مات عبد الحليم حافظ فى 30 مارس 1977 وما زال حيا باقيا مسيطرا على ساحة الغناء العاطفى والدينى والوطنى، عاش حليم فى قبره ومات من حاربوه وهم أحياء، وهنا وفى ذكرى وفاته نقدم الوجه الحقيقى للعندليب الأسمر أو نصف حليم الآخر الذى أضاء حياة من حوله، كبارا وصغارا، بهجة وحبا وضحكا ولعبا وعملا وأملا وكفاحا.
صورة معروفة ومنتشرة للعندليب الأسمر والراحلة وردة الجزائرية وهو يصفق لها على المسرح وخلف هذه الصورة حكاية خصام وصلح فقد عاتب حليم وردة على كلمات أغنية ولاد الحلال وقال حينذاك إن هذه الكلمات لا تليق بها وتاريخها ومكانتها الفنية لكنها غضبت ولم تدرك أنه كان يقصد الحفاظ على مكانتها ثم قام بالذهاب إلى المسرح لمصالحتها أمام الجمهور لما هو معروف عنه من طيبة القلب ويقال إنها كانت ليلة عيد ميلاد عمر خورشيد أو هانى مهنا لا أتذكر بالضبط.
الهجوم على حليم واتهامه بالتمارض
ترددت كثيرا فى نشر هذا المنشور لما فيه من، ظلم، وقهر بين، لهذا الإنسان عبدالحليم حافظ.نوفمبر ١٩٧٦ عبدالحليم حافظ يلزم الفراش بعد إصابته بنزلة برد ويخطط للسفر بعد التعافى إلى لندن لمتابعة العلاج بالحقن من دوالى المرىء.
أقام آخر حفلاته العامة فى القاهرة فى ديسمبر وهو الحفل الشهير الذى حضره نجوم الفن والأدب مثل نزار قبانى وإحسان عبدالقدوس وعمر الشريف.. ثم بعده بأيام شارك العندليب فى إحياء حفل زفاف إحدى بنات الرئيس السادات فى يناير ٧٧ ثم سرعان ما حزم حقائبه للسفر إلى لندن مصطحبا معه شريط كاسيت لأغنية من غير ليه على العود بصوت الأستاذ محمد عبدالوهاب ليتمرن على أدائها حتى لا يضيع وقتا قبل حفل عيد الربيع فى إبريل.. وخضع عبدالحليم للفحوصات والعلاج التقليدى بينما كانت الصحف المصرية تنقل أخبارا عن تمارض عبدالحليم حافظ بينما هو يستجم فى لندن من أجل الدعاية لأغنيته الجديدة.. ويتداول مثقفو اليسار شريط كاسيت لأغنية الشيخ إمام ونجم التى يتغنيان فيها بمرض عبدالحليم «الليلة هيتنهد ويغنى وحيموت» ويتداول أبناء الطبقة الشعبية كاسيت للشيخ كشك هو الآخر يسخر من عبدالحليم.
فى ظل هذه الأجواء تفيض روح عبدالحليم إلى بارئها يوم ٣٠ مارس ٧٧ ولم يكمل عامه الـ٤٨.. ويرجع كما ترون.. ليبتلع كل من سخروا من مرضه ألسنتهم.
العندليب والصول عباس علاقة بدأت بخناقة وانتهت بصداقة خاصة.. لم تكن حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مقتصرة على الغناء والتمثيل فقط، بل كانت مليئة بالحواديت الإنسانية المبكية والمضحكة، فالجانب الإنسانى فى حياة عبدالحليم كبير ومؤثر، وقصتنا هذه خير دليل على ذلك.
تعود عبدالحليم خلال السنوات الأخيرة فى حياته، وكنوع من التنفيس عن نفسه من ضغط العمل المستمر وأيضا المرض، أن يذهب فى جولة بسيطة بسيارته بالقرب من منزله، ولأن العندليب كان بسيطا فى حياته لم يكن يهتم بما يرتديه خلال جولاته هذه، لدرجة أنه كان يخرج أحيانا بـ«البيجامة» أو «الجلابية».
