الأصل في عقد الزواج أنه شُرع ليصبح على سبيل البقاء والدوام، حيث لا يصح شرعاَ أو قانوناَ أن يكون هذا العقد مؤقتاَ لأن الزواج لا يُعد علاقة اجتماعية أو نفسية بقاؤها يرتهن برحمتها ومودتها، وبإحسانها وعدلها، وأنه مبني على المودة والرحمة، يقول سبحانه وتعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
إلا أنه في كثير من الأحيان قد تصبح الحياة الزوجية مصدرا للشقاء والخلاف بين الزوجين ،مما يجعل عند كلاهما أو أحدهما الرغبة في الطلاق، ورغم أن هذا الأخير هو ابغض الحلال عند الله، قال تعالى: "وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ"، ولكن أحياناَ كثيرة قد تحدث أموار عارضة قد تؤدى بالحياة الزوجية لأمور تجعلها في تناحر، وشقاء دائم ومستمر بين الزوجين، ومن ثم فقد شرع الله الطلاق بين الزوجين.
فى التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية قانونية فى غاية الأهمية تهم ملايين الأسر تتعلق بالإجابة على حزمة من الأسئلة منها متى يتحول إنذار الطاعة إلى تطليق لاستحكام النفور والشقاق؟ وما هو حال الزوجة التي تريد الطلاق لسوء عشرة الزوج وتعجز عن إثبات ذلك؟ ما هو مفهوم التطليق لاستحكام الخلاف بين الزوجين؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمود البدوى.
متى يتحول إنذار الطاعة إلى تطليق لاستحكام النفور والشقاق؟
فى البداية – علينا أن نعلم أن الطلاق للضرر أو لاستحكام الخلاف يحدث عند حدوث خلافات مستمرة بين الزوجين والحياة بينهم وصلت لطريق مسدود بعد فشل الصلح بينهما، تُرفع دعاوى قضائية بين الزوجين أو محاضر شرطة يكون من حق الزوجة فيها رفع دعوى قضائية للطلاق للضرر لاستحكام الخلاف، وفيها الزوجة تثبت الاعتراض على الطاعة وهنا الزوجة ليست محتاجة للشهود كما يظن البعض حيث يكفى أن تُرفق صور المحاضر أو القضايا التى بينها وبين الزوج أو ترفع دعوى طلاق للضرر لاستحكام الشقاق وتثبت ذلك من خلال المحاضر أو القضايا – وفقا لـ"محمود".
أحياناَ يكون الطلاق حل لميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه، وذلك تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام الشريعة، فإن كانت الزوجة هي من ترغب في الطلاق وغير قادرة علي إثبات ما وقع عليها من ضرر، فلها الحق في طلب التطليق للضرر من المحكمة، ونفرت من الزوجية وتركت مسكنها وأرسل لها الزوج إنذار بالدخول في طاعته خلال المدة القانونية المعتبرة وهي 30 يوما من تاريخ إنذارها.
وفى تلك الأثناء – للزوجة حق الاعتراض علي الطاعة مبدية أسباب اعتراضها، وكان لها أيضا تضمين اعتراضها هذا طلب التطليق من الزوج للشقاق واستحكام الخلاف بينهما والنفور، فالعمل القضائي المتواتر اثبت أن الزوجة المتضررة من سلوكيات الزوج غالبا ما تعجز عن إثبات الضرر، وذلك لأن أسباب النزاع تكون في الأصل من الأسرار الزوجية، والأمر هنا لا يثير إشكالا للزوج باعتباره هو من يوقع الطلاق، لكن في المقابل كانت الزوجة تجد صعوبة في التطليق للضرر نظرا لصعوبة الإثبات .
