الكاتبة والشاعرة د. منى حلمى: محظوظة لأن أمى المبدعة المتمردة نوال السعداوى

الكاتبة والشاعرة د. منى حلمى: محظوظة لأن أمى المبدعة المتمردة نوال السعداوى
الكاتبة والشاعرة د. منى حلمى: محظوظة لأن أمى المبدعة المتمردة نوال السعداوى

حوار : رانيا حفنى

 

 

«عندما رفعوا قضية الحسبة بين شريف ونوال قال كلمته الشهيرة «لن نفترق»

بـ«قلم حواجب» كتبت أمى ما جعلها واحدة من أكثر النساء تأثيرا فى العالم

دفعنا ثمنا باهظا كأسرة تؤمن بحرية الفكر والإبداع

وصيه أمي: «ربما تريدين يوما تغيير لون شعرك ولكن إياكِ المساس بالقلم»

 

 

«منذ سقطت فى مأزق الوجود، وأنا لا أتذكر أننى فعلت شيئًا، إلا الكتابة .. حقيبتى ليست مثل حقائب النساء، تحوى مرآة وقلم الروج، بل أوراقى وقلم الأبجدية».

كلمات كتبتها د. منى حلمى الكاتبة والشاعرة وابنة الكاتبة والمفكرة الراحلة الكبيرة د. نوال السعداوى من زوجها الأول د. أحمد حلمى والتى تعرضت هى وأسرتها لكثير من الضغوط والتحديات..

فالأم معروفة بآرائها المثيرة للجدل ودفاعها عن المرأة وتعرضت للاعتقال، كذلك زوجها د. شريف حتاتة الطبيب والروائى الذى اعتقل 13 عاما، وتصفه بأنه الأب الذى عاشت معه ولم تحمل اسمه، وأيضا أخوها المخرج عاطف حتاتة لم يسلم من الاستبعاد والحصار. وافقت واستجابت لمحاولة الاقتراب من قلبها وعقلها. لذا كان هذا الحوار الشيق جدا.

كتبت فى إحدى مقالاتك «يكرهنا الناس أسوأ أنواع الكراهية التى ليس لها علاج لأننا فقط نقول الحقيقة» ..لم تكونى ابنة لامرأة عادية ..بل كنت ابنة للكاتبة والمفكرة الكبيرة د. نوال السعداوى المتمردة والمثيرة للجدل بآرائها وأفكارها..

 

كيف كانت حياتك مع المجتمع المحيط؟

كنت محظوظة أن تكون أمى هى نوال السعداوي. فهى تفكر وتحلم وتتصرف وفقا لما تؤمن به ولا يهمها أن ترضى أحدا أو أن تنال منصبا أو أن تترشح لجائزة. لم أعرف امرأة فى حياتى فى مثل استقامتها الأخلاقية ودمها الحر. ومنذ أن بدأت الكتابة بعد تخرجها فى كلية طب قصر العينى فى نهاية خمسينات القرن الماضى وهى تعمل بدأب ويزداد إصرارها على أن تقول وتكتب الحقيقة. وللأسف فى مجتمعاتنا لا أحد يحب أن يسمع صوت الحقيقة، ولذا، على مدى نصف قرن تعرضت أمى لمحاولات لإسكات صوتها بكل الوسائل من تشويه وتعتيم وإشاعات، بالإضافة إلى الفصل من الوظيفة ومصادرة كتبها.

ولكن أمى كانت بعد كل معركة تخرج أكثر ثقة وإصرارا على تكملة مشوارها. حتى فى السجن كتبت بقلم حواجب إحدى السجينات فى عنبر مجاور وعلى ورق التواليت واحدا من أجمل مؤلفاتها وهو «مذكراتى فى سجن النساء»، وبسبب هذا الكتاب دخلت قائمة المائة امرأة الأكثر تأثيرا فى العالم وظهرت على غلاف مجلة «التايم» الأمريكية عام 1981، وتكرر الأمر عام 2020، فكيف لا أكون محظوظة فى ظل هذا المناخ الفكرى والأدبى والإبداعى الكاسر للحدود.

 

 

 

أخوك عاطف حتاتة «لم يسلم أيضا من الاستبعاد بعد أن أخرج وكتب فيلمه الروائى الطويل «الأبواب المغلقة» عام 2001 رغم أنه حصل على جوائز عالمية متعددة

لا شك أننا كأسرة يشتغل أفرادها بالكتابة والفن والإبداع نؤمن بالحرية لم نكن على مزاج الأفكار السائدة ومنْ يمثلها.