وذات يوم قرر عبدالحليم الخروج فى جولة بسيارته، ونزل بـ«الجلابية والطاقية والشبشب»، ولم يتوقع العندليب أن اليوم سيكون مختلفًا، إذ أوقفه صول يدعى عباس ليطلب منه الرخصة.. نظر العندليب للصول، كيف لم يتعرف على عبدالحليم حافظ، أشهر نجوم الغناء فى مصر والوطن العربى؟
«أنت مش عارفنى؟» هكذا عبر العندليب عن دهشته من الموقف، ليرد عباس بكل ثقة: «لا»، فرد العندليب: «أنا عبدالحليم حافظ.. مش شايف الشبه؟!»، ليرد عباس بسخرية: «وهو معقول إن عبدالحليم ينزل بجلابية فى الشارع؟».
ولينتهى هذا الجدال، طلب عباس من العندليب أن يغنى له لكى يتأكد أنه عبدالحليم حافظ بالفعل.. غضب حليم من هذا الطلب جدًا، لكنه أراد أن ينهى هذا المشهد العبثى فورًا، لذا بدأ يغنى «يا سيدى أمرك، أمرك يا سيدى».
بعد غناء العندليب، تأكد عباس أن صاحب «الجلابية» هو عبدالحليم حافظ بالفعل، وهو ما جعله يشعر بالخوف الشديد، فمن المعروف أن حليم علاقاته السياسية قوية وبالتأكيد سيدفع عباس الثمن غاليًا على هذا الموقف السخيف الذى تعرض له العندليب.
بدأ عباس يتوسل لعبدالحليم لكى لا يؤذيه، وطلب منه السماح، ورغم أن العندليب اشتاط غضبا بسبب هذا الموقف لكنه سامح عباس وأنهى الموقف فورا.
لم يكن عباس من محبى عبدالحليم من قبل، لكن بعد هذا الموقف أصبح من هواة أغنيات العندليب، بل وبات من عشاقه.
ومنذ هذا اليوم، أصبح العندليب يمر بشكل دورى على عباس، وهو يتجول بسيارته، وفى كل مرة كان حليم ينزل من سيارته خصيصا ليسلم على عباس، ومع الوقت أصبح عباس ينتظر حليم، ونشأت علاقة صداقة قوية بينهما.
وذات يوم، نزل عبدالحليم من منزله كعادته، ليجد عباس فى مكانه، فظلا يتحدثان عن أحوالهما، ولكن العندليب هذا اليوم وجد صديقه غريبا بعض الشىء لكنه لم يسأله، وأثناء الحديث قال عباس لحليم بصوت خجول إنه يريد طلبا منه.
دون تردد رد العندليب «طبعا إحنا إخوات»، فتحمس عباس للحديث موضحًا أن زفاف ابنته خلال أيام ويريد من عبدالحليم أن يأتى ليتشرف به أمام عائلته، ولم ينه عباس حديثه حتى وجد العندليب يسأله عن مكان حفل الزفاف.
سكت عباس للحظات، ليرد بمنتهى الحرج، فالحفل ليس فى فندق مثلما يحضر العندليب حفلات الزفاف، بل هو مجرد حفل بسيط أعلى «سطوح» منزل عباس.
أكد العندليب أنه سيأتى الفرح، لكن فى المقابل عباس كان يعلم جيدا أنه من الصعب أن يحضر نجم مثله حفل زفاف على «سطوح».
وفى يوم الفرح.. حدثت المفاجأة، إذ بدأ حليم الاستعداد لحضور الحفل وكأنه حفل زفاف ابنة أخيه، فارتدى بدلة أنيقة، وذهب لأحد محلات المجوهرات ليشترى هدية لابنة عباس، وعندما وصل العندليب للعنوان وجد مشكلة، «السطوح» فى الدور الخامس ولا يوجد «أسانسير» وحالة حليم الصحية لا تسمح له بذلك، ورغم هذا أصر على الصعود.
