وضع يسمح بمعاينة .. أدق الّتفاصيل بقلم: مراد ناجح عزيز

وضع يسمح بمعاينة .. أدق الّتفاصيل بقلم: مراد ناجح عزيز
وضع يسمح بمعاينة .. أدق الّتفاصيل بقلم: مراد ناجح عزيز
وحيدًا أتابع ..
شاشة التّلفاز, لم اكترث كثيرًا بما تستنطقه من أحداث, أو يستوقفُني كعادتي أحد أفلام الأبيض والأسود, إذ أنها غالبًا ما تحمل الكثير من الذّكريات لزمن جميل, ودون جدوى أحاول التّلهي بعمل شيء ما, تصفّح بعض رسائل الهاتف, أو إجراء بعض مكالمات لأصدقاء كثيرًا ما اتّفقنا على زيارات ولم تكتمل, إلا أن زيارة صاحب العِقار وكانت تربطني به علاقة ود, وكأنّها عصا أرّقت زُمرة من الهموم التي أوعزت إليها مُعاناتي باستباحة  كل شيء, حتّى أنني فشلت في أن أصلح زُرار قميص, ارتعشت يداي ولم تُفلح مُحاولاتي في لضم إبرة بخيط, ربّما هي برودة الجو أو لعلّه أمر عارض لا يُأكّد خلل ما, وعلى الأرجح ربّما أحتاج لعمل قياس للنظر, عادة بعد سن الأربعين يحتاج الكثير منّا ارتداء نظّارة طبيّة, هكذا أشار مبتسمًا صاحب العِقار, إلا أن زيارتي الأخيرة للطّبيب نتيجة لشعوري بإجهاد وسرعة ضربات القلب لأقل مجهود, جعلت كلمات صاحِب العِقار هي مَن يتصدّر الذّاكرة: لا داعي لكثير من الطّعام المالح والقهوة وتدخين السّجائر بشكل مفرط, مقتضبًا أجبته: أحاول
- لأ, لا تُحاول بل يجب, وبِقدر ما تستطيع ألا تُجهد عضلة القلب بانفعال زائد, 
أبتسم ساخرًا, وكأنك تأمرني أن أجفف ملابسي في العراء وتحت المطر( أحدِّث نفسي).
 لا أثر لأحد هُنا, فلا صوت لرضيع أرّقته أوجاعه ليلًا, فجالت بخطواتها أمٌّ تحمله أشواطًا من السّاعات, ولا هي كعوب أحذية تدق درجات السّلم صعودًا وهبوطًا, لقضاء أمر أو ربّما زيارة لمريض, ولا هي ثرثرة البعض في محاولة لاستدراج أخر أنفاس ليل طويل, ونظرًا لقِصر قامتي, تحملني أطراف أصابعي حتّى استدارة نافذة الباب الزجاجيّة, إذ يبدو المشهد أكثر وضوحًا, لغُرفة تتحسّس سريعًا دفء هواءها أو برودَته, لو أنّك حاولت استنطاق حوائطها وقد حاصرتها أجهزة التكييف, اتّسعت 
حدقات عينيّا جاحظة, تقرأ بعض التّفاصيل, طاولة ذات ملمس إسفنجي القوام, يكسوها طبقة جلديّة سوداء, تُظللها من أعلى اسطوانة مقعّرة, تسبح بداخلها الأنوار, في وضع يسمح بمعاينة أدق تفاصيل جسد مُنهك, تعاقبت عليه طعنات الألم 
فحَمَلته إلى هُنا. 
- هل لديك أبناء؟ 
- اثنين 
- هل لديك أحفاد؟
- ثلاثة, بنتان وولد
ومابين إغفاءة وأخرى, إجابات مقتضبة, حتّى استسلم زائرهم الوحيد لراحة جسده, دقائق هي لا أكثر, وإذا بقلب زائرهم ينبض فوق طاولة كعصفور ذبيح, بينما تركوه جُثّة هامدة لا حِراك فيها, ثمة ممرّضة لم يخفي قناع وجهها المُعقّم كُحل عينيها وانتفاضة نهد تشي بأنوثة ودلال, تُجفف قدر استطاعتها دماؤه النّازفة, حتّى بدا القلب مفتوحًا وقد أفرغ الطّبيب كل محتوياته, كغرفة داهمتها أقدام الغُرباء, وراحت تتجوّل فيه يُمنة ويسرة ( أشلاء حُلم هُنا, أغنية لوجه قمري هُناك, قصيدة تكوّر حملها بوطن سعيد, وطفل دس والده في يده بعض نقود لشراء حلوى, وما بين إشارة بهُدنة, وأخرى بمزيد من البحث والتّنقيب, اخترق صوت سرينة الإسعاف مسامعي, مُتّجِهًا صوب نافِذتي, وإذا به (صاحب العِقار) داخلها, تحمله طاولة اثر إصابته
بنوبة قلبيّة.