تنعكس اللغة في كلّ تصرفاتنا ، وحواراتنا ، وفي كلّ اللقاءات التي نتمتع بها ، إن كان في المنزل أو المكتب أو في الشارع ، أو في وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها وأجناسها .
و بمقدار احترامنا لهذه اللغة تكون فاعلين للسمو بأنفسنا و بمكانتنا ، وبغير ذلك نكون بمثابة من يستهزىء بنفسه وبلغته أمام نفسه وأمام الآخرين ، ويُعبّر عن ضحالته و حالته المتردّية و لكي نصل إلى حالةِ الإبداع في اللغة علينا أن نمزج اللغة مع التفكير الذهني النشط ، ليتكوّن لدينا نسيج لغةٍ غنيّة و واسعة .
ومع انتشار مواقع الأدباء المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي ، تمّ فسح المجال أمام الجميع كي يطفو كلّ فردٍ كيفما يشاء ويروم ، وأن يتواصل مع الآخرين في أي زمانٍ ومكان ، متغاضياً عن أمرٍ مهم يتلخّص في أن هذا التواصل يحتاج في المقام الأول إلى اللغة .
و لعلّ إنتشار هذه المواقع ساهم بشكلٍ كبير في كشف عورات الآخرين اللغوية ، وطفت على السطح الفجوة العريضة والواضحة بين مكوّنات المجتمع في التعبير اللغوي والإملائي والنحوي والكتابي ، وتدنّى مستوى التعبير و توضّحت ضآلته .
وبذلك تشكّلت في مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة واضحة المعالم من التلوّث اللغوي ، حيث اتّسمت بعض النصوص بلغةٍ غير واضحةٍ ، ولا تحكمها قواعد لغوية ، أو نحوية أو صرفية و إملائية . والأمثلة بين أيدينا كثيرةٌ جداً .
و كثيرون لا يفقهون أو لا ينتبهون أو يتجاهلون الكلمات المنقوصة ، أو الأفعال المعتلّة ، أو التنوين ، أو الشدّة ، أو جمع المذكر السالم ، أو الأفعال الخمسة ، أو الأسماء الستة ، أو الفعل المعتلّ . أيضاً هناك نماذج كثيرة حول هذه الأخطاء بين أيدينا .
كما إنتشرت في هذه المواقع الأدبية منها و في وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ عام ، عمليات السطو الأدبي ، وتم فضح الأسماء التي تُمارس هكذا سطو ، بل تمّ إنشاء مواقع متخصصة بفضح الذين يُمارسون السطو الأدبي و بالأسماء .
ولأن هذه المواقع انتشرت فيها الأخطاء اللغوية ، لذا أسهمت بشكلٍ عفوي من خلال تكرار هذه الأخطاء إلى ترسيخها لدى الكثيرين الذين يستخدمون هذه المواقع ، ممّا أدّى إلى إنتشار كتابات مشوّهة في حالاتٍ كثيرة ، ومع الأسف هذه الكتابات المشوّهة تُقابل من أُدباء آخرين بنفس الموقع بتعليقات :
" رائع ، قمة الإبداع ، الله... روعة ، بوحٌ رائع ، يسلم اليراع ، قلمكم نقش حرير المعاني " . و ما إلى ذلك من عباراتٍ لا نستطيع أن نقول عنها إلاّ أنها نموذج واضح للدجل وللنفاق الثقافي والأدبي والاجتماعي ، وخذلان لنقاء اللغة ، ومساهمة واضحة في نشر التلوّث اللغوي وتوسيع مساحته .
كلّ هذه الأمور تختصر تاريخ طويل من الهزيمة الفعلية المُعاشة في المنطقة العربية بسبب ذاتي ، وبسببٍ آخر يتمثّل بالغزو الثقافي المشبوه والشرير .
كما أن هناك كثير من الشباب الذين يتواصلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي يستخدمون لغة ممزوجة بين العربية والاجنبية والأرقام يسمونها " فرانكو " ، وإذا استخدموا اللغة العربية بمفردها لا يستطيعون بسبب الجهل باللغة العربية وبسبب الأخطاء الجسيمة التي يقعون بها . تُرى هل هذا بسبب التخبّط التربوي المعمول به في الإقليم ، وترسيخ الإزدواجية اللغوية ؟.
بكل تأكيد إن مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى ليست مسؤولة عن هذا التردي ، ولكن هذه المواقع بمجملها تعكس بشكلٍ واضحٍ ودقيق مدى التخلّف والجهل من خلال اللغة المستخدمة في هكذا مواقع .
وبنفس الوقت هناك مواقع تحترم نفسها ، ولا تسمح بنشر أي مادة إذا لم تك سليمة لغوياً ونحوياً ، لذا نرى أن عدد المواد المرفوضة عندها هي كثيرة .
وكلٌ منّا يُلا حظ في هذه الأيام أن معظم المدرسين لا يجيدون اللغة العربية ، حتّى ولا يجيدون نطق الأحرف ، ولا يهتمون بإخلاص في تدريس اللغة العربية لأجيال هذه الأمّة .
و إذا أحببنا أن نُعالج هذا الواقع ، لا بُدّ من إعادة الإعتبار بشكلٍ جدّي للّغة العربية في كافة مراحل الدراسة بدءً من المرحلة الإبتدائية وصولاً إلى المرحلة الجامعية ، وبهذه الحالة يتخرّج الطالب وهو مُلمّ بشكلٍ كامل بلغته الأم ، حتّى ولو درس بعض العلوم باللغة الأجنبية ، سيبقى ملمّاً ومتفوقاً في لغته لأن ذخيرته اللغوية فيها واسعة ويستوعبها بشكلٍ كامل .
أمّا الكتّاب الذين يطمحون نحو الإبداع ، عليهم أن يدمجوا إسلوب قلمهم مع البلاغة ، أي مع النحو والصرف ، و بإسلوب أعلى لغوياً ، حينها سنحصل على لغة واضحة وسليمة وبليغة ، وتلج بسلاسة قلب المتلقي ، الذي سيدرك تلقائياً قدرة الكاتب على تكوين كلام بليغ ، وقدرته على اختيار الحرف المناسب .
نحن ندرك ونؤمن بدون أي شك ، بأن لغتنا العربية عريقة وباقية ، لكن مع الأسف إن سياسات مؤسساتنا الاعلامية والتربوية والثقافية قاصرة بكل معنى الكلمة لحماية لغتنا السامية على الدوام .