عندما دخل العندليب «السطوح»، لم يصدق عباس ما يراه، فعبدالحليم حافظ بنفسه فى حفل زفاف ابنته، لم يقف حليم عند هذا الحد لكنه أحيا الفرح بالكامل وغنى الكثير من أغانيه.
انتهى حليم من الغناء وذهب ليجلس بجانب صديقه عباس الذى لا يزال غير مستوعب لهذا الموقف، فوجد العندليب يهمس فى أذنيه: «أنت أخويا وده فرح بنت أخويا ماكنش ينفع ماجيش».
هذا الموقف ظل محفورًا فى قلب وعقل عباس ولم ينسه للحظة، بل كان يرويه لكل من يعرفه.
وبعد سنوات، سافر العندليب ليتلقى العلاج فى الخارج، لكنه لم يعد وتوفى يوم 30 مارس سنة 1977، وبدأت الإذاعات تبث الخبر، عندما سمع عباس الراديو تعرض لصدمة قوية وكأن أحدا من عائلته توفى.
فشلت الأيام فى أن تداوى أحزان عباس، ففراق العندليب أثر بشكل كبير على حياته، ولم يذهب لعمله مرة أخرى، وانعزل عن العالم نهائيًا، وكان يذهب لقبر عبدالحليم فقط لكى يروى الأزهار هناك.
حاولت عائلة عباس أن تجعله يعود لحياته الطبيعة لكنهم فشلوا، لم يرد أن يترك قبر العندليب لحظة، وظل هناك لمدة 3 سنوات، حتى توفى عباس وتم دفنه بجانبه صديقه وحبيبه حليم.
قبر عبدالحليم حافظ.. وحتى هذا اليوم من يذهب لزيارة قبر حليم يجد عباس بجانبه، حيث لم يستطع الموت أن يفرقهما.
نادية لطفى: مواقف حليم الإنسانية أؤكد أنه لا يستطيع أحد أن يحصيها لسبب أن معظمها ظلت فى طى الكتمان والسرية لأن صاحبها لم يرد أن يعلن عنها لأحد ولذلك أشعر بالخجل إذا تحدثت عن أشياء من هذا القبيل باعتبارها من الأعمال السرية الخاصة بين حليم وربه.. وإن كنت أستطيع القول إن حليم عاش حياة أسرية نبيلة حيث كانت له أسرة يرعاها ويعيش معها مشاعر الأب والأخ والصديق، فهو كان يعشق جو الأسرة والبساطة الأسرية بدون تقيد أو تكلف، وأسرته كانت هى أهله، ولم يتنكر لأقاربه من قريته أبدا، لذلك كله عاش حليم إلى اليوم لأنه كان إنسانا مخلصا لفنه ولوطنه وأسرته.
إننى أرى أنه لو لم يكن حليم خيرا بطبعه فإنه كان سيصعب أن يكون معطاء والفن عطاء وهو كان يعطى حياته للفن ثم يهب فنه إلى جماهيره ومحبيه.
شفيق جلال.. رغم تميزه بلون مختلف عن غناء عبدالحليم كان لديه موقف يدل على إنسانية العندليب وحبه للفن حتى لو كان مختلفا على ما يقدمه، فأثناء إحدى حفلات أضواء المدينة التى كانت تذاع على الهواء مباشرة كان شفيق يغنى موال لمدة 10 دقائق وبعده يظهر حليم فى الفقرة التالية لكنه تعمد التأخر ليستكمل شفيق فقرته لنصف ساعة.
وبسؤال عبدالحليم عن سبب تأخره قال إنه أثناء ارتدائه ملابسه شاهد شفيق جلال وأعجب بصوته فجلس ليستمع إليه وكان هذا الموقف سببا فى اشتهار شفيق جلال.
