علا الشافعى تكتب: السياسة "طاغية" فى مهرجان برلين السينمائى الدولى بدورته الـ73.. مشاهد الطوابير تعود إلى قصر "البرينالة".. والسينما الآسيوية صاحبة الصوت الأعلى "حتى الآن"

 

رغم برودة الطقس إلا أن الكثير من التفاصيل اليومية تؤكد أن حالة البهجة والحميمية قد عادت إلى مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ73 (16 ـ 26 فبراير)، حيث من الطبيعي أن نشاهد في رحلتنا اليومية لمقر المهرجان الكثيرين من رواده ومحبي السينما في طريقهم إلى "قصر البرينالة" أو السينمات التي تشهد الفعاليات والعروض.

 

ليس ذلك فقط بل عادت الطوابير الطويلة التي تمتد لآخر الشارع المؤدي لمكان العروض حتى في الأوقات المتأخرة من الليل، وكذلك مشاهد محبي السينما الذين يبحثون عن تذاكر لدخول العرض، ويقفون حاملين لافتات "ticket only“، أو "two Ticket"، وهناك من يرفعون لافتات أخرى للباحثين عن الدفء تحمل "free hug"، وامتلاء مسرح "قصر البرينالة" بالنقاد والصحفيين وصناع السينما من مختلف بلدان العالم.

 

مهرجان برلين
مهرجان برلين

مهرجان برلين
مهرجان برلين

 

تلك الحالة المهرجانية التي تنعكس على أجواء المدينة التي تملك مهرجانها الخاص والعريق لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن التطورات التي تحدث في المجتمع الألماني، ستجدها منعكسة بشكل أو بآخر على المهرجان وداخل أروقته، فإذا كان حزب الخضر الألماني يحقق مكتسبات دائمة، حيث إن حماية البيئة هو الموضوع الرئيسي للخضر، وقبل كل شيء مكافحة التغير المناخي وهو ما نجده واضحا في مهرجان برلين فهناك ترشيد تام لاستخدام الورق والبلاستيك، وحتى عندما تذهب لطلب كوب من القهوة ستسمع جملة "no caw milk"، إلى غيرها من تلك التفاصيل التي تشعر بها في الكثير من الأماكن داخل برلين.

 

برلين التي يتغير وجهها بعد زيادة أعداد الجنسيات الأخرى التي تقطنها، وينعكس هذا الأمر أيضا على المهرجان السينمائي الذي لم ينس القائمون عليه توجهاته السياسية التي ميزته عن غيره من المهرجانات الكبرى بشكل كبير، وهو ما ظهر جليا في حفل افتتاحه، والحفاوة بكل ما هو أوكراني، أو إيراني، وكأن الأمر بات يشبه موجات بحسب الحالة السياسية في بلدان بعينها، وهو ما جعل بعض المتابعين من رواد المهرجان يتساءلون: "هل من الممكن أن يؤثر ذلك على اختيارات المهرجان في السينما؟".. عموماً هذا ما ستكشف عنه الدورات المقبلة من المهرجان العريق.

 

مهرجان برلين
مهرجان برلين

 

وبعيدا عن تلك الحالة من الجدل، لا يهمنا سوى السينما أو التجارب الفنية الملهمة التي تجد طريقها للعرض في المهرجان سواء في مسابقته الرسمية، أو البانوراما، أو الـ"فورم" وغيرها من أقسام المهرجان.

 

ومع اقتراب الأسبوع الأول من المهرجان على الانتهاء، نجد أن السينما الآسيوية صاحبة الصوت الأعلى في المهرجان حتى الآن، وهما الفيلم الصيني "البرج الذي لا ظل له "The Shadowless Tower" للمخرج زانج لي، والفيلم الكوري "Past Lives" للمخرجة "سيلين سونج" الذي يستحق أن نتوقف عنده، والفيلم معروض ضمن المسابقة الرسمية وحصل على أعلى تقييم في مجلة "سكرين" حتى الآن.