إذن ما هو حال الزوجة التي تريد الطلاق لسوء عشرة الزوج وتعجز عن إثبات ذلك ؟
هنا يحق للزوجة أن تطلب الطلاق للشقاق واستحكام الخلاف، والشقاق بين الزوجين هو وجود النزاع والتنافر وكثرة الخلافات والشكوى بينهما، وذلك من أكبر أسباب الانفصال والطلاق بين المتزوجين، إلّا أنّ النكاح لا يفسد بمجرد حصول الشقاق، بل يجب أن يبحث القاضي في حال الزوجين، ثم يتخذ حكمه فعند تعسّر الأمر بين الزوجين، واشتدّاد الشقاق والخلاف، أمر الله تعالى- أن يرسل القاضي للزوجين حكمان ينظران في أمرهما، ويحاولان الإصلاح بينهما، ويستحب أن يكون الحكمان من أهل الزوجين، ولا غضاضة إن كان الحكمان من غير أهل الزوجين.
وقد ورد ذلك في قول الله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا"، وبعد ذلك يتخذ الحكمان القرار وفق ما تفتضيه المصلحة، فإمّا أن يكون قرار الحكمان الصلح بين الزوجين إن أمكن ذلك، أو الخلع أو الطلاق، ويكون ذلك حينها بحسب نسبة الإساءة التي أظهرها كلّ من الزوجين للآخر.
متى يتحول اعتراض الطاعة إلى طلب تطليق لاستحكام الشقاق والنفور؟
وعليه فإن للزوجة الحق في طلب التطليق بمناسبة أقامتها دعوى الاعتراض على إنذار الزوج إياها بالدخول فى طاعته إذا تبين أن الخلاف مستحكم بين الزوجين وطلبت الزوجة التطليق اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم وطلب التطليق للشقاق واستحكام النفور أو الخلاف إما أن يتضمن صحيفة دعوى الاعتراض على إنذار الطاعة، وإما أن تبديه الزوجة شفاهة بمحضر الجلسة خلال تداول دعوى اعتراض الطاعة أمامها.
فإذا كان طلب الاعتراض علي انذار الطاعة مقدم خلال الميعاد المقرر "30 يوما"، وطلبت الزوجة التطليق للشقاق أثناء نظر دعوى الاعتراض وجب على المحكمة عرض الصلح على الطرفين، فإذا قبلته المعترضة قضت المحكمة برفض الاعتراض دون أن يشمل هذا القضاء طلب التطليق، أما إذا رفضته المعترضة وجب على المحكمة اتخاذ إجراءات التحكيم، ودون الالتزام بالحكم طبق ما ينتهي إليه المحكمون من رأى في التقرير الذي يقدمونه إلى المحكمة، فإن وجدا أن سبب الخلاف يعود إلى الزوجة وحدها رفعا تقريرهما بذلك إلى المحكمة وتقوم المحكمة بالحكم بالتطليق دون حصول المطلقة على أيًا من حقوقها.
وإن جاء تقرير الحكمين بأن الخلاف والنفور، يعود للزوج قضت المحكمة بالتطليق مع إعطاء الزوجة كافة حقوقها، وإن رفع التقرير بما يفيد أن الخلاف يعود إلى الزوجين قضت المحكمة بتطليق الزوجة مع إعطائها نصف حقوقها الشرعية، فإذا اختلف المحكمون على النحو المنصوص عليه فى مواد القانون أو لم يقدموا التقرير اتخذت المحكمة إجراءات الإثبات العادية في الدعوى للوقوف على مدى أحقية المعترضة فى طلباتها.
فإن كانت الإساءة كلها من جانب الزوج، تم التطليق بطلقة بائنة دون مساس بشيء من حقوق الزوجة المترتبة على الزواج والطلاق، وإذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة كان التطليق نظير عدم حصولها علي حقوق ما بعد الطلاق، أما إن كانت الإساءة مشتركة فيصبح التطليق دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة، وإن لم يتوصلا إلي معرفه المسيء منهما طلقت الزوجة دون أي حقوق، وإما إذا كانت الإساءة متبادلة وكلاً منهما ثبت إساءته للآخر جاز للقاضي تطليق الزوجة مع إعطائها نصف حقوقها المالية المترتبة على الطلاق، ومن منطلق ان الضرر متوافر في حق كلا الزوجين، فيجوز له إسقاط نصف حقوقها لديه وان يأمر الزوج بأداء النصف الآخر .
ما هو مفهوم التطليق لاستحكام الخلاف بين الزوجين ؟
التطليق لاستحكام الخلاف يبدى بطلب أمام القاضي أثناء نظره دعوى الاعتراض على إنذار الطاعة في حالة ما إذا بان للمحكمة استحكام الخلاف بين الزوجين، فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 11 مكررا ثانيا من القانون رقم 25 لسنة 1929 المُعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 علي أنه: "إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع"، ويعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان علي يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وعليه أن يبين في هذا الإعلان المسكن، وللزوجة الاعتراض علي هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ هذا الإعلان وعليها أن تبين في صحيفة الاعتراض الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعته وإلا حكم بعدم قبول اعتراضها.
ويعتد بوقف نفقتها من تاريخ انتهاء ميعاد الاعتراض إذا لم تتقدم به في الميعاد، وعلي المحكمة عن نظر الاعتراض أو بناء علي طلب أحد الزوجين التدخل لإنهاء النزاع بينهما صلحاً باستمرار الزوجية وحسن المعاشرة، فإذا بان لها أن الخلاف مستحكم وطلبت الزوجة التطليق اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من 7 إلى 11 من هذا القانون.
للمحكمة أن تأخذ بما انتهي إليه الحكمان أو بأقوال أيهما
هذه الدعوى لا تكون إلا من خلال الاعتراض علي إنذار الطاعة، ومؤدي نص الفقرة الأخيرة من المادة - 11 مكررا ثانيا - أن من حق الزوجة أن تطلب التطليق من خلال دعواها بالاعتراض علي دعوة زوجها لها بالدخول في طاعته، فإذا تبين للمحكمة أن الخلاف بين الزوجين مستحكم وطلبت الزوجة التطليق اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم المنصوص عليها في المواد من 7 إلى 11 سالف البيان، وللمحكمة أن تأخذ بما انتهي إليه الحكمان أو بأقوال أيهما أو بغير ذلك مما تستقيه من أوراق الدعوى، عملا بالفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون رقم 1 لسنة 2000 .
والتطليق من خلال الاعتراض لابد أن تطلبه الزوجة فلا يقضي به القاضي من تلقاء نفسه ولو بان له أن الخلاف مستحكم، فإذا طلبته الزوجة اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم المنصوص عليها في المواد من 7 إلى 11 القانون، مع إبداء الزوجة طلب التطليق ضمن صحيفة دعوى الاعتراض مؤداه عدم التزام المحكمة باتخاذ إجراءات التحكيم باعتباره من طلبات الدعوى القائمة بذاتها.
فترة الصلح بينهما لا تقل عن 30 يوماَ ولا تزيد عن سنتين
وقد أوجب المشرع علي المحكمة عند نظر الاعتراض سواء تضمن طلب التطليق أو اقتصر علي طلب الحكم بعدم الاعتداد بإنذار الطاعة أن تعرض الصلح علي طرفي الدعوى وهو إجراء وجوبي يترتب علي إغفاله بطلان الحكم، وإذا ثبت للمحكمة أن للخصمين أبناء وجب عرض الصلح مرتين علي الأقل علي أن يفصل بين المرة والأخرى مدة لا تقل عن 30 يوما ولا تزيد علي ستين يوما وذلك إعمالا لحكم الفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 1 لسنة 2000 إلا أن المدة الزمنية المذكورة لا تمثل سوي موعدا إجرائيا لا يترتب ثمة بطلان علي مخالفته.
تنازل الزوج عن إنذاره الزوجة للدخول في طاعته مؤداه زوال خصومه دعوى الاعتراض عليه إلا أنه طالما كانت الزوجة المعترضة علي هذا الإنذار، قد طلبت التطليق للضرر فإن هذا الطلب يظل مطروحاً علي المحكمة، ويتعين الفصل فيه لاستقلاله عن طلبها المتعلق بالاعتراض علي إنذار الطاعة لاختلاف المناط بين الطلبين من حيث الموضوع والسبب.
المحامى بالنقض محمود البدوى
هذا الخبر منقول من اليوم السابع