حليم بين الحج والعمرة.. أدى حليم العمرة فى حياته خمس مرات وفى آخر عمرة له عام 76 عندما عاد منها كان يقوم بتوزيع الهدايا على جيرانه فى العمارة التى يسكن بها وعندما ذهبت إليه جارته الأستاذة منال الزير لكى تهنئه بالعودة بالسلامة فقالت له: «حمد الله بالسلامة يا حاج» فضحك حليم وقال لها: «يا ريت والله نفسى أحج لأنى أديت العمرة خمس مرات ولكن صحتى على قدها مش ها أقدر على مناسك الحج».
وكان حليم فعلا يتمنى أداء مناسك الحج وحاول أن يفعل أى شىء يكون قربانا إلى الله على أمل الشفاء من المرض حتى أنه كان يتمنى أن يسجل صوته وهو يقرأ القرآن على شريط كاسيت.
وذهب لكى يأخذ رأى دار الإفتاء وتقابل مع وزير الأوقاف وأخذ رأيه ولكن وزير الأوقاف انزعج وطلب من حليم أﻻ يفعل ذلك لأنه ﻻيعرف أحكام التلاوة والقراءة الصحيحة مثل القراء وقال له: يا عبدالحليم أنت ليك جمهور كبير بيسمعك ولو سمعك وأنت تقر القرآن على شرائط سيظن أن هذه هى القراءة الصحيحة لإعجابه بصوتك.
وربما يقلدونك بنفس طريقتك فى قراءة القرآن بما فيها من أخطاء فى أحكام التلاوة وسيعود الذنب عليك فى حياتك وبعد مماتك وهذا عقابه عند الله كبير وعظيم.
وبالفعل اقتنع حليم واكتفى بأن يقرأ القرآن وهو منفردا بنفسه وخاصة قبل نومه فقط وفى شدة مرضه، وكان يعمل أعمالا للخير كثيرا... فى حياته وطلب من الورثة ان تستمر بعد مماته كثواب على روحه، لأنه أراد للناس الخير منه بعد موته.....فكم هو جميل قلبا وقالبا.
لروحك السلام يا عظيم.. مقال جميل من غادة السمان عن العندليب.. هل تعارف الإعلام حقا مع عبد الحليم حافظ؟
غادة السمّان، إبريل ٢٠١٣
كنت جالسة خلف طاولتى فى الغرفة رقم ٣٠٢ من مبنى «بستانى هول» فى القسم الداخلى الخاص بالبنات فى الجامعة الأمريكية فى بيروت، حين قرعت بابى زميلتان هما لميس ناصر «التى تحتل اليوم مركزاً مرموقاً فى بلدها» وقريبتها الصديقة مى «التى تعمل اليوم استاذة جامعية». وكانتا تقيمان مثلى فى القسم الداخلى للطالبات.
قالتا إنهما فى طريقهما إلى نزهة وعرضتا عليّ مرافقتهما، كعادتنا حين كنا نتعب من عناء الدراسة.
قلت لهما: للأسف، لا أستطيع مغادرة طاولتى قبل الثالثة فجرا، فالبروفيسور رفض اقتراحى بتأجيل بحثى إلى ما بعد أسبوع وعليّ إنجاز أطروحتى للماجستير، ولكن بإمكانكما إسداء خدمة كبيرة لى.
قالت لميس: ماذا تريدين؟ قولى وسننفذه.
قلت: أريد أن تذهبا فى نزهتكما إلى شارع الحمراء… بالظبط إلى «فندق ومقهى الحمراء»، ستجدان عبدالحليم حافظ جالسا فى انتظارى… أرجو أن تبلغاه إننى لن أستطيع الحضور إلى موعدى معه لأسباب دراسية قاهرة، وأننى اتصلت به هاتفياً مرات للاعتذار، ورفض النادل طبعاً مناداة عبد الحليم ليكلمني، وسخر منّى حين قلت: اننى اهتف لالغاء موعدى مع عبد الحليم!!.
