شهادة واقعية: قبل حوالى 15 عاماً اتفقت مع النجمة الكبيرة «يسرا» على تسجيل فقرة تدعم فيها غزة وأطفالها، لتذاع فى برنامج كنت أعده وأقدمه على قناة «الساعة»، وقت أن كانت سفيرة النوايا الحسنة فى الأمم المتحدة.. وتحدد الموعد فى مكتب المخرج «خالد يوسف» الذى تحمس هو الآخر واستجاب للتسجيل معى.. وأذيعت الفقرة آنذاك على الهواء ولاقت ترحيباً من كل نجوم مصر، حيث كانت كل النقابات المهنية، وفى مقدمتها النقابات الفنية، تدعم فلسطين.
لكن هواة المزايدة السياسية قرروا ابتزاز القوى الناعمة المصرية من فنانين ولاعبين كرة ومشاهير وسياسيين، باعتبار أن دعم دولة فى مأزق (لبنان، غزة، ليبيا، اليمن) ليس له طريق إلا الهدم ووقف كل مظاهر الحياة (المهرجانات الفنية، المعارض، مقاطعة السلع المصرية... إلخ).. وأن التعبير الوحيد عن دعمك لدولة فى حرب هو أن ترتدى الغطرة أو تعلق علَمها ثم ستواصل حياتك سراً، وحتى مقاطعة السلع أصبحت وسيلة لكسب الفلورز على السوشيال ميديا من البلوجرز.. ومن وجهة نظر هؤلاء المزايدين كان لا بد من إلغاء مهرجانى الجونة والقاهرة السينمائى.. رغم أن الفلسطينيين أنفسهم يعبرون عن قضيتهم برقص الدبكة على كل مسارح العالم!
المقاطعة بالنسبة لنجمة بحجم «يسرا» قد تكون عدم التعاون فى فيلم إسرائيلى أو عدم زيارة تل أبيب... إلخ ما يمكن للفنان تقديمه وفى مقدمته توعية الرأى العام بأهمية القضايا العربية.
طوال عمرها لم تبخل يسرا بوقتها ولا بمشاعرها، وكانت تشارك فى كل القضايا الإنسانية من نزع الألغام فى العلمين إلى مكافحة الإيدز والسرطان.. والقائمة تطول.
البعض تصيَّد لها تصريحاً حول عدم تأجيل مهرجان الجونة، وذلك فى ظل تصاعد الأوضاع فى لبنان، والذى أشارت خلاله إلى أنه لا يمكن توقع الأحداث فى لبنان، وأن الأحداث الفنية يمكنها تغيير الرأى العام.
ورغم أن يسرا نشرت تصريحاتها -فى نفس التوقيت- عبر حسابها على «إنستجرام»، وعلقت: «لبنان هى بلدى الثانى وقلبى يعتصر حزناً على كل شبر فيها.. فى ظروف زى دى دايماً بيكون فيه ناس كل غرضها تحوير مضمون الكلام للإيقاع بنا».
وأضافت: «أنا هنا بأكد إن مضمون حديثى هو أن شعب مصر قلباً وقالباً مع كل الدول العربية اللى بتمر بظروف عصيبة وإن إقامة أى مهرجان فى المقام الأول دعم القضايا من خلال الفن والسينما ولا نقلل شأناً مما يجرى من أحداث إنما عنصر المفاجأة مش بيكون خادمنا فى إننا نسلط الضوء على دولة بالأخص».
لكن الكل تجاهل ما نشرته على حسابها الرسمى ليسألها فى كل ظهور و«بدون مناسبة» لماذا لم تدعم لبنان.. إنها المزايدة الوطنية فى أسوأ صورها، نفسى أسأل من يطرح عليها أسئلة الدعاية السوداء: حضرتك دعمت لبنان وغزة إزاى وبإيه؟!!.
شاهدوا مظاهرات فيلم «العاصفة»، التى تستعرض المظاهرات الطلابية المناهضة للاحتلال الإسرائيلى والداعمة للمقاومة الفلسطينية ضمن أحداث العمل.
والمشهد الختامى الذى بدأ بمظاهرة طلابية تخرج من الجامعة وتلتقى بمظاهرة أخرى على رأسها الفنانة يسرا وهشام سليم وسعاد نصر.. هذه هى الأدوات الوحيدة الممكنة فى يد الفنان والتى تفيد القضايا العربية بعرض الفيلم فى كل دول العالم وتنشر الوعى بعدالة قضايانا.. وليس التلويح بالغطرة أو العلَم.. وهذا دور الفن ورسالتة العظيمة على مر الزمان.
سوف تبقى «يسرا».. مثل لؤلؤة نادرة لم نكتشف قيمتها الحقيقية حتى اليوم، فلا يزال لديها الكثير لتقدمه.. تلك الموهبة السخية التى اختبأت والتى ما زالت تمتعنا.
لقد عايشت مواقف عديدة مع «يسرا»، كانت تناشد المجتمع الدولى حماية أطفال فلسطين، وتؤازر مرضى الإيدز والمعوقين، وتعمل بجدية لأجل المهمشين.. لم أرَ فيها أى تصنع أو تكلف، كانت تبادر بحب وحس إنسانى رفيع بمعاناة الآخر.. وكأنها تحقق «أمومتها» بالعطاء لكل المحرومين والمحتاجين. عشت معها مواقف تعرضت فيها لأزمات وظلم من البشر ومن الصحافة.. فلم تكن إلا صبورة محبة واثقة من أن الله لن يخذلها.. فلديها طاقة نورانية تتجاوز بها عن أخطاء الآخرين وتسامح وتغفر الإساءة.
وسوف تمر أيضاً هذه المحاولة الفاشلة للنيل من يسرا.. بالتسامح.