أمة يعرب لا تجيد إلا العيش في الماضي، القريب منه أو البعيد، فالقريب منه هو الاستعمار الذي جثى على صدور العرب دهراً ثم انصرف منذ عقود، وما زالنا نشتكي منه، وبل ونحمله كل اخفاقاتنا، فأن تجرأت وسألت، لماذا مستوى التعليم في تراجع مستمر؟ ستسمع أجابة فورية دون أدنى تفكير، الاستعمار- الله يخرب بيته- وضع لنا منظومة تعليمية سيئة، ويخفي عنا أساليب التعليم الحديثة، هذا الاستعمار الغاشم لا يريد لنا الخير، بل هو يخاف من من عقولنا الفذة أن تعلمت فسوف نغزو العالم، الاستعمار خطط لنا أن نكون شعوب جاهلة أو أنصاف متعلمين. وأن تجرأت وسألت، طيب لماذا علينا أن نقبل بهذه المنظومة ولا نقوم نحن بتغيرها؟ هل الاستعمار سيكون حاضراً مع من سيغير المناهج الدراسية لتواكب مستوى التعليم في العالم، لماذا مناهجنا معقدة فحواها الحفظ، وليس الفهم أو الابتكار أو التفكير.
هل الاستعمار هو المسؤول عن ضمير المعلم الذي يمنع المعلومات عن الطالب، بل يهدر وقت الطالب، ليصبح الطالب كمن يحمل أسفاراً، ليغادر المدرسة كما دخلها، وهذا ما يصب في مصلحة المعلم الذي لديه خطة بديلة، وهي الدروس الخصوصية، التي يركز من خلالها المعلم أن يعطي الطالب المعلومات التي تساعده أن ينجح. ليصبح بعدها أقصى أمنيات الطالب وعائلته النجاح. لا يهم المدرسة ولا المعلم ولا الأهالي ما تعلمه الطالب، المهم النجاح. ذاك النجاح الصوري الذي تسبب في أن نكون أشباه متعلمين وناجحين وصادقين وعاملين ومبتكرين، فكل ما تراه اعيننا وتستعبوه أدمغتنا هي القشور لا أكثر من ذلك. وبعد أن تنتهي من سؤالك، يعم الصمت لدقائق، وتكون الأجابة لأننا أمة فاشلة. فتود لو أنك سألت، هل نحن أمة فاشلة أم مستسلمة؟
فتجيب أنت على كل أسئلتك، بينك وبين نفسك، لأنك لو قلتها في العلن ستتهم بالجنون، أو الخيانة، ستكون خائن للعهد الذي أبرامناه مع أنفسنا، هو العيش مع القشور، فإعلامنا قشور، وسياساتنا قشور، وولائنا لأوطننا قشور، ورؤيتنا لمستقبل اولادنا قشور، لا نجيد الدخول الى الاعماق، نبقى نطفو على السطح، وتفكيرنا آني لا يتجاوز اللحظة التي نعيشها. وعلينا أن نواجه الحقيقة والتي مفادها أن الاستعمار يسكن عقولنا نحن، نحن من نسجن انفسنابداخله، بل ونجلد أنفسنا به كل يوم. فهذه الهند كانت مستعمرة بل وقام بتقسيمها الاستعمار الى الهند والباكستان وقام باشعال بينهم حروب دينية قبل ان يغادر، بل وجعل من منطقة كشمير منطقة مشتعلة، والهند شعبها متنوع الأديان واللغات، ومع ذلك استظاعت الهند التي تعاني من انفجار سكاني، أن تخلق نظام تعليمي خاص بها أوصلها الى التميز ، فهي لديها جامعات تضاهي الجامعات الغربية، متخصصة في التكنولوجيا وإدارة الاعمال والطب، وبسبب التعليم الحقيقي والغير شكلي الهند الأن سادس قوة اقتصادية في العالم. وأيضا لو نظرنا الى اليابان تلك الدولة التي خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية، بلد ضربها أعداءها بقنبلتين ذريتين، نهضت بعد الحرب، وتعافت ليصل بها الحال أن تحصل على المرتبة الثانية عالمياً في مستوى التعليم، طبعاً غير الصناعة والإعمار والتكنولوجيا، وفي المرتبة الاولى على مستوى العالم ليست امريكا ولا اي دولة اوروبية بل كوريا الجنوبية.
ولو قررت أن تُتهم بالعمالة او الكفر فلتقل: أعتقد أن الوقت قد حان لنجد لأنفسنا حلولاً، فبدلاً من الانجراف في مستنقع الطائفية، التي أوصلتنا الى شعوب تقضي اوقاتها في المهاترات والجدال العقيم، وفي أحسن أحوالها تتباكى على الماضي البعيد، نعم قد كنا أصحاب حضارة بل وحضارات، ولكن التاريخ لا يعود للخلف، شعوب العالم تتركنا نهذي وهي تسير قدماً بخطوات ثابتة وسريعة فماذا نحن فاعلون؟ فبدلاً من صب جم غضبنا على الاستعمار فلما لا نثور على المدارس الخاصة التي أصبحت تجارة رابحة لرجال الأعمال، بل ومصدر للكسب السريع، لماذا لا يكون هناك مجلس للأهالي في كل حيوفي كل ناحية، يتكاتفون لدعم التعليم الحكومي ويساهم منهم كل بقدر استطاعته، لإحياء التعليم في تلك المدارس، فبدلاً من دفع الألاف لللمدارس الخاصة، تستطيع الأهالي ان تقوم بدفع رسوم رمزية للمدارس، لتحسين مستوى الصفوف الدراسيةولرفع رواتب المعلمين، حتى لا يلجأون الى الكسب عن طريق الدروس الخاصة، فماذا لو تكاتفت الناس في كل الأحياء، وحاولت أن تخلق حلول لمشاكلها، هكذا نستطيع أننحرج الوزارات المعنيةونجعلها تتحرك لتقوم بواجباتها، مبادراتنا هي التي ستقف في وجه الاستغلال التي تعاني منها الطبقات الوسطى والفقيرة في بلداننا. علينا أن نفكر ونبتكر وندافع عن حقوقنا في الحياة.
بقلم رولا صبيح