«زينة وفانوس ومسحراتي» ..أبرز عادات المصريين في شهر رمضان .. تقرير هند محمد

 
 
شهر رمضان المبارك، هو سيد الشهور، فهو شهر مميزً عند المسلمين وله مكانة خاصة عن باقي شهور السنة الهجرية، ففي ليلة القدر من هذا الشهر العظيم نزل القرآن الكريم إلى الدنيا، فضلا عن أنه هو شهر الصوم الذي يعد أحد أركان الإسلام، حيث يمتنع في أيامه المسلمون عن الشراب والطعام  من الفجر وحتى غروب الشمس.
ويحتل شهر رمضان مكانة بارزة في عادات وتقاليد المصريين على مر العصور، حيث يستقبلوه بطقوسهم الخاصة واحتفالاتهم التي تعكس تراثهم العريق، كما أنه يشهد مظاهر ومعان تجعله مختلفا عن سائر بلاد الدنيا، ففيه تتغير ملامح الحياة اليومية، إذ تمتزج فيه الروحانيات الدينية بمظاهر احتفالية فريدة تنبض بالحياة .
وتشهد المدن المصرية نشاطًا كبيرًا خلال الليالي الرمضانية مع التجمعات العائلية والأصدقاء في المنازل والمطاعم، وتظهر العادات والتقاليد المصرية في التحضير لوجبات الإفطار والسحور، مع الاهتمام بالتبادل الاجتماعي والعطاء للفقراء والمحتاجين. 
 
 
"رؤية الهلال"
رصد المستشرق الإنجليزي إدوارد وليام لين، الذي زار مصر وأقام بها بضع سنوات، عادات المصريين في دراسته الشهيرة بعنوان "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم" بين عامي 1833-1835، وقدم صورة تفصيلية مطولة لاستطلاع هلال شهر رمضان في زمنه.
 
ويقول وليام لين: "بعد أن يصل الخبر اليقين لرؤية القمر (الهلال) إلى محكمة القاضي، ينقسم الجنود والمحتشدون فرقاً عديدة، ويعود فريق منهم إلى القلعة بينما تطوف الفرق الأخرى في أحياء مختلفة في المدينة ويهتفون (يا أتباع أفضل خلق الله! صوموا، صوموا)".
 
ويضيف: "إذا لم يروا القمر في تلك الليلة، يصيح المنادي (غدا شعبان، لا صيام، لا صيام)، ويمضي المصريون وقتاً كبيراً في تلك الليلة يأكلون ويشربون ويدخّنون.
 