قالت لميس بروح النكتة المشعة عندها: عبد الحليم بانتظارك وتريدين الاعتذار؟، وانا ايضاً بانتظارى فى المقهى نفسه «مارولن براندو»، وستعتذر منهما عنا مي!!. وانفجرتا ضاحكتين.
الدماثة الأخويّة.. بعد ساعة ونيف عادت لميس ومى فى حالة سرور ودهشة… وجدتا عبدالحليم بانتظارى واعتذرتا، وأبدى اسفه لغيابى، وأصرّ على دعوتهما لشرب فنجان قهوة، وحين تأهبتا للذهاب أصرّ على اصطحابهما إلى حانوت الصائغ المجاور وشراء هديتين تذكاريتين لها، رفضتا أى قلادة ثمينة، ووافقت لميس على سلسال ذهبى بسيط رخيص الثمن غالى القيمة الرمزية، وقالت لى: إن لطفه ورقته الأصيلة أدهشتها، وكانت تظنّه مختلفا عن ذلك.
ومن لم يظنه شخصاً آخر؟ من طرفى سقطت فى شراك الصورة الإعلامية لعبد الحليم، ولم أحبه فى اللقاء الاول، ولم أدر ليلتها أنه سيكون ذات يوم أخا وصديقا، لم أعرف لنقائه مثيلا إلا نادرا.
ولطالما تلوت بعدها فعل «الندامة» لأننى أخطأت فى فهمه فى لقائنا الأول «كما هى حال إعلام زمانه»، بل وكنت عدوانية على نحو ما، إذ تجنّبته.
اللقاء الأول.. التقيت عبد الحليم للمرة الأولى فى حفل عشاء فى منزل الأديب إحسان عبدالقدوس.. كنت طالبة جامعية فى العشرين، تغادر دمشق للمرة الأولى فى حياتها، وكان وراء الدعوة للعشاء احمد بهاء الدين، الذى أحب كتابتى وطلب منى، حين قرأ نصاً لى أعجبه، قبل صدور كتابى الأول «عيناك قدرى»، الكتابة فى «جريدة الأخبار» الشهيرة، ومقالها «يوميات الأخبار» مرة فى الأسبوع، وكانت زاوية يومية لكبار أدباء مصر سنا وقدرا، وكان تكليفه لى هذا فتحا استثنائيا فى المجال لكاتبة ناشئة.
وفى السهرة التقيت للمرة الأولى بعبدالحليم إلى جانب سليم اللوزى وكمال ناصر وأحمد بهاء الدين وسواهم كثير، ولم اكن أعرف أحدا منهم إلا على صفحات الصحف.
ولفت انتباهى أن ربة المنزل طمأنت عبد الحليم أنها أعدت له طعاماً مسلوقاً خاصاً بمرضه، كما أحاطت به كوكبة من سيدات السهرة يدللنه، وظلمته حين توهمت ليلتها أنه يدعى المرض غنجا ليحظى بتلك المعاملة الاستثنائية، لم أكن أدرى أن مرض «البلهاريسيا» ينغص عيشه ريثما يجهز عليه.
فى يخت جورج أبو عضل.. فى المرة الثانية التقيت عبد الحليم حافظ فى دعوة إلى الغداء على يخت جورج أبو عضل الإعلامى الكبير، رجل الأعمال اللبنانى، الذى أصدر مجلة «الأسبوع العربى» اللبنانية وكانت يومئذ اختراقا استثنائيا فى الحقل الإعلامى، إذ نافست يومها المجلات المصرية الرائدة.
وانشغل جورج ابو عضل عن ضيوفه باصطياد سمكة، جاءت أكثر طولا منى ولى صورة مع «الصياد» ومعها… التقطها لنا عبدالحليم، كما التقط لى صورا أخرى جميلة فنية.