لذا نفس الشيء تكرر مع أخى عاطف حتاتة، فقد جاء فيلم «الأبواب المغلقة» الذى كان من تأليفه وإخراجه عكس المطلوب والمرغوب من الناحية التجارية المربحة التى تساهم فى تغييب الناس. ولذا تم حصاره ليس فقط لأن الفيلم يصور أسلمة مصر على يد الأصولية الإسلامية والسياسية، ولكن لأنه ابن نوال وشريف اللذين يرفضان الانحناء والطاعة والوصاية تحت أى مسمي.

 

 

عشت مع د . شريف حتاتة، والد أخيك المخرج عاطف حتاتة ودائما تقولين عنه : «أبى الذى عشت معه ولم أحمل اسمه»، كيف تصفين حياتك بين اثنين من المفكرين والكتاب فى بيت واحد؟

لقد دفعت أمى نوال ثمنا باهظا لتكون حرة ذات كرامة وأبى الذى عشت معه ولم أحمل اسمه د. شريف حتاته كذلك، لذا تم اعتقاله على مدار 13 سنة، فقد كان من أعضاء «حدتو»، أو الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى والتنظيم الشيوعى المصري. وعندما خرج من السجن صمت الكثير من زملائه عن نضالهم، ولكنه لم يكن واحدا منهم. وبالتالى كان لابد من أن يعاقب بالاضطهاد والتجاهل. واتضح هذا أكثر عندما بدأ يكتب وتوالت مؤلفاته الروائية بالضبط كما حدث مع أمي.

 

 

كتبت فى مقال لك: «منذ اللقاء الأول بينهما شئ غامض همس لهما بأن مصيرهما يبدأ فى عينى نوال وينتهى فى قلب شريف» .. كيف لقصة الحب تلك أن تنتهى بالانفصال؟

أجمل قصص الحب هى التى تنتهى وليست التى تبقي. لم تكن نوال أمى تستطيع أن تعيش مع أى رجل آخر، إلا شرف (هكذا كنا نناديه) وهو أيضا لم يكن ليحقق إنجازاته المهنية والأدبية إلا مع نوال.

شرف كان من أم إنجليزية وأب مصري، فتكونت بداخله «خلطة تحوى أجمل صفات الانجليز وأجمل صفات المصريين بالإضافة إلى تركيبته الشخصية وتجاربه الخاصة التى جعلت منه إنسانا نبيل الخلق، فأصبح عضوا فى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى . وقد تلاقى شريف ونوال على رفض الانحناء لأى سلطة وحب الابداع، والعمل من أجل العدالة والحرية . وبما ان الحب الكبير يعرف من ثماره، فقد أنتج حبهما أسرة قوية متماسكة، وعشرات الكتب والروايات. كما قاما بالتدريس معا فى جامعات الولايات المتحدة، والقيا محاضرات لا تحصى فى جميع انحاء العالم عن ضرورة تحرير النساء وفضح التجارة بالأديان.

مثل هذا الحب يسمو فوق كل شيء وقد جاء الزمن ليؤكد هذا الارتباط الوثيق على مدخل بيت الأسرة فى الجيزة، حيث وضعت يافطة «عاش هنا» لنوال واخرى لشريف بجانب بعضهما البعض فى إطار مشروع تكريم الرواد.

 

 

 

كيف تصفين مرحله السجن فى حياة كل من د. نوال السعداوى ود. شريف حتاته؟

 

«شرف» تعلم من أمه الإنجليزية «دوريس» الدقة والنظام والدأب، فكان طوال فترة السجن يعالج المرضى ويصحو مبكرا لعمل رياضة يومية، وكان على سبيل تقوية عزيمته يذكر نفسه يوميا بالأحلام التى يريد تحقيقها بعد خروجه من المعتقل. ولقد عبر عن كل هذا بالتفصيل فى سيرته الذاتية والتى كانت من ثلاثه أجزاء «النوافذ المفتوحة».

نوال أيضا كانت تزرع فى السجن وتمارس الرياضة وقامت بكتابة «مذكراتى فى سجن النساء»، فقد كانت تقول لى دائما «أنا دائما أرى النصف المضئ من القمر».

مرحلة السجن فى حياة كل من شريف ونوال صقلت تجربتهما الانسانية، وأضافت إليهما معرفة جديدة انعكست فى التأليف الإبداعى وأكدت ضرورة التضامن مع الآخرين. ولهذا خرجت نوال من السجن لتؤسس جمعية تضامن المرأة العربية.

 

 

تعرضت د.نوال بسبب كتاباتها لبلاغات متتالية ضدها بحجة إنكار المقدسات والثوابت الدينية، كيف كانت د. نوال الزوجة تواجه الأمر.. وكيف كان موقف الزوج الذى كان خير سند لها حين تم رفع قضية الحسبة والتكفير والتفريق بينهما؟

نوال الإنسانة والمفكرة والأديبة والزوجة والأم هى واحدة ككتلة متناغمة من وضوح الرؤية وعدم الاستسلام أو التراجع عما تؤمن به. نوال الزوجة كانت نقطة ارتكاز الأسرة وكانت تمنحنى أنا وشقيقى عاطف نموذجا للأمومة التى لا تنكر ذاتها من أجل زوجها وأولادها، بل كانت نموذجا للأم التى قامت بتربيتنا على تحمل المسئولية وعدم إهدار الوقت وحب الفن والحرية وعدم الاهتمام بكلام وأحكام الناس. وشريف كان دائما إلى جانبها يدعمها فى جميع المواقف خاصة خلال فترة السجن . وعندما رفعوا قضية الحسبة والتكفير والتفريق بينهما قال كلمته الشهيرة للصحافه والإعلام : «لن نفترق».

 

 

فى عام 2006 أثرت جدلاً فى الإعلام المصرى حين طالبت بأن يكتب اسم الأم فى الأوراق الثبوتية للشخص بين اسمه واسم أبيه، ما أثار ردود أفعال متبانية بل وتقومين بالفعل بالتوقيع على مقالاتك باسم منى نوال حلمى

بسبب هذا المقال، رفعت ضدى قضية إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، من أحد المتاجرين بالدين والمزايدة عليه. وقد طلبتنى النيابة للتحقيق فى يناير 2007 وتطوع للدفاع عنى المحامى الراحل حمدى الأسيوطى وحضرت أمى معى حينها . وقلت وقتها إن الدافع مما أطالب به هو حبى لأمى وفخرى بها وحبى للعدالة بين اسم أبى واسم أمي. وبالتالى كان البلاغ كيديا، لأننى لم أفكر أبدا فى إزاحة أو إلغاء اسم الأب.

ولقد اوضح الراحل جمال البنا ردا على مقالى أن هناك شخصيات اسلامية معروفة بنسبها الأمومي، أشهرها «ابن تيمية»، حيث كانت «تيمية» جدته لأبيه واعظة مشهورة، فسُميت العائلة باسمها. وفى أكتوبر 2007 كسبت القضية وتم حفظ التحقيق. ولذا قمت فى الذكرى الأولى لرحيل أمى نوال التى توافق 21 مارس 2022، بتغيير اسمى الأدبي، ليصبح «منى نوال حلمي».

 

 

 

قمت بإعداد وتحرير كتاب «نوال السعداوي...التمرد المبدع» اجتمع فيه 19 شخصية فى مجالات الأدب والفكر...هل ننتظر جزءا ثانيا منه؟ ولماذا تم اختيار هذا الاسم للكتاب؟

وصلتنى بالفعل مشاركات من نساء ورجال من مجالات مختلفة من مصر وبلاد أخرى ولكننى كنت حددت حجم الكتاب بحيث لا يكون ضخما جدا . ومن هنا جاءتنى فكرة إعداد جزء ثان، وقد اخترت عنوان «نوال السعداوي...التمرد المبدع» لأن أمى كانت تدرس فى بعض الجامعات الأمريكية المستقلة المتقدمة، مادة «التمرد والابداع». وهى التى اخترعت هذا الاسم، وأعدت مناهجه ومقرراته وأسلوب تدريسه. وعنوان «التمرد المبدع» يلخص حياة أمى ويصف شخصيتها وأفكارها.

وأنا أنوى مواصلة الاحتفاء بأمى نوال كل عام بموضوع جديد. والآن يشغلنى تحويل احدى رواياتها الأدبية الى فيلم سينمائى . وسوف أختار واحدة من هذه الروايات : امرأتان فى امرأة، الغائب، مذكرات طبيبة، الحب فى زمن النفط، امرأة عند نقطة الصفر . كما أننى أرتب الى انشاء «جائزة نوال السعداوى للرواية».

 

 

اختتم حوارى معك بسؤال.. وصيه والدتك كانت «ربما تريدين يوما أن تغيرى لون شعرك الأبيض... ولكن إياكِ..... إياكِ يوما أن تغيرى لون القلم» ...هل ستلتزمين بتلك الوصيه؟

لا أستطيع أن أحيد عن الطريق، اخترته منذ البداية.