 

مهرجان برلين
مهرجان برلين

 

تبدأ اللقطات الافتتاحية بمشهد لثلاثة أشخاص يجلسون في إحدى الحانات.. امرأة ذات ملامح آسيوية تتوسط رجلين أحدهما أمريكي والآخر آسيوي، وتعليق بصوت امرأة تتساءل عن طبيعة العلاقة بين هؤلاء الثلاثة واحتمالات لطبيعة هذه العلاقة وكل ما تمثله للآخر، فهي قد توحي بأنهم أصدقاء أو أن هذا الأمريكي يعمل كمرشد سياحي للآخر صاحب الملامح الآسيوية، احتمالات كثيرة متعددة، ولكن هل من المحتمل أن يخطر ببالنا أنها امرأة تجلس بين رجلين كل منهما يحبها بطريقة مختلفة؟، من هذه الفرضية الدرامية تنطلق أحداث الفيلم الكوري شديد الرومانسية والخصوصية في تفاصيله التي نشاهدها على الشاشة طوال مدة عرض الفيلم، ليس هناك حدث متوقع.

 

السيناريو شديد الذكاء والنعومة، مليء بالتفاصيل.. يحكي الفيلم قصة الفتاة الكورية (جريتا لي) التي تعيش في سيول حياة مستقرة ومريحة إلى حد ما، لديها صديق طفولة تعتز به بشدة وترتبط بع عاطفيا، كما تبوح لوالدتها، يذهبان سويا للمدرسة تقريباً لا يفترقان تخبره عن أحلامها بأن تصبح كاتبة وتحصل على جائزة نوبل، لكن فجأة تتغير الأحداث والمصائر بعد أن تقرر عائلتها الهجرة إلى كندا، تمر السنوات والأيام، حيث تبدأ الأحداث بالرجوع زمنيا نحو 24 سنة نشاهد مراحل الطفولة، ثم بعد 12 عاما عندما نشاهد بطلي الفيلم وكل منهما أصبح في مكان مختلف، هو يدرس الهندسة وصارت هي تحترف الكتابة، من خلال صدفة وملحوظة عابرة تجد أن صديقها الكوري علق على صورة عند والدها وتبحث عنه على "فيس بوك" إلى أن تجده يتواصلان ويستدعيان معا الكثير من الذكريات، هو يشعر طوال الأحداث أن هناك رابطا خفيا يجمعه بها فهي حب الطفولة لا بل هي حب عمره، تلك الحالة تصيبها بالتوتر لأنه فجأة تجد نفسها ترغب في العودة إلى سيول، لذلك تقرر أن تقطع علاقتهما لأنها تخشى على أحلامها واستقرارها في نيويورك، وخلال إحدى الورش تلتقي بشاب أمريكي تقع في غرامه ويتزوجان، وبعد 12 عاما أخرى تجد نفسها وجه لوجه أمام صديقها وحبيبها الكوري الذي جاء لزيارتها، وفجأة نجد أنفسنا أمام علاقة من ثلاثة أضلاع امرأة بين رجلين، وهو ما يفتح الكثير من التساؤلات حول تلك الحياة التي كانت تظنها آمنة، وحبها القديم الذي يشدها إلى بلدها وثقافتها، هل حياتها برفقة زوجها هي الحقيقة، أم تمردها على تلك الحياة والذهاب مع حبيبها.

 

أجمل ما في السيناريو أنه طوال الوقت محمل بالتساؤلات، وأبدا لا يوجد شيء نمطي أو تقليدي في هذا العمل، خصوصا مع تورط الزوج أيضاً، حيث يشعر بكل التفاصيل.. لغة العيون بين الثلاثة مشهد البداية الذي نصل إليه قبل نهاية الفيلم هو ماستر سين لنجوم العمل الثلاثة الصمت، الانفعال المحسوب، التعامل الحذر، التواطؤ بينهم، الزوج يشعر بعجزه أمام تلك العلاقة فهو يدرك جيداً أنها ليست صداقة ولا حبا، بل مزيج من معان كثيرة وأقرب إلى أن يكون حياة أخرى، الشخصيات تمت صياغتها بإحساس درامي عال، ونعومة وسلاسة الأحداث تجعلنا لا نستطيع أن نلتقط أنفسنا بسهولة فنحن في حالة ترقب دائم، وبعد مشهد النهاية البديع لا تملك سوى الصمت لفترة طويلة؛ لأن الفيلم يحرض على طرح الكثير من التساؤلات وينفذ لأعماق الروح، لذلك قوبل بتصفيق حاد.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع