جاكلين جرجس تكتب : ليلة بُكاء القاهرة !

أمطار غزيرة انهمرت على البلاد لم يعرف سببها علماء الارصاد الجوية ؛فى تلك الليلة الحزينة التى بكت فيها القاهرة يوم التاسع من مارس 1971 ، رئيس هيئة الارصاد الجوية وصفها بأنها " مفاجأة جوية " ، بالفعل كانت مفاجأة حقيقية ؛ حين بكت القاهرة و أظلمت سمائها حزناً على رحيل البابا كيرلس السادس ، و جاء نعى البابا كيرلس أكبر و أطول نعى فى تاريخ مصر ، و استمر ستة أشهر كاملة !.
ذلك لاحتفاظه بمكانة خاصة فى قلوب المصريين حتى لُقبوه بالعديد من الألقاب منها :" صديق عبدالناصر" ،"رجل المعجزات"، و بالرغم من رحيله عن عالمنا إلا أن مواقفه الوطنيه و أقواله تعيش فى وجداننا حتى الأن ، و قد اقترن اسمه و مواقفه بعدد من الأزمات السياسية التى مرت بها البلاد،وقتها كان صديقاً حميمًا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر،و هى العلاقة التى عبّر عنها محمد حسنين هيكل فى كتابه "خريف الغضب" بقوله "كانت العلاقات بين جمال عبد الناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروف أن البطريرك يستطيع مقابلة عبد الناصر فى أى وقت يشاء "، و هى العلاقة التى يعيدها للأذهان بقوة الرئيس عبد الفتاح السيسى بقداسة البابا تواضروس، وقد جمعهما حب و مصلحة الوطن.
معروف أن البابا كيرلس السادس كان مشهودًا له بوطنيته خاصة بعد احتلال إسرائيل لسيناء بعد حرب الأيام الستة وكان ذلك جليًا في رسائله الباباوية ، واللقاءات التي حضرها لتدعيم موقف عبد الناصر، وعندما قامت إسرائيل بضم القدس لأراضيها وتهويدها وغيرت وضعها قبل سنة 1967م، قام البابا بالاتصال بالكنائس لترفض ضم القدس للأراضي اليهودية ، و أدلى قداسته بحوارت  للتلفزيون الفرنسي من أجل الحقوق العربية في مدينة القدس وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، هذا إلى جانب إتخاذه قرار منع الأقباط الذهاب إلى القدس للتقديس ،أما الرئيس عبد الناصر كان موقفه بطولى تجاه بناء الكاتدرائية فقد أعطى تصريحًا لبناءها ،وكلف إحدى شركات القطاع العام بأن تقوم بعمليات البناء،و انتهى الهيكل الخراساني لها في سنة واحدة ، وحضر الرئيس حفل وضع الأساس فيها ،و حفل افتتاحها ، كما تبرع بمبلغ 100 ألف جنيه مكّنت الكنيسة من دفع رواتب العاملين بالبطريركية بعد تأخرها لعدة شهور .
معروف أن البابا كان رجل الصلاة لم نجد فى تاريخ الكنيسة كله إنسان استطاع أن يقيم مثل هذا الكم من القداسات التى قاربت عن 12 ألف قداس ،وهذا ما لم يحدث فى تاريخ باباوات الإسكندرية أو العالم ، تشعر ببركة خاصة و كأن روحه تحوم حول اولاده المصريين ترشدهم و تقويهم ؛ فما أشبه الليلة بالبارحة فالتاريخ يعيد نفسه عندما قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بافتتاح الكاتدرائية الجديدة فى العاصمة الإدارية فى عهد قداسة البابا تواضروس الثانى وكان الرئيس السيسى أول المتبرعين لها ؛ داعيين الله أن تنمو و تتزايد أواصر المحبة فمصر تميزت على مر العصور بالتآخى والتعايش لا مكان للتعصب الطائفى بين أبناء الوطن الواحد ، بوحدتنا نستطيع أن نبنى المجتمع الصحيح الذى نأمله .