سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 12 يوليو 1882 .. 150 ألفاً يهجرون الإسكندرية والحرائق تلتهمها والإنجليز يصممون على احتلالها

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 12 يوليو 1882 .. 150 ألفاً يهجرون الإسكندرية والحرائق تلتهمها والإنجليز يصممون على احتلالها
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 12 يوليو 1882 .. 150 ألفاً يهجرون الإسكندرية والحرائق تلتهمها والإنجليز يصممون على احتلالها

كانت الساعة العاشرة والدقيقة الأربعين صباحا من يوم 12 يوليو «مثل هذا اليوم» عام 1882، حين استأنف الأسطول الإنجليزى ضرب مدينة الإسكندرية لليوم التالى «راجع ذات يوم 11 يوليو 1882»، وحسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى» عن «دار المعارف - القاهرة»، تركزت الضربات على طابية «قايتباى» وطابية «الاسبتالية»، ورفعت الأعلام البيضاء على وزارة البحرية «الترسانة» وعلى حصون قايتباى والأطه ورأس التين طلبا للهدنة والكف عن القتال، وذهب طلبة باشا عصمت قومندان المدينة إلى الترسانة لمقابلة الأميرال سيمور قائد الأسطول.

 

يذكر «طلبة باشا» وقائع ما جرى حين ذهب لمقابلة «سيمور»، ففى محضر استجوابه أثناء التحقيقات معه بعد فشل الثورة العرابية والمنشور فى الجزء التاسع من «مصر للمصريين» لسليم خليل النقاش «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة» يؤكد، أنه نزل إلى الميناء بصحبة أنيس بك باشمهندس اليخت الخديوى «المحروسة» بصفة مترجم وصعد إلى المحروسة، وهناك التقى بمندوب من طرف الأميرال سيمور، فسأله المندوب: ماذا يريدون من رفع الأعلام البيضاء؟، فأجابه، أن الخديو كلفه بإخبار الأميرال «أن الطوابى تخربت والمدافع التى كنتم ترغبون نزولها نزلت، ولم يحصل بيننا وبين دولة إنجلترا ما يخل بالعلاقة الودية، وعلى ذلك نريد التكلم فى إبطال الضرب»، فأجابه المندوب، أن الأميرال يطلب أن يرخص لجنوده من البحارة فى النزول إلى البر واحتلال ثلاث قلاع وهى: العجمى والدخيلة والمكس، وإلا استأنف الضرب فى الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم، ورفض سيمور طلب «طلبة» بمد المهلة لأن الوقت الذى يصل فيه إلى سراى الرمل لإبلاغ الخديو ثم يعود لا يكفى.

 

ذهب «طلبة باشا» إلى الرمل وأبلغ الخديو وعرابى وزير الحربية، وحسبما يذكر أحمد شفيق باشا فى الجزء الأول من مذكراته عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»: «عقد رجال العسكرية فى الحال مجلساً تقرر فيه أنه لا يمكن إجابة الأميرال إلى ما طلب من احتلال الحصون، لأنه لا يحق للحكومة المصرية أن تتصرف فى شىء من أراضيها قبل موافقة الباب العالى، ولكن الأميرال لم ينتظر تبليغ هذا القرار إليه فمضى فى أهبته لاحتلال المدينة».

 

استأنف الأسطول الإنجليزى الضرب فى نحو الساعة الرابعة، وقبلها بساعتين، وبالتحديد فى الساعة الثانية وحسب الرافعى: «بدأ إضرام النار فى المدينة، وأخذ يمتد حتى صارت الإسكندرية شعلة من النار، واشترك فى الحريق بعض الأوروبيين، وبخاصة من الأورام والمالطيين الذين بقوا فى المدينة بعد هجرة معظمهم، وذلك للمطالبة بالتعويضات بعد انتهاء الحرب كما اشتركوا أيضا فى النهب، وساعد على شبوب الحرائق إهمال الحكومة والخديو الذى غادر المدينة، دون أن يتخذوا أى احتياطات لوقايتها، وكان هذا الحريق على غير رأى عرابى والوزراء، فانفرد بإحداثه سليمان داود قائد الآلاى السادس الذى كان مشهورا بالتهور والحمق، وكان يعتبر نفسه «عرابى» آخر بالإسكندرية، وصمم على ألا ينسحب الجيش من الإسكندرية إلا بعد أن يجعلها خرابا».

 

يلقى «داود بركات باشا» فى كتابه «الثورة العرابية بعد خمسين عاما» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» الضوء على ما فعله سليمان: «جمع رجاله فى الصباح وخطب فيهم قائلا: إن المدينة ستترك للإنجليز والنظام العسكرى يقضى بألا نتركها لهم وفيها شىء يستطيعون استخدامه أو الانتفاع به، فالواجب إذن أن ننهب هذه المدينة قبل أن نحرقها، فاعترض عليه بعض صغار الضباط اعتراضات ضئيلة فلم يصغ إليهم وأمرهم بالسكوت»، ويذكر «بركات» أن فرسان الجيش أرسلوا إلى جميع الحارات والأسواق يأمرون الأهالى بإخلاء المدينة والجلاء عنها، وأن عرابى هو الذى يأمرهم بذلك لأن المدينة سوف تحرق وتدمر فلينجوا بأنفسهم».

 

بدأت الهجرة من المدينة مساء 11 يوليو وبلغت ذروتها يوم 12 يوليو، وكانت مأساة إنسانية يذكرها الشيخ محمد عبده، فى مذكراته «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة» قائلاً: «نحو مائة وخمسين ألفاً من السكان، مجردين من كل شىء أخذوا فى الحركة لغير قصد ولا مأوى، الموت والفزع ملء نفوسهم، على شطوط المحمودية إلى دمنهور وجسر السكة الحديد من دمنهور إلى القاهرة، كانت المهاجرة تكون خطوطاً سوداء تارة عريضة وأخرى رقيقة، متحركة فى كل جهة، أشبه بسلسلة إنسانية طويلة، هنا ينزلون، هناك يمشون ببطء، لا وقاية ولا عيش، على طرفى تضاد مع سماء صافية وأرض خضراء نضرة».

أين كان خديو البلاد «توفيق» من كل هذا؟

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع