"قلبى برج حمام".. مطلع أغنية عبرت عن مدى حب الجميع لتربية الحمام، حيث خصص عشاق تربية هذه الأنواع من الطيور أماكن ووقتا كبيرا من حياتهم لرعايتها وتنميتها، ومنهم أيضا من حولها لتجارة رابحة، ففى قرية طنان إحدى قرى مركز قليوب بمحافظة القليوبية، كان هناك أقدم أبراج للحمام، والتى مر على بنائها ما يزيد عن 60 عاما، حيث بناها الآباء وحرص على استمراراها الأبناء.
نتعرف فى التقرير التالى على تلك الأبراج وجمال تصميمها القادر على خطف عينيك فتظل تنظر إلى مظهرها الهادئ وتشم رائحة وجمال الريف المصرى، إنها أبراج الحمام التى زينت الأراضى الزراعية والمدن.
ففى محافظة القليوبية، قال الحاج سامى عبد الله، صاحب الـ 62 سنة، أن والده الراحل بنى 6 أبراج للحمام بالقرية منذ عام 1960م، وعندما بدأ صباه بدأ يشارك فى والده فى أعمال التنظيف والجمع للحمام، مشيرا إلى أن كل برج من هذه الأبراج يضم حوالى 2000 "قدوس" عين لسكن الحمام، على أن يسكن كل "قدوس" زوجان من الحمام "ذكر وأنثى"، موضحا أنه على الرغم من العدد الكبير لتلك الأعين بالبرج الواحد، إلا أن كل زوجان من الحمام يعرفان مكانهم بالتحديد داخل البرج.
وأوضح "الحاج سامي"، فى تصريحات لـ "اليوم السابع"، قائلا "يستحيل أى زوجين من الحمام يدخل قدوس مش بتاعه، كل زوجين عارفين مكانهم، ولو فقس البيض يبقى الزوجين عارفين أولادهم وبيأكلوهم، ودى حكمة وقدرة ربنا فى الحمام"، مشيرا إلى أنه وأسرته يقومون بوضع الطعام والماء فى مكان مخصص خارج الأبراج، ويقوم كل فرد من الحمام بالحصول على متطلباته وكذلك متطلبات باقى الأفراد بأسرة الزوجين من الأبناء الصغار.
وتابع، أن هناك موعدين بالعام لا يقومون خلالها بنثر ذلك الطعام للحمام وهو موعد حصاد "القمح والأرز"، حيث أن الحمام يكون حصل على طعامه من الخارج، قائلا: "فى موعد حصاد القمح والأرز مش بنحط لهم الطعام فى المكان، لأننا حتى لو حطينا الغلال والطعام مش بياكلها لأنه بيكون سعى وحصل على رزقه من الخارج"، مشيرا إلى أن النوع الموجود بالأبراج هو "حمام برج"، ويتواجد مع بنسبة ضئيلة "حمام بلدي".
وأضاف صاحب الأبراج الـ 6 بقرية طنان، أن سعر الزوج من الحمام البرج يتراوح ما بين 30 إلى 40 جنيها للزوج من الحمام، نظرا لأن حجمه يكون أصغر من حجم الحمام البلدى بنسبة بسيطة، مشيرا إلى أن تلك الأبراج أصبحت فى عداد الاختفاء، قائلا "الأبراج بالحجم دا محدش يقدر يبنيه، وأكبر برج حاليا لا يتخطى الـ 300 قدوس، وذلك لأنها أصبحت مهنة مندثر عن قديما والذى كانت تتميز به العديد من قرى الأرياف".
وعن كيفية التعرف على نوعى الحمام البرج من البلدى، قال الحاج سامى، إن الحمام البرج يتميز عن الحمام البلدى بحجمه الصغير وكذلك لونها وشكلها، مشيرا إلى أن طعم الحمام البرج أحلى من البلدى وإن كان حجمه أقل من البلدى، موضحا أن أغلب المشاكل التى تواجهه فى تربية الحمام بالأبراج تتمثل فى قيام بعض أصحاب الأراضى برش المبيدات أن وضع السموم للقوارض والآفات يتناولها الحمام وبالتالى تؤدى إلى وفاة أعداد كبيرة منها، ولذلك ظل ما يزيد عن 3 سنوات لا يحصد من الحمام شيء حتى تتكاثر الأعداد بالشكل السابق.
