عندما يجد المرء نفسه دائماً فى موقف الضعيف أمام حكومته، إذا ما تكلم في السياسة، أو تحدث عن الغلاء، أو عبّر عن استياءه من فساد، فيأخذه الذكاء إلى استخدام الدين كقوة حاسمة. ويجد في شهر رمضان، النموذج الأمثل لتلك القوة الدينية، فيلتجئ إليها متحصناً، ليكون قوياً، ولتصبح الحكومة هي الضعيفة!
فتجد الآباء، يسمحون لأولادهم بنشر المصابيح في الساحات، وفي الشوارع والحارات، يلعبون تحت اضوائها الغامرة حتى وقت السحور. فإذا تصادف وداهمتهم دورية من شرطة الكهرباء، وأرادت أن تحرر لهم مخالفة لسرقتهم الكهرباء، ستجد الاصوات المتكاثرة تحوطهم، وتعطيهم درساً عن رمضان الكريم، وأن الذي يؤذي مسلماً في رمضان ليس بمسلم، فينسحبوا قبل أن يصبحوا من صفوة الكافرين!
وتجد الانتشار الواسع للمتسولين، الذين يلاحقونك في الشوارع، وكأنك أصبحت مصرفاً مالياً متحركاً!، أو يطرقون على بابك، وكأنك قيّماً مسئولاً على بيت المال!. والويل لك لو صرفت أحدهم، دون أن تعطيه ما يعتبره أنه حق من حقوقه المكتسبة، فيسبك ويلعنك، لأنك أهنت الشهر الكريم. وهو يعلم تماماً، أن الشرطة في هذا الشهر لن تطارده بتهمة التسوّل!
وتجد الرئيس فى العمل، يبحث عن موظفيه وعماله، غير المتواجدين، لأكثر من ساعة، فإذا وجدهم، قالوا له بجرأة فاضحة: إنهم كانوا يُصلّون! وكأنه لا يعرف كم من الوقت تستغرق الصلاة، ولم يرى على وجوههم ما يدينهم، ويؤكد له، أنهم استسلموا للنعاس الذي داهمهم بعد الصلاة، ولكنه يسقط في يده ويتركهم؛ فمن يجرؤ أن يمنعهم عن أداء الصلاة، حتى ولو كانت صلاتهم نوماً، ونومهم تعطيلاً لمصالح الناس؟!
وتجد من يلاحق المفطرين فى كل مكان، بقسوة مفرطة، دون السؤال عن ديانتهم، أو هل هم من المرضى، أو من الذين كانوا على سفر؟!، مبررين حملتهم هذه، بأن مثل هؤلاء المفطرين، يجرحون شعور الصائمين! والحقيقة أنهم يتصرفون معهم تصرف من أجبر على الصيام، وكمن يشعر بأن هؤلاء فى مزية يفتقدها هو؛ لأن الذي يصوم عن اقتناع ومحبة فى الله لا يهزه شيء. ثم ألا نجد برامج كثيرة تغطى الفضائيات، وتنقل للمشاهدين عبر الشاشات، ومن المطبخ مباشرة: ألف طريقة وطريقة لعمل وتقديم أشهى المأكولات والحلويات، وبأكثر اثارة مما يعتقدون أنه استفزاز من المفطرين لهم، ولغيرهم؟!، وألا يذهبون إلى الوضوء، وهناك يسمعون صوت المياه وهي تفيض من الصنابير، ويرونها وهي تترقرق فى الأحواض، ومع ذلك فهم لا يقولون أن هذا المشهد يفطرهم، ذلك لأنهم فقط يبغون التسلط، وقهر الآخر باسم رمضان!
قائمة الاستقوائية البغيضة بشهر رمضان، طويلة مديدة!
ومع ذلك، فهل يستقوى روحهم بالصيام، ولو مرة واحدة، على جسدهم المشتعل بالشهوات، ونفسهم الأمارة بالسوء؟...

