سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 نوفمبر 1876.. الخديو إسماعيل يقتل شقيقه فى الرضاعة ووزير ماليته «إسماعيل صديق المفتش» ويلقى جثته فى النيل

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 نوفمبر 1876.. الخديو إسماعيل يقتل شقيقه فى الرضاعة ووزير ماليته «إسماعيل صديق المفتش» ويلقى جثته فى النيل
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 نوفمبر 1876.. الخديو إسماعيل يقتل شقيقه فى الرضاعة ووزير ماليته «إسماعيل صديق المفتش» ويلقى جثته فى النيل

طلب الخديو إسماعيل من أبنائه «توفيق، حسن، حسين» أن يأمروا محافظ العاصمة بتجهيز مركب بخارية غدا فى النيل عند مرسى سراى الجزيرة، ويخطروا أعضاء المجلس الخاص بالاجتماع الساعة الحادية عشر صباحا، حسبما يذكر إلياس الأيوبى فى الجزء الثانى من مجلده «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل».

 

يؤكد «الأيوبى» أن إسماعيل قال لأبنائه، إنه سيقوم بالأمر بنفسه، وكان قصده أنه هو الذى سينفذ طريقة التخلص من «إسماعيل صديق» الشهير بلقب «إسماعيل المفتش»، الذى تختلف الآراء حول مكانته التاريخية، فهناك من يهاجمه بشدة، وهناك من يراه وطنيا، ومن هؤلاء الدكتور جمال عبدالرحيم، ففى كتابه «إسماعيل صديق المفتش.. رجل الأزمات ضحية الوشاية» يراه  «من الشخصيات الوطنية البارزة، التى لعبت دورا مؤثرا فى تاريخ مصر فى تلك الفترة، حتى أطلق عليه اصطلاحا لقب الخديو الصغير».

 

أما عبدالرحمن الرافعى، فيراه فى كتابه «عصر إسماعيل»، «أثرى ثراء فاحشا، وقلد مولاه فى عيشة البذخ والإسراف والاستكثار من القصور والأملاك والجوارى والحظايا، وإليه يرجع السبب فى استدانة الحكومة نحو ثمانين مليون جنيه»، ويصفه نوبار باشا فى مذكراته:  «كان ذكيا، رفيع المستوى خصوصا، لكن اختلط عليه الجيد والردىء، وكل شىء كان بالنسبة له مثل الطفل الذى يندهش عندما يرى العصفور الذى يعذبه يرتجف بين يديه، واكتشفت كذلك أنه سيندهش إذا اشتكى شخص، لأنه قتل العصفور وقام بانتزاع ريشه».

 

يذكر «عبدالرحيم»، أن إسماعيل صديق ولد فى أسيوط عام 1830، أى فى نفس عام مولد الخديو إسماعيل، ويؤكد أنه كان شقيق الخديو فى الرضاعة، وأصبح فى عهده مفتش عموم مصر ثم  ناظر المالية».. انتهت حياته فى10 نوفمبر، مثل هذا اليوم 1876، بدراما هائلة، فحين بلغت الأزمة المالية ذروتها بسبب الديون، قررت إنجلترا وفرنسا فرض رقابة ثنائية على مصر، ويذكر عبدالرحيم أن رأى «المفتش» كان يختلف عن رأى «الخديو» المستسلم لهذا المطلب، وزاد كراهية أبناء الخديو له، فاجتمعوا مع والدهم للتخلص منه.

 

تتعدد الروايات حول طريقة التخلص منه، ويذكرها نوبار، حسبما سمع، حيث كان فى الخارج وقتئذ، تقول الرواية الأولى: إن المفتش تقدم باستقالته كناظر للمالية حسب طلب الخديو، وكتبت الاستقالة فى القصر وفيها جمل تهاجم الخديو، وجرى استغلال نوبات السكر التى اعتاد المفتش الانغماس فيها لتوقيعه عليها، وحمل الخديو الاستقالة وذهب بها فى صباح اليوم التالى بعربته إلى منزل المفتش، ودعاه لأن يصطحبه فى نزهة إلى الجزيرة.

 

أما الرواية الثانية فسمعها نوبار من شاهد على الحدث وهى، أن كل الباشوات اجتمعوا فى قاعة الانتظار بسراى عابدين بحضور المفتش، والجميع يعرفون أمر الاستقالة، ودعاهم الخديو للصعود ماعدا المفتش، الذى بقى فى صالون الانتظار، ونزل الخديو وتبعه الجميع ثم نادى للمفتش: «تعالى إن والدة حسن مريضة. إننى ذاهب لرؤيتها»، وعند وصولهما ترك المفتش فى الصالون أثناء دخوله إلى الحريم، ودعا ابنه حسن وقال له: «لقد عينتك وزيرا للجهادية، وشقيقك حسين وزيرا للمالية. إن المفتش موجود فى بهو الانتظار ومجموعة من الجنود مستعدون فى الخارج، اصطحبه إلى الزورق التابع للسفينة البخارية الراسية عند المراسى».

 

نزل حسن لينفذ الأوامر، وأعطى أوامره للمفتش أن يتبعه، ففهم المفتش ما يدور فى خلد الوالى، فبكى ونادى عليه طالبا العفو، وهو يحاول التخلص من بين أيدى الجنود الذين اصطحبوه إلى المركب، وعاد الخديو إلى سراى عابدين، ودعا المجلس الخاص للانعقاد، برئاسة ابنه توفيق الذى أعلن الاستقالة المسببة للمفتش، وطالب بالقبض عليه ونفيه إلى السودان، وقدم الخديو مستندات مرسلة إلى بعض مشايخ الأقاليم تحمل توقيع وختم المفتش، يحرضهم فيها ضد الوالى والمسيحيين، واقترح تصويت المجلس على نفيه إلى السودان، ويؤكد نوبار، أن الخديو استعجل أحد ضباطه ويدعى إسحاق بك للذهاب إلى المفتش، واستلام الختم الخاص به منه، فعاد دون الختم ولكن بجرح غائر فى إصبعه.

 

وينقل إلياس الأيوبى رواية إسحاق: «بعد إلقاء القبض على المفتش بساعة، استدعيت إلى الحجرة المحبوس فيها، فوجدت الأمير حسن واقفا عند الباب، والمفتش مجردا من ملابسه فى أحد أركانها، فأومأ الأمير إلى بيده، فدنوت منه، وسلمت السلام العسكرى، فهمس فى أذنى أمرا قاضيا باستعدادى لنقل المفتش فى الليل إلى الباخرة التى أعدت للسفر إلى دنقلا، إلا إذا مات قبل ذلك، فأدركت أن موته مرغوب فيه، وسرت حينئذ إلى المفتش وألقيته على ظهره، وكممت فمه بيدى اليسرى، وأقبلت أسحق خصيته بيدى اليمنى، فقاومنى مقاومة عنيفة، بالرغم من أنه كان نحيف البنية».

 

يضيف: «اشتد عليه الألم، وأخذت روحه تتقعقع فى صدره، بلغت مقاومته أشدها، وخيل إلى أنه أوتى قوة تضارع قوتى، فتمكن من القبض على إبهام يدى اليسرى بين أسنانه والعض عليه عضة قطعته، ولكن كانت تلك حركته الأخيرة، وبالرغم من شدة الوجع فى يدى شددت عليه شدة أخمدت معها أنفاسه، فسقط تحتى جامدا، ودقت رأسه بالأرض، ولما جن الليل لففت جثته فى قماش ونقلتها إلى ظهر الباخرة، فسارت بها نحو الجنوب حتى إذا جاوزت الروضة طرحت الجثة فى النيل».


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع