بأنامله المرتعشة يدك غرزة تلو الأخرى فى ثوب جديد طلبه منه أحد زبائنه، ينظر فى ساعته المتهالكة وقد اقترب الوقت من الثانية عشر منتصف الليل، شغله الشاغل أن ينتهى من مهمته وحياكة قميص يكسب منه قوت يومه، وجزء من إيجار محله، وأن يغادر ليلاقى ابن أخته الذى يسكن معه فى نفس الشقة منذ سنوات.
يحكى العم "ماهر وسيلي"، لبرنامج صندوق محسوب، والذى يقدمه محمد محسوب عبر تليفزيون اليوم السابع، أنه بدأ العمل فى مهنة القصانجى منذ نعومة أظافرة رغم رفض والده، ذاكراً أنه فى أحد المرات وجده والده يتعلم المهنة أثناء غيابه عن المحل، ويقوم بالجلوس على ماكينة الخياطة فركض وراءه وطرده، بل وأمره أن يكون شغله الشاغل التركيز فى دراسته.
يصمت "ماهر" قليلاً ويعاود الحديث وهو يبتسم قليلاً قائلاً:" أنا كنت شقى أوى وأنا صغير، كنت بحب أناكف فى اللى بيجى لأبويا المحل، بناقش معاه أمور متعلقة بالتاريخ والثقافة وعلشان كدا أبويا كل لما يلاقينى جاى المحل يقولى قوم روح البيت".
الصحفي محمد محسوب وحلقة جديدة من برنامج صندوق محسوب
تحدث عم "ماهر" عن أنه تعلم المهنة من والده رغم رفض والده لعمله فى الحياكة من الأساس، موضحاً أنه تخرج من كلية تربية فنية تخصص نحت وتصوير، وعمل بوزارة الآثار لفترة طويلة لكنه قرر الاستقالة بعد تعب والده كى يعمل فى حياكة القمصان، واستمر فى العمل بمحل والده حتى الآن.
يبتسم عم "ماهر" ويكمل حديثه قائلاً:" لما أبويا تعب قولتله أنا هقف معاك، قالى : هتتعب"، متابعاً: فعلاً أنا تعبان دلوقتى مفيش حد بيساعدنى فى شغلى، بس أنا بحاول أحافظ على إسم محل أبويا "وسيلي".
يحكى "ماهر" أنه تعلم من كليته والتى درس بها لخمس سنوات حب العمل اليدوى والإبداع، ذاكراً أنه حصل على تقدير عام "جيد مرتفع " خلال دراسته.
وأوضح :"أن من بين المواقف التى ينساهاً قيامه بنحت وتصميم تمثال من النحاس يشبه حصان طروادة وطلب منه أحد أساتذة الكلية أن يحصل عليه مقابل أن يمنحه تقدير امتياز، متابعاً : قالى :"هتاخد مقبول"، قولتلته : أنا موافق وأخدت التمثال".
وعن مراحل تصنيع "القمصانجي" للقميص قال : بنجيب القماس وناخد مقاسات الزبون من واقع جسمه، وبيتم قص القميص، ثم يتم حياكة القميص وتنفيذ اللياقة والأكمام".
يحكى العم "ماهر" مجدداً عن بروتوكولات سابقة تتعلق بتصنيع القمصان قائلاً:" زمان كان فيه بروتوكول وهو أن كل قميص بيكون معاه لياقة وأكمام زيادة علشان لو دابو يركبهم عند نفس القمصانجى اللى عامل ليه القميص، لكن دلوقتى الموضوع دا مبقاش موجود".
يعاود العم "ماهر" الحديث عن مهنته السابقة وهى ترميم الآثار قائلاً:" شغلانتى القديمة كانت حلوة كنت غاويها، بس سيبت ترميم الآثار وجيت أرمم قمصان ".
يتباهى العم ماهر طوال حديثه بما صنعت يداه من قمصان قائلاً:" أنا عامل حاجات حلوة كتير كاروهات وسادة، دا قميص عامله لصاحبى دكتور لبسه كله من عندى رغم إنه بيسافر برة وممكن يشترى من من برة لكن بيجيلي".
يتابع "ماهر" حديثه :" أنا بعمل ترديد للون كأنى بعمل لوحة، خاصة إنى كلية تربية فنية وكليتى علمتنى حاجات كتير".
يتمنى العم " ماهر" أنه الحفاظ على إسم والده "وسيلي" والذى كونه بالعلاقات، وبالإنتاج الجيد.
برنامج صندوق محسوب
يبتسم "ماهر" ويحكي عن أغرب قميص قام بتفصيله قائلاً: " أنا مرة فصلت قميص من القصاقيص، صاحبه كان عايز يعمل حاجة معملهاش الناس، فقولتله هعملك قميص مقطع وكان من القصاقيص"، متابعاً :" القميص دا لما داب صاحبه زعل عليه أوي".
تداعب الدموع عينا "ماهر" وهو يعرض بعض أعماله التي يضعها في أحد أركان محله قائلاً" :دا شغلي عملته سنة 1985 قبل تخرجي وحطيته قصادي هنا وأنا شغال علشان منساش أنا كنت إيه الأول".
صندوق محسوب وحلقة القمصانجي
وعن الحزن الذي يملأ عينا العم "ماهر" قال:" أنا بدور على اللي درسته، لكن للأسف مش لاقيه فأنا معتكف، مفيش حد مثقف، أنا بحب القراية"، متابعاً: أنا منديش أولاد ودا ميراث ربنا بيعطيه للإنسان وممكن ميديهوش ليه".
يستكمل عم "ماهر" حديثه من جديد قائلاً:" الدنيا متسابة، أنا لو كنت كملت شغلي في الترميم كان زماني على المعاش، ربنا حط لكل إنسان موهبة داخلية، والإنسان اللي بيستثمر موهبته ربنا بيكرمه ".
هذا الخبر منقول من اليوم السابع