يندب حظ عينيه بقلم: مراد ناجح عزيز

يندب حظ عينيه بقلم: مراد ناجح عزيز
يندب حظ عينيه بقلم: مراد ناجح عزيز
 
قبل أن تُعلن ..
دقّات السّاعة اكتمال دورانها, وإذا بقدمين أثقلتهما الهموم والمتاعب, دلفت في ثياب لا تشابه جاراتها من القمصان ذي الماركات العالميّة, وامتهان الوجوه بطلاء يُعمّق جراح نَضَارتها, وابتسامات لا تكف عن اجترار أوقات السّعادة.
بدا كغريب في مدينة على سطح كوكب بعيد, تستّر بأحد الأعمدة التي امتلأت بها قاعة الحفل, راح يلملم ثيابه قدر استطاعته, فربّما عكّر ملمسها الخَشن كأصابعه التي تيبّست طلاء الحوائط, يتخطّف النّظرات سريعًا, كي يملأ فراغ عينيه الذي تعطّش كثيرًا لمثل هذه المناسبات التي قلّما أن تتكرر أو يمنحها زمن قادم, جحظت عيناه على اتّساعها كمن يحاول التهام كل ما يمر أمامه من صور قدر استطاعته, خَشية أن تلحظه عين خبيثة, ظنّته لِص وحالت بينه وبين اقتطاف زهرة من حديقة وطئتها قدماه في غفلة من الزّمن.
للتّو راح يندب حظ عينيه بعيدًا, حيث غُرفته التي ضجّت به طويلًا, فِراش من خشب نخره سوس جائع, أحلام تكسّرت عِظامها, تتدلّى من مشانق ضيق ذات اليد أمامه, حتّى استحالت مدامع عينيه قاحلة كصحراء تعوّدت أقدام مَن سئموا الحياة. 
جاهدًا حاول تكميم انفه وصم أذنيه أيضًا, ربّما انفه أصابها مس تلك الرّوائح الباريسيّة فتأففت من أبخرة عوادم السيّارات, رائحة العرق والرّطوبة, أو ربّما هي الأخرى أذنيه عاقرت سماع ضحِكات تُعيق حركة مرور السيّارات وتوقّع صَك تحرر 
من عبث الكآبة والألم. 
كانت قد عبّأت المكان أدخنة السّجائر وتناثرت البالونات في سماء المكان وأرضيّته, ومابين امتزاج العُطور وبهجة الألوان, بدأ العد التنازلي لدقّات السّاعة, أطفئت الأنوار, تعالت أصواتهم في العَد حتى أنها غطّت على أنغام الموسيقى, دوي انفجار بعض البالونات, أعادني من ردهة حلم وألقت بي هُنا على حافة نهر, انتظر اختطاف لصٌ لأقدامي بعيدًا حيث الفضاء الّلا نهائي أمامي.