وأشار، إلى أن أنسب موعد لحصاد وجمع الحمام بالأبراج فى الصباح الباكر من "الزغاليل" ويكون حينها الأمهات خارج الأبراج، وحتى السابعة صباحا، وبعد هذا الموعد يتم غلق البرج حتى اليوم التالى منها من التسبب فى حالة الذعر للحمام بالأبراج ويهجره تاركا إياه واللجوء لبرج آخر.
وفى محافظة الفيوم، تحدث المهندس حمادة عبد العظيم، أحد أصحاب أبراج الحمام بمحافظة الفيوم، عن كونه من محبى تربية الحمام ويرى فيه صديقا للإنسان وأقرب أنواع الطيور له، مشيرا إلى أنه يمنح الإنسان الشعور بالهدوء والسكينة والسلام الداخلى، كما أن تربيته تزين المزارع، لافتا إلى أنه لا يستهدف منه أى ربح.
وعن إنشاء البرج قال حمادة، أن البرج تم إنشاؤه بقاعدة من البلوك الأبيض والأسمنت وتم طلائها بملمس ناعم منعا لوصول الزواحف للبرج، أما البرج نفسه فهو مكون من الأوانى الفخارية الشهيرة بـ"البكلة" والطين والطوب اللبن، لافتا إلى أن هناك متخصصين فى انشاء الأبراج بمحافظة الفيوم وهم صناع الفخار بقرية النزلة، وتصل مدة إنشائه 3 أيام.
وقال حمادة عبد العظيم، إن وحدات البرج الفخارية بمثابة بيوت صغيرة لكل زوج من الحمام تصل فى البرج الخاص به إلى وحدة جميعها من الأوانى الفخارية، مشيرا إلى أن تكلفة البرج بالكامل وصلت إلى 20 ألف جنيه.
وأكد صاحب البرج أن بداية جلب الحمام للبرج تكون بمجموعات ثنائية من الحمام، وهناك أنواعا متعددة ولكن أشهر أنواع حمام الأبراج هو الحمام الغاوى، وهذا الحمام معروف أنه بمجرد تعوده على البرج يصاحب عدد كبير من الحمام ويجلبهم إلى البرج ويتسبب فى مضاعفة أعداد الحمام بالبرج.
وأشار حمادة عبد العظيم، إلى أن تربية الحمام بالبرج لا تكلف المربى أى أطعمة، حيث أن الحمام يغادر البرج مع شروق الشمس ويعود مع الغروب ويلتقط الحبوب من الزراعات المختلفة، موضحا أن حمام الأبراج أرخص كثيرا من الحمام الذى يربى فى المنازل، حيث أن سعر حمام البرج من 40 إلى 45 جنيها للجوز.
وعن البرج من الداخل أشار صاحب البرج إلى أنهم يستعينون بالأخشاب، ويتم وضعها بطريقة معينة حتى يتمكن المربى من الصعود عليها إلى الأعلى ويصل إلى جميع البيوت الصغيرة التى يبيض فيها الحمام وتفقس صغار الحمام، مشيرًا إلى أن مخرجات الحمام التى تتجمع فى قاعدة البرج تستخدم كسماد جيد للأراضى الزراعية.
وعن أشهر الأمراض التى تصيب الحمام فى فصل الشتاء وكيفية علاجها، قال الدكتور أحمد برعى طبيب بيطرى بمحافظة الفيوم فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن المحافظة بها نسبة كبيرة من مربى الحمام، وحدد برعى عددا من الأمراض الشهيرة التى تصيب الحمام وكيفية ملاحظة أعراضها، مشيرا إلى أن أشهر أمراض الحمام مرض الجدرى ومرض الباراميكسو (الروشة) ومرض الحوصلة المنتفخ والسالمونيلا والكوكسيديا والقرحة الآكلة ومرض الزكام المعدى.
وعن التحصينات أشار برعى، إلى أن الحمام يتم تحصينه ضد 3 أمراض الباراميكسو من 4 إلى 6 أسابيع، والسالمونيلا 3 أسابيع، والجدرى 8 إلى 12 أسبوعا.
أما عن أعراض أمراض الحمام، أكد الدكتور أحمد برعى، أن كل مرض له أعراض مختلفة، فمرض الجدرى مثلا له شكل جلدى وآخر مخاطى، والحوصلة المنتفخة، ولا يطير، وإسهال أصفر بخطوط خصراء، ويتقيا بعد الأكل، والباراميكسو من أعراضه زيادة استهلاك مياه الشرب وقلة الأكل، وشلل فى الأرجل، والتواء الرقبة.
