التسوّل المصنوع! بقلم عـادل عطيـة

 
 
   في يوم ما من تاريخ الأنانية، وجد رجلاً بسيط الحال ضالته في إنسان لم يعرف أن المساعدة ليست بالمال وحده، ولكنها قد تكون في كلمة، أو فكرة، أو عمل...!
   فاخترع لنفسه فعلاً مثمراً، مستخدماً عاهة مصنوعة، أو طفلاً بريئاً مخطوفاً، وطبقة صوت منخفضة، ونظرة استعطاف، ويد ممدودة!
   أعطاه الناس لقب شحات. وهي كلمة قبطية مدمجة من كلمتي: تشي، أي يأخذ. وهات، أي فضة. ويكون المعنى: الذي يأخذ الفضة، أو الذي نعطيه نحن الفضة!
   وأصبح الشحات، عضواً فاعلاً في منظومة عنقودية أفرادها يمارسون التسوّل كمهنة أكثر منها احتياج شخصي، أو جماعي!
    يظهر لك فجأة، كمن نزع للتو عن رأسه طاقية الإخفاء، وحلمه الأوحد، أن تكون مصرفاً مالياً جوالاً!!
    يشعرك، مع أول لقاء بينكما، وكأن هناك تعارف سابق، كما في حكايات تناسخ الأرواح، ويقول لك: "كيف حالك؟"، أو يأتيك بمناسبات لم تأت بعد، وهو يقول لك: "كل عام وأنت بخير"، أو يعرض عليك المعاونة، قائلاً لك: "أي خدمة"، أو يستقبلك بأهازيج الأدعية الطيبة، التي تزخر بها إسطوانة لسانه المدمجة، والتي "تسترك"، و"تطيل في عمرك"، و"تدخلك الجنة على الرحب والسعة"، مقدماً لك نفسه كمندوب سامي عن السماء، قائلاً: "شيء لله"!
    الصادم، ظهور منافس على الهواء، يرتدي زياً عصرياً أنيقاً، يملأ شاشة الرؤية عن بعد، ويعرض على المشاهدين شاغلي الطبقة المتوسطة، حفنة من أصعب المشاهد، وأشدها قسوة لأيتام، وأرامل، ومسجونات، ومرضى أطفال، وضحايا الجوع، والمياة الملوثة؛ ليتسوّل بآلامهم، وأوجاعهم!
   قد يبرر البعض هذا التسوّل الإعلامي، بأن قلوبنا لم تمتليء بعد بالرحمة والتراحم، كي لا يتسوّل أحدنا من الآخر! 
   لكن تكلفة المؤثرات الصوتية والمرئية التي تثقب الشاشة، وتخاطب المشاعر، وتؤثر في العاطفة لقادرة باقتدارعلى تسديد ما علينا من فواتير الاستحقاقات الخيرية!
   وعلينا أن ندرك أن المعطي المسرور، لا ينتظر حتى يأتيه من يستجدي منه، ولا يعنيه من يقنعه بأن تبرعاته قابلة للخصم من وعائه الضريبي. ولا يحتاج لمن يحفزه، بأن له الأجر والثواب والخير العظيم؛ لأن المعطي المسرور، يعطي عن حب، وعن تعاطف، وعن إنسانية نبيلة. وهو الوحيد القادر على أن ينظر في عيون كل المتسولين المنتشرين على الأرض، وعلى الهواء، ويقول لهم، بغضب: "كفوا عن هذا التسوّل المصنوع"!...