 
الفانوس وزينة رمضان 
تبدأ شوارع المحروسة في التحول إلى لوحات فنية مليئة بالألوان والأضواء، حيث تُعلق الزينة الرمضانية في الشوارع وعلى الشرفات، ويتنافس الأطفال في اقتناء الفوانيس المضيئة التي تُعد من أبرز رموز الشهر الفضيل.
وتكتسي المناطق الشعبية بجمال خاص خلال شهر رمضان حيث يُزين الشباب والأطفال الشوارع بالفانوس الملون والزينة الفاخرة، ويشع هذا الإضاءة المبهجة طوال الشهر الكريم، ويتبارى سكان كل شارع في اختيار الألوان والأشكال الجميلة لتجسيد أجواء الفرح والتآخي.
ويقول الدكتور محمد أحمد عبداللطيف أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية والقبطية ومساعد وزير الآثار السابق والعميد الحالي لكلية السياحة والفنادق بجامعة المنصورة ، إن الزينة الرمضانية تعتمد على ألوان متنوعة؛ فمنها ما يأتي بألوان سادة وزاهية، ومنها ما يمزج بين العديد من الألوان المستوحاة من الأقمشة التقليدية مثل الخيامية، كما تتخذ أشكالًا متعددة مثل المثلثات والمربعات وغيرها من التصاميم الزخرفية المميزة. وحول أصل حكاية زينة رمضان، قال أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية والقبطية إن هذا التقليد الذي تناقلته الأجيال عبر العصور تشير بعض الروايات إلى أن الصحابي الجليل تميم بن أوس الداري كان أول من أرسى فكرة زينة رمضان، حيث اعتاد على إنارة المساجد بالقناديل كل ليلة جمعة، نظرًا لأهمية هذا اليوم عند المسلمين،أما فيما يتعلق بالاحتفال بقدوم شهر رمضان، فتشير روايات تاريخية أخرى إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب هو أول من بادر بتزيين المساجد وإنارتها مع حلول رمضان، وذلك لتوفير الإضاءة اللازمة للمصلين وتمكينهم من أداء الشعائر الدينية خلال الليل.
وأشار إلى أن بعض الروايات تفيد بأن تزيين الشوارع بزينة رمضان بدأ خلال عهد الدولة الطولونية، حين أصدر الخلفاء أوامر بتعليق القناديل في الشوارع والمساجد احتفالًا بالشهر الكريم” ومع مرور الزمن، تطورت تصاميم الزينة الرمضانية، حيث تحولت من الأشكال الهندسية التقليدية مثل المثلثات والمربعات الملونة إلى أشكال أكثر إبداعًا، فباتت تزين بصور شخصيات ارتبطت بذكريات رمضان لدى العديد من الأشخاص، مثل الفنان فؤاد المهندس وبرنامجه “عم فؤاد”، أو الفنانتين نيللي وشريهان اللتين قدمتا فوازير رمضان الشهيرة. كما أصبحت بعض الزينة تحمل صور شخصيات بارزة في مجالات مختلفة، مثل نجم كرة القدم محمد صلاح، الذي يحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي.
ورغم تغير أنماط الزينة بمرور السنوات، إلا أن جوهر هذا التقليد ظل ثابتًا، حيث يجمع الناس على الاحتفاء بروح رمضان عبر الأضواء الملونة والزخارف التي تضفي أجواء البهجة والفرح في مختلف الشوارع والميادين
وتعتبر الفوانيس جزءًا أساسيًا من التقاليد والطقوس الرمضانية المصرية التي ظهرت منذ العصر الفاطمي، وكان يستخدم لإنارة الطرقات ليلا، ولكنه تحول مع مرور الزمن إلى رمز احتفالي يعكس فرحة رمضان، حيث يخرج الأطفال حاملين فوانيس رمضان في ليلة رؤيته احتفالًا بقدومه، ويستمرون كل ليلة حتى ليلة العيد، مرددين عبارات تميز بها المصرين مثل “وحوى يا وحوى، “جبنا الفوانيس أحمر وأخضر”، “حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو”، وغيرها.
وقال الدكتور محمد عبداللطيف، يعد فانوس رمضان من أهم المظاهر التي ارتبطت بأذهان المصريين منذ العصر الفاطمي، وكان يستخدم لإضاءة الطرق في الليل، والمساجد في قاهرة المعز، فأصبح الفانوس مظهرًا من المظاهر التراث للشهر الفضيل منذ عصر الدولة الفاطمية حتى الآن.
وأضاف عبداللطيف أن من أشهر الروايات التاريخية عن أسباب ارتباط الفانوس في مصر بشهر رمضان تلك الرواية التي تحدثت عن استقبال المصريين للخليفة المعزي لدين الله الفاطمي والذي تصادف قدومه مع حلول شهر رمضان، حيث قدم إلى مصر ليلا ، فاستقبله أهلها وهم يحملون المشاعل المغطاة من الجوانب، والتي رجّح البعض أنها كانت اللبنة الأولى والملهمة لفكرة الفانوس المعروف حاليا، مع تطور أشكاله من عصر إلى عصر.
موضحا أن فانوس رمضان شهد تطورا كبيرا في صناعته بداية من الفانوس الصفيح بالشمعة داخله، إلى الفانوس الكهربائي بالبطارية، وبالرغم من تغير أشكال الفوانيس، إلا أن عادات المصريين لا تتغير.  
 
 
المسحراتي
يعتبر المسحراتي أحد أشهر الطقوس الرمضانية المصرية، وتبدأ وظيفته مع أول ليلة من ليالي رمضان، حيث يقوم بالمرور على بيوت الحي الخاص به ممسكًا بيده طبلة، وباليد الأخرى عصا صغيرة يضرب بها على الطبلة مناديًا على الناس بأسمائهم ليوقظهم لتناول السحور، ومن أهم عبارات المسحراتي وأشهرها، والتي لازالت عالقة في أذهان الناس: “اصحى يا نايم وحد الدايم، رمضان كريم”.
 
 
صلاة التراويح
تعتبر صلاة التراويح من أهم الطقوس الرمضانية المصرية، وهي من المشاهد الرائعة عند المصريين حيث تمتلئ ساحات المساجد الداخلية والخارجية بالمصليين في جميع الأنحاء، والجدير بالذكر أن مسجد عمرو بن العاص وهو أول مسجد بنى في مصر، هو الأوفر حظًا حيث يمتلئ المسجد بالمصلين طوال ليالي رمضان، ويصل إلى ذروته في ليلة القدر، حيث قدر عدد المصلين في المسجد قرابة النصف مليون مصلي.
 
