في بداية كل عام جديد، تتسابق وسائل الإعلام العربية على استضافة العرافين والمتنبئين، مقدمةً لهم منصة واسعة لعرض
توقعاتهم لأشهر قادمة في السنة الجديدة.. يأتي ذلك العرض تزامنا مع تزايد الاهتمام لدى الجمهور بالتنبؤات الفلكية وقراءة الطالع، حيث يبحث العديد من الأشخاص عن إجابات لأسئلتهم أو رؤى حول مستقبل للواقع الذي يعيشونه. وقد ساهمت الأحداث السياسية والإقتصادية حول العالم في زيادة القلق والخوف من المستقبل والفضول لما ستؤول له الأمور في المستقبل القريب رالبعيد، ما حذا بجمهور كبير من الناس انتظار تلك الفقرات بفارغ الصبر لمعرفة ما القادم
ولم تعد تقتصر هذه الظاهرة على الفضائيات فحسب، بل امتدت أيضًا إلى منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي تضاعف اهتمام المتابعين بالتوقعات المرتبطة بالأبراج. وهو ما يبرز وسائل الإعلام كحلقة وصل بين العرافين وجمهور يبحث عن الأمل والتوجيه للمستقبل الغامض لواقع مقلق مع بداية العام الجديد. ومع تزايد الفضول حول ما سيحمله المستقبل، تصبح هذه البرامج مصدر جذب جماهيري لا يستهان به
إن تلك البرامج تدغدغ مشاعر الجماهير، وتمنحهم الأمل وبالمناسبة فإنها ممارسة متجذرة بعمق في التاريخ البشري، فقد كانت ومازات تجذب العديد من الناس في الحضارات القديمة والحديثة، لأولئك الباحثين عن إجابات غير متوفرة في حاضرهم. فغالبًا ما تنبع جاذبية معرفة المستقبل من حاجة بشرية فطرية إلى معرفة اليقين، وخاصة في أوقات الأزمات الشديدة الحالكة بسواد عدم اليقين كالتلك الأيام نعيشها في حاضرنا اليوم في عالمنا العربي والعالم أجمع عامة متمثلة في الحروب والإنقلابات والتغيرات المناخية وما ينتج عن كل ذلك من دمار وعدم استقرار، ما يتسبب بحالة نفسية يمكن أن تدفع الأفراد إلى البحث عن الطمأنينة أو التفسيرات للأحداث التي تبدو غير متوقعة ولا يستوعبها العقل أو لا يمكن السيطرة عليها. لذا فالعلاقة بين قراءة الطالع والخوف من المجهول معقدة ومترابطة، كونها غالبا ما توفر وسيلة للأفراد لمواجهة مخاوفهم بشأن المستقبل
والخوف من المجهول أو الخوف من القادم، من الناحية النفسية، هو جانب طبيعي وراسخ في الحالة البشرية. فالبشر، مثلهم كمثل جميع الكائنات الحية، مبرمجون على السعي إلى تحقيق القدرة على التنبؤ والنظام في بيئاتهم. وعندما يواجه الإنسان مواقف كالتي نمر بها اليوم في حاضرنا المعاصر والتي كان نتائجها غير مؤكدة، يؤدي ذلك إلى يتفاعل العقل معه بالتوتر والقلق. ويتجلى هذا الخوف بشكل خاص في مجالات مصيرية للإنسان مثل العلاقات الإنسانيه ، الصحة ، المال ، المهنة ، والإستقرار والحرب وهي المجالات التي قد يؤثر فيها عدم اليقين بشكل كبير على شعور المرء بالرفاهية وفقدان الإستقرار
كما يتجلى الخوف من المجهول بطرق مختلفة. فقد يشعر الناس بالقلق إزاء المستقبل، سواء من حيث النجاح الشخصي أو التغيرات المجتمعية أو المخاوف الوجودية. ونتيجة لهذا، يبحث الأفراد في كثير من الأحيان عن طرق للتخفيف من هذا عدم اليقين. ومن الطرق التي يحاول بها الناس إدارة هذا الخوف البحث عن المعلومات أو التنبؤات التي قد توفر إحساساً أكثر وضوحاً بالسيطرة على ما هو آت