أما أعراض السالمونيلا فتكون نزلة معوية وإسهال أخضر وبه فقاقيع والتهاب بالمفاصل، أما مرض كوكسيدى فأعراضه إسهال مائى ورائحة كريهة وأحيانا مدمم ونفش الريش.
وعن مرض القرحة الآكلة، قال برعى، إن من أعراضه زراير صفراء على الغشاء المبطن للفم، وترسيبات تشبه الجبن، أما مرض الزكام المعدى فمن أعراضه عطس وإفرازات صديدية وحكة فى الرأس والأنف، ونصح "برعي" أصحاب أبراج الحمام خلال فصل الشتاء بالالتزام بالتحصينات والأدوية الرافعة للمناعة.
وفى محافظة الغربية، قال المهندس فخرى باز، مدير عام الثروة الحيوانية بمديرية الزراعة بالغربية، إن الإدارة الزراعية بقطور تضم 11 برج لتربية الحمام والذى يعد من المشاريع الإنتاجية الموجودة فى الإدارات الزراعية.
وأضاف "باز"، لـ"اليوم السابع"، أن هناك توجيهات مستمرة من الدكتور خالد أبو شادى وكيل وزارة الزراعية بالاهتمام بالمشاريع الإنتاجية ومنها أيضًا مشروع تربية النحل وإنتاج العسل، وبيعها بأسعار أقل من مثيلتها بالأسواق لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين ومواجهة غلاء الأسعار.
وأوضح مدير عام الثروة الحيوانية بالغربية أن الأبراج تضم آلاف الأزواج من الحمام مختلف الأنواع، وبدأ هذا المشروع منذ ستينيات القرن الماضى ضمن الخطة التى انتهجتها الدولة لإنشاء أبراج الحمام ومناحل عسل بالإدارات الزراعية لتوفير مصادر بروتين بسعر التكلفة، مشيرًا إلى أن هناك إدارة تشرف على أبراج الحمام ورعاية الحمام بشكل مستمر وتقديم الطعام له بخلاف خروج الحمام وتنقله بين الحقول لجمع الطعام، مضيفًا أنه يتم جمع الزغاليل وبيعها أسبوعيا عن طريق لجنة تشكلها الإدارة، حيث يتم بيع الزوج بـ20 جنيها، مؤكدًا أنه يتم غلق الأبراج فى الفترة من شهر 12 حتى شهر 2 بسبب قلة إنتاج الحمام وبعد انتهاء فترة الشتاء يبدأ الحمام فى إنتاج الزغاليل مرة أخرى.
وفى محافظة الشرقية، وتحديدًا فى قرية السلاطنة التابعة لمركز فاقوس، كانت فى خمسينات القرن الماضى أكبر مركز تجارى لتربية وبيع الحمام البرى، وأحد المعالم التراثية التى تشتهر بها القرية، وأحد عناصر البيئة الريفية التى تشتهر بها القرية وتنفرد بتصميمها الذى يميزها عن أية أبراج للحمام، وتفخر بتاريخها العريق فى تربية الحمام، لكن فى الفترة الأخيرة تلاشت العديد من الأبراج وحرص مربين الحمام على بقاء أبراجهم كنوع من التراث وذكرى أجدادهم أكثر منه مصدر للدخل والرزق.
وقد برع أهالى قرية السلاطنة منذ أكثر من 150 عاما، فى بناء أبراج الحمام وأخذوا يقيمونها على هيئة أشكال هندسية جميلة، فمنها ما يبنى على هيئة مخروطية، ومنها ما يبنى على هيئة قباب مستديرة، ومنها ما يبنى على هيئة حجرات تزينها فتحات التهوية التى تعمل على أشكال مختلفة تعطى الأبراج تهوية، ويقسم البرج من الداخل إلى جدراين متعامدين إلى أربعة أقسام متساوية، ويقسم كل قسم فيها إلى مستطيلين بواسطة حاجز من الطين.
أبراج-الحمام
أبراج-الحمام-فى-الغربية
أبراج-الحمام-فى-القليوبية
الأبراج
برج-الحمام-فى-الفيوم
برج-حمام
تربية-الحمام
تربية-الحمام-فى-الغربية
هذا الخبر منقول من اليوم السابع