فى تلك النزهة المائية تلازمنا واكتشفت فى عبدالحليم إنسانا دمثا مرهفا رقيقا، روحه الحقيقية تشبه صوته الجارح بالعذوبة المتألمة المسكونة بالحنين إلى ما يدريه، رجل يحب الصداقة الأخوية، ويهرب من الأرض المفخخة بالألغام الملقبة بالحب.
يكتب سعد القرش عن مذكرات المطرب عبدالوهاب، الذى نافسه عبدالحليم على قلوب الملايين قائلا إنه، أى عبدالوهاب، وصف منافسه الشاب بقوله: «وجه عبدالحليم جمّل القبح وعبدالحليم لا يصدق إلا حينما يغنى»، لا أتفق مع ذلك ووجدت فى عبدالحليم الطيبة المصرية التى تسيل صدقا وضوءا ودفئا، لكن كله قوة أمام من يعاده لحسد أو طمع أو كراهية مجانية وحذار من غضب «الحلم» إذا أسأت إليه، ثم إن وجهه كان وسيما.
المحارم الورقية الناعمة.. جاء حليم إلى لندن لحفل غنائى وكنت أتابع الدراسة هناك، وحل فى فندق «رويال غادرن هوتيل» وبفضل رحلته تلك تعارفت مع بليغ حمدى وتلك حكاية اخرى تطول.
بعدها التقيت بعبدالحليم فى القاهرة حين قررت أننى تعبت من برد لندن وسأتقدم بأطروحتى للدكتوراه إلى د. رشاد رشدى فى جامعة القاهرة، وفى مطار القاهرة فوجئت باستقبال الصحفى الصديق مفيد فوزى لى وقد رافقه عبدالحلم وبليغ حمدى والشاعر الغنائى محمد حمزة.
يومئذ عرفت كيف يعيش بعض «النجوم» فى الصحافة والغناء والتلحين والشعر حياتهم الحقيقية فى ظل التواضع الأخّاذ، ولكن الاقدار لم تتح لى فرصة الاقامة فى دار الطالبات فى «حى الدقى» بالقاهرة، إذ تعرضت فى زيارتى لبيروت بعدها إلى «حادثة زواج» مع رفيق العمر بشير الداعوق، إذ تزوجنا بعدما تعرفنا بشهرين فقط، وصار عبد الحليم بعدها صديقاً دائما لزوجى، ولى بكل دماثته وتهذيبه ورقته وإنسانيته الإبداعية.
شهادة فى محكمة الذاكرة.. كان عبدالحليم فنانا يسالم من يسالمه ولا يعادى من يعاديه، ذات يوم تلقت هند رستم اتصالا من الفنانة مارى منيب تخبرها فيه أن عبدالفتاح القصرى سقط فى الشارع مغشيا عليه ونقله الجيران إلى مستشفى حكومى بعنبر الفقراء لعدم استطاعته الإنفاق على العلاج، لم يروق هذا للفنانة بنت البلد هند رستم بل قررت فورا ضرورة نقله إلى مستشفى مبرة محمد على.
ثم بدأت بعد ذلك بحمله تبرعات وكان أول الفنانين المتبرعين المطرب فريد الأطرش الذى سأل هند «هل اتصلتى بحليم» فأجابت أنها لم تتصل به فاقترح على هند الذهاب سويا إلى منزل حليم بالزمالك حتى يعرضوا عليه مشكلة القصرى وبالفعل ذهبا إليه واستقبلهما حليم بحفاوة بالغة ورحب بالتبرع دون تردد وسأل عن قيمه المبلغ الذى دفعه الأطرش فقال له ٢٥٠ جنيها فقال سأدفع مثله واكتمل مبلغ العلاج بفضل التحرك السريع من الفنانة هند رستم وانتقل القصرى إلى المبره ونال اهتماما ورعاية طبية فائقة ما سرع وحسن من حالته النفسية.
p
هذا الخبر منقول من اليوم السابع