 
 الخيامية في مصر
ومن أبرز مظاهر الاحتفال في مصر الخيامية.. تنتشر بألوانها المبهجة أغطية “الخيامية” في المنازل والمحلات المصرية استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المبارك، وتلك الأغطية ومنها أيضًا الوسائد تمنح الأجواء طابعًا تقليديًا خاصًا، وتشكل نتاج حرفة تعود إلى أزمنة قديمة في مصر، حيث يعود أصل حرفة الخيامية إلى صناعة الخيام للجيوش المحاربة.
 
 
موائد الرحمن
تعتبر موائد رمضان أو كما يطلق عليها المصريون (موائد الرحمن) من أشهر الطقوس الرمضانية المصرية، كما أنها تعتبر من أسمى مظاهر التكافل الاجتماعي، وهي عبارة عن موائد كبيرة يقوم الأغنياء والقادرون بإعدادها في هذا الشهر الفضيل؛ لإفطار الصائمين في مختلف الأماكن أو الشوارع، وهذا يترك أثرًا طيبًا في النفوس حيث يفطر عليها غير القادرين أو المسافرين من مكان إلى مكان، وإدراكهم وقت الإفطار في الشارع، فضلًا عن الثواب الكبير عند الله -عز وجل- جزاء إفطار الصائمين في هذا الشهر الفضيل.
 
 
"مدفع الإفطار"
 يعتبر مدفع الإفطار إحدى العلامات المميزة لشهر رمضان، ومن أهم الطقوس الرمضانية المصرية التي اعتاد عليها المصريون، حيث يخبرهم بميعاد السحور ثم يعود ليخبرهم بميعاد الإفطار.
ومن شهرة مدفع الإفطار في شهر رمضان، بدأ الاطفال يصنعون مدفع رمضان من الورق، ويشترون المفرقعات (البُمب) ويضربونه عند أذان المغرب مرددين العبارة الشهيرة الخاصة به”:مدفع الافطار، اضرب”..
 
 
"الكنافة" معشوقة المصريين
 لا يخلو منزل في مصر في أول يوم رمضان من الحلويات الشرقية، خاصة الكنافة والقطايف ويتسابق البائعون على عمل الكنافة والقطايف في الشوارع وأمام المحلات طوال الشهر الكريم وتحرص الأسر على شرائها وتصنيعها في المنزل حيث يلتف الأطفال حول الأم في انتظار الانتهاء من صينية الكنافة وتحمير القطائف وغمسها في العسل لالتقطاها وتناولها وهى ساخنة، كما تقوم الكثير من الأسر بعمل حلويات شرقية متنوعة لتقديمها للضيوف ولأبنائها عقب الصيام. 
 
 
"ليلة القدر"
يبدأ المصريون في الثُلث الأخير من شهر رمضان الاستعداد لاستقبال عيد الفطر بعادات خاصة تتداخل مع عادات الناس في رمضان، فضلا عن إحياء الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان لرصد ليلة القدر، وعن هذه الأيام أفرد وليام لين جانباً مميزاً قدّم فيه صورة عن عادة المصريين خلالها.
ويقول: "يحيي الأتقياء المتدينون آخر عشرة أيام من رمضان في نهاره ولياليه في جامع الحسين وجامع السيدة زينب (في القاهرة)، وتُعرف إحدى هذه الليالي وهي ليلة السابع والعشرين منه عامة بليلة القدر".
ويضيف: "يقضي هذه الليالي بخشوع كبير بعض الأتقياء الذين لا يستطيعون التأكد أي من الليالي العشر في رمضان هي ليلة القدر، ويجعلون أمامهم وعاء فيه ماء مالح يذوقون طعمه ليروا إن بات حلو المذاق فيتأكدون أن تلك الليلة هي ليلة القدر".
 
 
كرتونة رمضان
تعد كرتونة رمضان  من أهم مظاهر التضامن الاجتماع في رمضان حيث يتم توزيعها علي الفقراء والمحتاجين وقد يشارك الكثير من الأقباط قي توزيعها علي المسلمين .
يظل شهر رمضان سنويا دافعا لتجلي الكثير من المعاني في الذاكرة المصرية من عبادات وفروض دينية، باعثاً للكثير من الإبداعات الفنية والمظاهر الاحتفالية، التي أصبحت وثيقة الصلة بروح الشهر وعلامته الدالة عليه في مصر وشوارعها