وقال "اليهود يعودون إلى فترة ما قبل المحرقة عندما كانوا فى وضع أكثر هامشية، وقد يكون لديهم أعمال خاصة وينشطون بالطبع داخل المجتمع، لكنهم أصبحوا أقل فأقل جزءًا من المجتمع والثقافة العامة، ففى فرنسا يريدون منك أن تترك هويتك الشخصية فى المنزل، وهذا ينعكس أيضًا فى الاندماج العلنى لليهود، فهم يعرفون، على سبيل المثال، أن أى تعبير أو تماهٍ مع إسرائيل سيؤدى إلى دفع ثمنه على الفور فى مستوى الشعبية أو حتى عدد المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعى".
وتابع: "وحتى اليهود البارزين يفهمون أن ذلك أفضل للتقليل من ظهورهم، فقد قام الكثيرون بإنزال الميزوزا من الأبواب الخارجية، وآخرون يطلبون عدم استلام طلبات التوصيل إلى المنازل بل الحضور لاستلامها عن طريق البريد، ويتجنب الجميع تقريبًا ركوب سيارات أجرة أوبر لأن معظم السائقين مسلمون".
مظاهرات تضامنا مع فلسطين
وتحدث تقرير الصحيفة العبرية، عن أسباب هذا التغير من موقف أوروبا من إسرائيل، وقالت: "هناك ثلاثة اتجاهات تؤثر بشكل مباشر على اليهود فى أوروبا: الأول هو التغيير الديموغرافى الذى لا يخضع لسيطرة أحد، والثانى هو التدهور الاقتصادى - وهو الوضع الذى لا يؤثر بشكل إيجابى على الموقف تجاه اليهود، والثالث هو التحرر من عقدة معادة اليهود، وهى زجاجة معاداة السامية التى تم خنق أوروبا بها منذ عدة عقود، فالناس لا يخجلون من القول إنهم لا يريدون اليهود هنا، وحجم الأعمال المعادية للإسرائيل فى ارتفاع حاد".
مظاهرات دعما لفلسطين
أما إنجلترا، فبالتأكيد طوفان الأقصى لها الأثر الأكبر لمعادة إسرائيل، ومن المسلم به أنها شهدت أكبر المظاهرات فى أوروبا ضد إسرائيل، لكن معظم المتظاهرين مسلمون، ليسوا من العالم العربي، ولكن أكثر من باكستان وبنجلاديش وأماكن أخرى، وهناك عدد أقل من حوادث العنف، وكان رد فعل السلطات أيضاً سريعاً وحاداً نسبياً، ومن ناحية أخرى، هناك مشاعر معادية لإسرائيل تحظى بشعبية كبيرة أيضاً بين البريطانيين غير المسلمين، وتختلط جميعها وتتحول بسرعة كبيرة إلى مشاعر معادية لإسرائيل، لذلك فى إنجلترا أيضًا، بدأ اليهود فى التواضع علنًا حول يهوديتهم وإخفاء العلامات، فهم يعيشون الواقع القاسى مع نوع من التكيف المعرفى الذى يسمح لهم بمواصلة حياتهم اليومية الحياة رغم الظروف.
وتستكمل الصحيفة العبرية رصد وضع اليهود فى دول أوروبا بعد طوفان الأقصى، وأما فى ألمانيا فرغم من موقف الدولة الرسمى، إلا أن الأواع الداخلية تعكس حجم التعاطف مع القضية الفلسطينية، خصوصا وأن شرائح الشباب هى الأكثر معاداة لإسرائيل، فهناك يعيش 117 ألف يهودي، والوضع الخاص بهم مختلف قليلاً، حيث يتكون جزء كبير من يهود ألمانيا اليوم من المغتربين من الاتحاد السوفيتى الذين ذهبوا إلى هناك بعد أن أتيحت لهم ظروف استقبال جيدة، وعلى الرغم من استيعابهم فى ألمانيا فى العقود الأخيرة، إلا أنهم ليسوا "ألمان" كلاسيكيين وليس لديهم تقاليد طويلة فى البلاد، بمعنى آخر، إذا تفاقم الوضع فسوف يتمكنون من الهجرة إلى وجهة أخرى.
وفى النهاية، اليهود هناك لا يشعرون بالضرورة أنهم ينتمون إلى الأمة الألمانية، فهم، بمعنى ما، مثل العمال الأجانب، وسيقول العديد من اليهود فى فرنسا: "أنا يهودى فرنسي، وفى إنجلترا سيعرف اليهود أنفسهم أيضًا على أنهم اليهود الإنجليز، ولكن فى ألمانيا لا يشعرون بنفس الشعور، وانتمائهم ليس متجذرًا، وبالتالى يمكنهم أن يقولوا لأنفسهم بسهولة أكبر - قصتنا هنا انتهت، حان وقت الوجهة التالية، ولقد غادر البعض أو يخططون للذهاب يهاجرون إلى الولايات المتحدة، وهذا مجتمع مختلف عن فرنسا أو إنجلترا".
هذا الخبر منقول من اليوم السابع