صدرٌ هائجٌ ...علي الشيمي - مصر
تصحُو من النّومِ الثقيلِ علَى صياحِ مُنبهٍ.. غسلَتْ زُمرُّدَهَا المُندّى.. وارتدتْ جلبابَهَا ... تتسارعُ النبضاتُ.. خافتْ أنْ يكونَ الوقتُ مَرّ...جَرتْ علَى درجاتِ سلمِ بيتها المأهولِ بالأفعى الشريدةِ.. بعدَما نسيتْ على شفةِ السَّريرِ هناكَ هذا " السوتيانَ" ... تتابعتْ خطواتُهَا.. يهتزّ نهداهَا بلا حمالةٍ للصدرِ تضبطُ وقعَ تصفيقِ الأيادي.. وقعَ صفعِ النّاهدينِ لصدرهَا.. ركبَتْ سريعًا دونَ إحراجٍ فكانَ جلوسُها قُدّامَ عينِي .. فتحةُ الجلبابِ من أعلَى كشَقٍ واسعٍ.. فرأيتُ سحرًا دونَ أنْ تدرِي.. سرَقتُ البنكَ .. ثارَ الذئبُ في صَدرِي .. يكادُ الكلبُ ينبحُ ...كلمَا جاءَ المطَبُّ .. يصيحُ نهداهَا بصوتِ راقِصٍ ..كي يسرقَ الأضواءَ مِنْ شمسِ الضّحَى...رمانتانِ شهيّتانِ جميلتانِ كبيرتَانِ رحيمتانِ حنونتانِ تُهيِّجانِ الشهوةَ الحمقاءَ بينَ مثانَةِ الحجرِ الهشيمِ.. دفعتُ أجرتَها فقد نسِيَتْ هناكَ علَى شِفَاهِ السوتيانِ نُقودَهَا...نزَلتْ إلى المترُو نزلتُ وراءهَا .. معهَا اشتراكٌ لا يزالُ بهِ رصيدٌ للذهابِ بلا إيابٍ.. عمّتْ الفوضَى على شُبّاكِ قطعِ تذاكرِ المترو....فَتاهَتْ في الزحَامِ ..مضيتُ وحدِي.. أشتهي!
يجمع علي الشيمي في قصته الشاعرة ( صدر هائج ) خيوطًا فنية عدة، ويؤلف بينها في صورة درامية بديعة؛ فكأنك تشاهد مشهدًا مصورًا يعج بالحركة والرشاقة، بطلة قصته الشاعرة ذات الصدر الهائج رمز للدنيا التي ما زالت تتفنن في إغواء البشر، يلاحقونها وكلهم اشتهاء لها؛ بيد أنها خادعة ماكرة تدنو وتدنو، وفجأة تختفي تاركة ضحيتها فريسة الأماني والأحلام. ومن آيات شاعرية صاحبنا ذلك العنوان المخادع خداع بطلة قصته؛ فقد يتبادر للذهن أنه يعني صدرًا ضائقًا بالفكر ؛ لكن بمجرد ولوج المتلقي إلى عالم القصة يصدم بتلك الحقيقة: إنه صدر تلك التي ( تصحو من النوم الثقيل) إنها المرأة رمز الفتنة الكبرى (بعدَما نسيتْ على شفةِ السَّريرِ هناكَ هذا " السوتيانَ" ... تتابعتْ خطواتُهَا.. يهتزّ نهداهَا بلا حمالةٍ للصدرِ تضبطُ وقعَ تصفيقِ الأيادي.. وقعَ صفعِ النّاهدينِ لصدرهَا ) صورة مفعمة بالنشوى التي تداعب صاحبنا البطل وهو رمز ذئب يسكن نفس الرجل، فليس غريبا أن يصفه شاعرنا (ثارَ الذئبُ في صَدرِي .. يكادُ الكلبُ ينبحُ ) يتبعها ويمضي خلفها بعدما هاجت (الشهوةَ الحمقاءَ بينَ مثانَةِ الحجرِ الهشيمِ ) لكن دنياه تاهت منه (عمّتْ الفوضَى على شُبّاكِ قطعِ تذاكرِ المترو....فَتاهَتْ في الزحَامِ ..مضيتُ وحدِي.. أشتهي!) هكذا الدنيا تترك من لهث خلفها وحيدًا يشتهي، دون تحديد للمفعول به؛ فهو يشتهي الكثير والكثير.
أفلح شاعرنا في توظيف رموزه التي عمقت من هدف قصته الشاعرة، من أبرز تلك الرموز ( الفتاة ) رمز للدنيا وخداعها، ( الزحام ) هو رمز لصراع الحياة، وكثرة مطالب البشر وأمنياتهم التي لا تنقضي، أما ( السوتيان) فهو رمز لكل ما يكبح جماع الشهوات، ويحدّ من تطلعاته في تلك الحياة.
انتصرت ... مصطفى عمار الششتاوي- مصر
بباب الحلم راحت تنشد قهرها المنسي في أعماق قصتها، تداعب بسمة للطفل، ترجو شهوة كأس، يداوي لدغة في زهر بلدتها الكئيبة... شقت الأحزان أوردة بوادي الصمت.. لاحت راحة الموتى.. ، توارت ساعة في الخوف، فانفجرت براكين الثعالب، تنهش اللحم المقدد في ليالينا.. هنا ضحكت ..!
يصدّر مصطفى عمار قصته الشاعر بشبه الجملة إمعانًا في التوكيد والتخصيص؛ حيث لم يتبقَّ إلا الحلم لتتعلق به، صارت بلدتها كئيبة، تلوح رائحة الموتى، تنفجر براكين الثعالب، تسيطر أشباح الموت في بلادنا تقتل أحلامنا، ينهش الموت لحومنا، وحين يعم البلاء لا صوت يعلو فوق صوت الخوف، إنه القهر في أسوأ صوره، وما أصعب شعور اليأس حين يسيطر على الإنسان!! حينها فقط يضحك ولا يملك إلا الضحك من تلك الدنيا الزائلة.