شعره كيرلى وأبيضانى وحلو.. كلمات قد تبدو لك عادية ولكنها مزقت قلوبنا جميعًا، فبمثابة رؤية هذه الكلمات على صفحات السوشيال ميديا تبكى وتشعر بالعجز والحزن.. وظهرت تلك الكلمات في فيديو تم تداوله لطبيب فلسطيني وزوجته يبحثان عن طفلهما وسط المصابين والجثث بعد عمليات القصف من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
تلت ساعة هو الوقت الذى استغرقه الطبيب الفلسطيني محمد حميد أبو موسى في البحث عن طفله يوسف بين غرف الإنعاش والطوارئ وصولاً لثلاجة الموتى وهنا كانت الصدمة ونهاية رحلة البحث فوجد ابنه جثة هامدة وكل ما فعله أنه احتضن طفله واحتسبه عند الله شهيدًا ولم يقل سوى كلمة واحدة: "الحمد لله".
يوسف بلبس التخرج
يوم القصف حضني ونادى على أمه وأخواته وقالهم حضن عائلي
وفى تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع" يروى والد الطفل تفاصيل أصعب يوم مر عليه فى حياته حيث قال: "أنا عندي ٣ أولاد الكبيرة بنت اسمها جوري وبعدها حميد والصغير يوسف ٧ سنوات، أنا مراتي مصرية فلسطينية أخذت الجنسية عن طريق حماتي لأنها مصرية من الشرقية، ويوسف والأولاد كلهم معهم الجنسية المصرية، أنا بشتغل طبيب في قسم أشعة مستشفى ناصر، وفي يوم القصف اللي حصل على البيت كان عندي شغل طوارئ ٢٤ ساعة، يوسف كان دايمًا يسأل عن مواعيد شغلى ويحسب لي أمتى أروح وأي ساعة أطلع وارجع البيت، وكل ما أطلع على الشغل يجي يحضني ويبوسني، وأول واحد كان يجي يجري عليا لما أدخل البيت بعد الشغل، ويحضني ويبوسني".
أبو يوسف
وتابع: "يوم القصف 15أكتوبر طلعت الشغل وحضني ونادى على أمه وأخواته وقالهم حضن عائلي نقف كلنا حاضنين بعض، ووصلت الشغل وبعد ساعتين سمعت صوت قصف والبيت مش بعيد كثير عن المستشفى، وإحنا عارفين أنهم بيضربوا أي حد وفي أي مكان قلقت لأنه الصوت من المكان اللي أنا ساكن فيه، بدأت أسأل فين القصف ومحدش بيجاوب، اتصلت على زوجتي أول مرة مردتش، المرة التانية فتح الخط وسمعت صوت صراخ، فقدت أعصابي وطلعت أجري على الطوارئ، ولما دخلت الطوارئ سمعت صوت بنتي وأمها وحميد وهم بيصرخوا".
رحلة البحث عن يوسف بين الإنعاش وثلاجة الموتى
واستكمل الطبيب حديثه قائلا: "روحت عشان أحاول أهديهم وأطمن عليهم وبعدين روحت أشوف بقية الإصابات ولاد أخوي وغيرهم وسألت عن يوسف كل واحد أسأله عن يوسف يلف وشه عني وكأنه بيهرب من الإجابة، ودخلت غرفة الإنعاش لقيت دكتور بيعرفني وبيعرف ولادي وأول ما دخلت عليه بص علي بصة وقعت قلبي، فقدت أعصابي وبديت أجري في كل مكان أدور عليه، في مصور كان بيصور الأحداث والإصابات فتح الكاميرا وصار يعرض صور الإصابات، شفت صورة عرفت يوسف من لبسه، قلت أيوة هو ده فينه؟، هز رأسه ومجاوبش، وفيه واحد كان واقف ورا قال ده أنا كنت شايله وواخده على التلاجة يعني المشرحة".
أبو يوسف
حالة من الصدمة وعدم الاتزان أصيب بها الطبيب والد الشهيد يوسف عندما أخبروه أن طفله "الجميل الأبيض والشعر الكيرلى" في ثلاجة الموتى، لم يتمالك أعصابه وأثناء ذهابه للمشرحة كانوا يدعو الله مرة أخرى أن يكون كل ذلك كابوسًا وأن يكون طفله مازال حيًا.
يوسف وولاد عمه جنب بعض في المشرحة
رحت المشرحة وشفت زمايلي هناك على الباب طلعت عليهم وكلهم باصين عليا بحزن".. هو ما قاله الطبيب عندما وصل إلى أبواب المشرحة وقال: "وقفت مقدرتش أمشي إلا لما مسكوني ودخلت لقيته هو وابن عمه الأكبر منه بسنتين على نفس المشرحة، ولقيت ابن عمه الكبير هناك ومرات أخوي، بس بصعوبة تعرف عليها جوزها لأنها كانت أشلاء الجثة، وولاد أخوي اللي اتصابوا واحد عنده كسر مركب في الفخذ والساعد وشظايا في البطن وحروق وابنته عندها كسر في الحوض وجرح واصل للعظم من الظهر، كل ما قلته: "الحمد لله وحسبنا الله ونعم الوكيل".
يوسف كان حبيب الكل.. والدته أصرت تبوسه وتلمس شعره الكيرلى آخر مرة في المشرحة
حالة من الصدمة أصيبت بها الأم منذ بداية البحث عن طفلها حتى وجدته في المشرحة، فلم يستطع الأب أن يخبرها بوفاة طفلها ولكن قلب الأم مثلما يقولون، فكانت تبكى وتصرخ في المستشفى وتبحث عنه وكأنها تشعر أنها اللحظات الأخيرة معه وتقول للأطباء: "شعره كيرلى وأبيضانى وحلو وينه حبيبى".
وقال والد الشهيد يوسف: لم أستطع أن أخبر والدته وأخواته، فابني عندما عرف بوفاة شقيقة أصيب بحالة من الانهيار العصبى، ووالدته كانت في حالة من الصدمة تجرى هنا وهنا، وعندما عرفت الخبر طلبت أن تراه قبل الدفن حاولت كثير أقنعها بعدم رؤيته في هذه الحالة ولكنها رفضت وأصرت، مكنتش عارف أعمل إيه وهى بتشوفه وبتبوسه وبتلمسه آخر مرة، الوضع كان صعب عليها وعلينا كلنا، الحمد لله على كل حال والدته الله يصبرها كل ما نقعد ما بعض منقدرش نمسك حالنا يوسف كان حبيب الكل، كل البيت بيحبه في النادي بيحبوه زمايلي بيحبوه، جده بيحبه الله يرحمه حبيبى".
وأنهى حديثه قائلا: "أنا خسرت كل شيء قرايبى وبيتى وحياتى ولكن الخسارة الأكبر هي ابنى حبيبى يوسف، احتسبه عند الله شهيدًا ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل"
هذا الخبر منقول من اليوم السابع