تشهد سوريا اليوم تطورات سياسية وعسكرية كبيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد و إعلان المعارضة السورية سيطرتها على دمشق بعد معارك عنيفة و فرار الرئيس السابق بشار الأسد إلى روسيا مما يمثل تحولًا تاريخيًا في المشهد السياسي فى المنطقة ،، هذا التحول يفتح أبواب تساؤلات عديدة حول مستقبل سوريا بما في ذلك طبيعة النظام الجديد ودور القوى الإقليمية والدولية في المرحلة القادمة !
هناك أيضا ما يثير القلق بشأن التوترات الأمنية فقد سُجلت انفجارات قرب دمشق في منطقة يُعتقد أنها تضم منشآت بحثية ذات صلة بإنتاج أسلحة كيماوية مع استهداف إسرائيلي مستمر لمواقع عسكرية داخل سوريا بشكل كبير بحجة تقليم أظافر السوريين حتى لا يستخدم هذا السلاح ضد الكيان الاسرائيلى المحتل ،، كما قام النتن ياهو بإعلان انهيار و إلغاء ما يعرف باتفاقية فك الارتباط بين سوريا وإسرائيل و هو مصطلح يشير إلى اتفاقية هدنة تم توقيعها في 31 مايو 1974 بعد حرب أكتوبر 1973 برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة و الاتفاقية هدفت إلى وقف الأعمال العدائية بين الطرفين وساهمت في ترسيخ حالة من الهدوء النسبي على طول خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان لكنها لم تصل إلى اتفاقية سلام شامل و نصت بنود الاتفاقية الرئيسية على اولاً إنشاء منطقة عازلة بين القوات السورية والإسرائيلية تحت إشراف قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) و ثانياً انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1973 بينما احتفظت بالسيطرة على الجزء الأكبر من الجولان و ثالثا التزام بوقف إطلاق النار و تعهد الطرفان بوقف جميع العمليات العسكرية ،، و لكن الوضع ظل متوتراً حيث استمرت إسرائيل في تعزيز سيطرتها على الجولان بينما استمرت سوريا في المطالبة باستعادة المنطقة و على الرغم من مرور عقود على الاتفاق فإن السلام الكامل بين سوريا وإسرائيل ما زال بعيد المنال بسبب القضايا العالقة مثل الجولان ودور القوى الدولية والإقليمية في الصراع و بلا شك ان انتهازية الكيان المحتل لما يحدث فى سوريا الان و احتلال مزيدا من المناطق و إلغاء الاتفاقات المبرمة بحجة الدفاع عن النفس ما هى إلا أطماع توسعية حتى لو أعلنت إسرائيل ان هذا وضع مؤقت ! و كلنا نعلم ما هو الوضع المؤقت بمفهوم الكيان المحتل ،،
هناك العديد من التساؤلات ايضا عن مستقبل القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا تحت إدارة دونالد ترامب الجديدة و هل سيكون مرتبطًا بشكل كبير بسياسته التي تميل إلى تقليص التواجد العسكري الأمريكي في الخارج ؟ فلقد أعرب ترامب سابقًا عن رغبته في إنهاء ما سماه بالحروب الأبدية وشهدت فترته الأولى محاولات لخفض عدد القوات الأمريكية في سوريا مع التركيز على دعم الأكراد من بعيد ضد تنظيم داعش و لكن هذه القرارات واجهت انتقادات داخلية وخارجية و يتوقع البعض مع رجوع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى البيت الأبيض أن يسعى لتقليل التواجد العسكري أو الانسحاب الكامل من سوريا ما قد يترك فراغًا أمنيًا خطيرًا في شمال وشرق سوريا مما قد يؤدي إلى زيادة نفوذ إيران وروسيا كما قد يشعل التوترات بين تركيا والقوات الكردية المدعومة أمريكيًا ! و يمكن أن يركز ترامب على استراتيجيات بديلة مثل الضغط الاقتصادي أو التعاون مع شركاء إقليميين بدلاً من التواجد العسكري المباشر و لكنه قد يواجه صعوبات في إدارة التوازن بين دعم الحلفاء الأكراد والضغوط من تركيا التي تعارض وجود الأكراد على حدودها بالإضافة إلى ذلك فإن استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يُعتبر مهمًا من وجهة نظر بعض المسؤولين العسكريين والأمنيين لمنع عودة داعش وللحد من تأثير إيران في المنطقة ! لذا يتوقف مستقبل القواعد العسكرية على التوازن بين رغبة ترامب في تقليص التواجد العسكري ورؤية مستشاريه للأمن القومي الذين قد يعارضون الانسحاب السريع ،،
و لا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا بمعزل عن ارث بشار الأسد الذي يوصف من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والحكومات الغربية بأنه ديكتاتور نظرًا للسياسات القمعية التي انتهجها نظامه منذ توليه السلطة في عام 2000 واستمرار حكمه عبر ممارسات استبدادية أثارت انتقادات دولية واسعة خصوصا سياسة القمع العنيف للاحتجاجات منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 و رد النظام السوري على الاحتجاجات السلمية باستخدام القوة المفرطة ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية راح ضحيتها مئات الآلاف وتشريد الملايين كما وثّقت منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش جرائم مروعة تشمل التعذيب في السجون والاعتقالات التعسفية واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين كما قاد الأسد نظام حكم مركزي يسيطر فيه حزب البعث على كل جوانب الحياة السياسية مع إقصاء أي معارضة حقيقية أو منافسة ديمقراطية و اعتمد النظام بشكل كبير على الدعم العسكري والسياسي من روسيا وإيران لقمع المعارضة والبقاء في السلطة ما أدى إلى انتقادات حول فقدان السيادة الوطنية لصالح قوى أجنبية ،، و هو ما أدى بالطبع إلى انهيار النظام بعدما تخلت عنه هذه القوى ! و للتاريخ نستطيع القول بأن الأسد يمثّل نموذجًا للحكم الديكتاتوري الذي يعتمد على القوة العسكرية والأمنية المفرطة لإسكات المعارضة و انه ارتكب جرائم حرب ضد شعبه مما كان سببا فى تهجير نصف الشعب السوري في حين يبرر مؤيدوه سياساته بأنها تهدف إلى “محاربة الإرهاب” والحفاظ على الدولة السورية ! و للتاريخ ايضاً نقول ان مشاهد فتح السجون كانت من اغرب مشاهد سقوط النظام خصوصا مشاهد الاطفال و النساء و طوابق السجون الغير ادمية تحت الارض و التي لها بوابات سرية و قصص الظلم و القتل و التعذيب ربما تحتاج إلى سنوات عديدة لتوثيقها ،،
اما عن طريقة و كيفية انتصار المعارضة السورية المسلحة على النظام و انها قد تكون مدعومة تركياً او امريكياً فلا يهم ! ايضا لا يهم ان كان ما حدث تم بالاتفاق مع ايران و روسيا بالتخلي عن بشار نظير مكتسبات اخري ،، لا يهم كيف سقط النظام و كيف تبخر الجيش لكن الاهم هو ادارة البلاد بشكل افضل و إدماج الفصائل السورية المختلفة في حكم ديمقراطي لضمان الاستقرار والمصالحة الوطنية بعد سنوات من الصراع فالنظام الديمقراطي يتطلب مشاركة واسعة وشاملة لجميع الأطراف لضمان تمثيل عادل واحترام لتنوع المجتمع السوري ،، لا يهم التسميات ثورة او لا ثورة لا يهم من الداعم لكن الاهم هو استقرار سوريا و رجوع السوريين إلى بلادهم بعزة و كرامة و بناء دولة قوية مستقلة ،،