العالم يلهث خلف الإرث المصري العريق بقلم : سامح أدوار سعدالله

 
سؤال يطرح نفسه دون إذن أو مقدمات، سؤال يلح عليك أن يجعلك في قمة التعجب والانبهار في الوقت نفسه: لماذا يلهث العالم كله لاقتناء واحدة من الآثار المصرية القديمة، بأي شكل من أشكالها، سواء كانت ذهبية أو فضية أو برونزية أو حتى حجرية، وبمختلف أنواعها، كالقلادة أو التمثال أو البردية؟ لماذا يدفع فيها التجار المليارات من الدولارات من أجل اقتناء شيء منها؟
تعددت الطرق في الزمن القديم والحديث لنهب هذه القطع الأثرية، رغم أن هذا المسلسل قائم منذ عصور الفراعنة أنفسهم إلى يومنا هذا. العمل يسير على قدم وساق في نهب وسرقة الآثار على مر العصور، مع العديد من المحاولات المتعددة. لكن في الماضي كان البحث يدور حول الكنوز الذهبية والفضية، ومع وضوح القيمة الأثرية والفنية والأدبية والعلمية، أصبح كل ما هو مدفون تحت الأرض ويخص المصريين القدماء يعد من النفائس وذو قيمة مادية ومعنوية وأدبية وعلمية عظيمة جدًا.
حتى تبلورت في شكل تعد السرقات الأثرية في مصر من أبرز القضايا التي شغلت الأوساط الثقافية والتاريخية على مدار عدة قرون، وقد كانت القوى الاستعمارية الغربية، خاصة بريطانيا وفرنسا، لها دور كبير في هذه السرقات خلال فترات احتلالها لمصر. بداية من القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين، سعى المستعمرون إلى نهب آثار مصر القديمة بشكل ممنهج، وهو ما أدى إلى فقدان جزء كبير من التراث المصري الثقافي والحضاري.
كان الاستعمار الفرنسي لمصر قد بدأ في نهاية القرن الثامن عشر تحت قيادة نابليون بونابرت، عندما غزا الجيش الفرنسي مصر عام 1798. وكان لفرنسا دور كبير في الاكتشافات الأثرية في مصر، ولكنه أيضًا كان شاهدًا على عمليات سرقة للآثار المصرية.
حملة نابليون: أثناء الحملة الفرنسية على مصر، حمل الجنرال نابليون بونابرت معه فريقًا من العلماء والفنانين من مختلف التخصصات، أطلق عليهم اسم "علماء الحملة الفرنسية". هؤلاء العلماء، الذين ضموا عددًا من المهندسين وعلماء الآثار، أجروا العديد من الدراسات والتحقيقات العلمية حول آثار مصر القديمة، خاصة في منطقة الأهرامات وداخل معابدها القديمة. ورغم اهتمامهم العلمي، إلا أن الحملة الفرنسية كانت لها جوانب سلبية أيضًا، حيث تمت سرقة العديد من الآثار المصرية. من أبرز السرقات التي قام بها الفرنسيون في تلك الفترة كان اكتشاف حجر رشيد (1799)، رغم أن بريطانيا نجحت بالقوة في الاستيلاء عليه، وهو موجود الآن في المتحف البريطاني إلى هذا اليوم. ويعد هذا الحجر مفتاحًا لفك رموز اللغة الهيروغليفية. كما تم نقل العديد من المقتنيات المصرية القيمة إلى فرنسا. حيث عرف الجميع أن من قام بفك رموز حجر رشيد هو شامبليون، وهذه أيضًا حقيقة ناقصة. لم يذكر المؤرخون أن صاحب الفضل الأكبر على شامبليون في كشف حجر رشيد كان الكاهن القبطي يوحنا الشفشتي الذي علم شامبليون اللغة القبطية القديمة التي تعتبر حلقة الوصل في فهم رموز اللغة المصرية القديمة.
لم يكتفِ الفرنسيون بهذا، بل نهبوا أيضًا، بعد رحيلهم بفترة، لوحات الأبراج السماوية التي كانت معلقة في سقف أحد جدران معبد دندرة بقنا. لك أن تتصور كيف استطاع اللصوص الخبراء الفرنسيون نزع السقف كاملاً ونقله إلى باريس، ليُعرض في متحف اللوفر. وهنالك قصص لا تنتهي ولا تعد.
الاستعمار البريطاني: بعد هزيمة الفرنسيين في 1801، أصبحت مصر تحت تأثير الاستعمار البريطاني، الذي استمر حتى منتصف القرن العشرين. خلال هذه الفترة، كان للبريطانيين دور كبير في نهب الآثار المصرية، خاصة بعد أن أصبحوا القوة الاستعمارية الرئيسية في المنطقة بعد عام 1882. وقد نقلوا الكثير من الآثار المصرية القديمة إلى لندن، وأشهرها حجر رشيد. كما تم نقل حجر الكف الذي طبع يد السيد المسيح عليه وقصته المشهورة عندما وصل في رحلة الهروب إلى جبل الطير، وكذلك حجر الكف.
في ظل الهيمنة البريطانية، شهدت مصر موجات من السرقات المنظمة للآثار، حيث كان يتم نقل الآلاف من القطع الأثرية القيمة إلى المتاحف البريطانية، مثل المتحف البريطاني، وكذلك إلى العديد من المتاحف الأخرى في أوروبا. ولا يمكننا أن ننسى أشهر حوادث السطو والسرقة في عز النهار، وهي واحدة من أشهر عمليات السرقة، وهي سرقة محتويات مقبرة توت عنخ آمون، التي اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في 1922. على الرغم من أن الحفريات نفسها كانت قانونية، إلا أن العديد من القطع الأثرية التي اكتُشفت تم نقلها إلى بريطانيا أو تم احتجازها من قبل السلطات البريطانية، رغم احتجاجات الحكومة المصرية. من بين هذه القطع، العديد من القطع الذهبية والمجوهرات والتحف التي تعد من أندر القطع الأثرية التي تركها الفراعنة. وكانت هناك محاولات قوية من الحكومة المصرية في وقت رئاسة سعد زغلول باشا لمنع هذه السرقات. على الرغم من أن بعض الحفريات التي تمت في ظل الاستعمار البريطاني كانت تحت إشراف علماء آثار بريطانيين، إلا أن هذه الاكتشافات لم تكن دائمًا تهدف إلى الحفاظ على التراث المصري، بل كان الغرض الرئيس في كثير من الحالات هو جمع هذه القطع الأثرية لصالح المتاحف الغربية. لم يتم إشراك العلماء المصريين في الحفريات بشكل كافٍ، وكانت السلطات الاستعمارية تفضل التعاون مع علماء غربيين لتحقيق مكاسب مادية وعلمية. لكن لا نستطيع أن ننكر أن هذه السرقات، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، قد أثرت بالسلب على المعرفة الكاملة بالحضارة المصرية القديمة وأسرارها. أظن أن جزءًا كبيرًا منها مازال في غياهب الجهل، حيث كانت مصر تعيش في ظل حكم دولة المماليك عندما كانت مصر ولاية عثمانية، في فترة من الجهل العظيم. نهب الأوروبيون مخطوطاتنا وبردياتنا، وتعلموا لغة مصر القديمة وأخذوا علمنا على طبق من ذهب.لينشروا النور في القارة العجوز و نحن نحاول أن نتجاوز هذه الظلمات إلى الآن .