وطول الحرب في غزة وامتدادها في المنطقة سواء في لبنان ، سوريا أو اليمن ، استطاع أن يخلق حالة من عدم اليقين طويلة الأمد ، حيث أصبح المستقبل غير واضح ومليئًا بالتهديدات المحتملة. وفي مثل هذه الأوقات، يبحث الناس عن أي نوع من الأمل أو الإرشاد ليخفف عنهم القلق والتوتر. وهو ما يعزز اتجاههم إلى متابعة العرافين والمتنبئين على السوشيال ميديا وفي كل وسائل الإعلام ، هؤلاد الذين يزعمون القدرة على رؤية ما سيحدث في المستقبل، ويعدون بتقديم إجابات على الأسئلة التي تحير الناس، ما يخلق شعورًا زائفًا بالأمان. فمن خلال التنبؤات المبهرة أو الغامضة يعتقد البعض أنهم يجدون تفسيرًا لما يحدث وما سيحدث، في محاولة لفهم ما لا يمكن تفسيره. كما أن هذه التنبؤات تقدم نوعًا من التوجيه الذي يعزز ثقة البعض في المستقبل. وفي ظل الحرب، زادت الحاجة إلى تصديق ما قد يقدم تفسيرًا للأحداث الغامضة التي تحدث ما أدى إلي ارتباط الناس بالعرافين وانتظار ظهورهم على مختلف وسائل الإعلام كملاذ للهروب من الخوف ومن المجهول الذي يحيط بهم
لذا فإن فراءة الطالع، سواء من خلال علم التنجيم، بطاقات التارو، قراءة الفنجان أو غير ذلك من أساليب العرافة، يمكن أن شعورًا مؤقتًا بالسيطرة على المستقبل. عكازا نفسيا لمن يعانون الخوف من المجهول لا أكثر . يقينا وهميًا في كثير من الأحيان يساعد الأفراد على التعامل مع القلق حتى وأن كانت تلك التنبؤات غير صحيحة علميًا أو دقيقة من الناحية الواقعية، ولكنها تساعد في تهدئة العقل القلق مؤقتا
لكن يبقى السؤال هل يمكن الإعتماد على ذلك في الحياة ؟ ماذا عن القدر ؟ هل يستطيع العرافين تغيير الأقدار ؟ بالتأكيد
لا .. أن قراءة الطالع أو البخت، يمكن أن توفر راحة مؤقتة من الخوف من المجهول، لكنها لا تغير الأقدار، كما يمكن أن تكون لها عواقب سلبية أيضًا. فقد يؤدي الاعتماد المفرط علىها إلى انخفاض الشعور بالوكالة الشخصية، حيث قد يتخذ الأفراد قرارات مهمة في الحياة بناءً على تنبؤات العرافين بدلاً من حكمهم الخاص والتي يمكن أن لا تكون صحيحة أو غير مناسبة، ويلجأون إليها للحصول على إجابات حتى لأبسط الأسئلة، مما قد يمنعهم من مواجهة المجهول بأنفسهم وعدم القدرة على اتخاذ آي قرار مستقبلا
وعلاوة على ذلك، في مثل هذه المواقف قد يستغل العديد من العرافين الأفراد الضعفاء، إذ يستغلون مخاوفهم لتحقيق مكاسب مالية. وقد يتم التلاعب بالأفراد ليصدقوا أن مستقبلهم قاتم أو أنهم بحاجة إلى طقوس أو خدمات باهظة الثمن لتغيير مصيرهم
في الختام، يُظهر تأثير العراقين وقارئ الطالع على عقول الناس خلال الأزمات تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل سلوك الأفراد
وتوجيه تفكيرهم. وبالرغم من أنها تُسهم في خلق نوع من الطمأنينة المؤقتة أو الهروب من الواقع، خاصة في الأوقات التي يتسم فيها الواقع بالضبابية والقلق. لكن، لا تمتلك القدرة على تغيير مسار القدر أو تغيير الأحداث بشكل حقيقي. فالحياة تظل محكومة بقوانين وأحداث لا يمكن للإنسان التنبؤ بها أو التحكم فيها. ويبقى الأهم بأن يتوجه الناس إلى الاستناد إلى العقل والواقعية في الأوقات الصعبة، مع الحفاظ على الأمل والإيمان بالقدرة على التكيف والتغيير .

