الله يسعد أوقاتكم قبيل فصل شتاء الخير، بدفء القلب وخفقان الرّوح وانهمار الذكريات....
يلومني البعض مُمازحاً لأنّني أحبّ الشّتاء أكثر من الصّيف ويتّهمني بالسّذاجة والرومانسيّة، وهي تهمة أعشق سجنها وأتحمّل عقوبتها لأنّها بنكهة أغلال الوفاء وطعم زنزانات الصّدق...
وأعترف وأنا مكبّل بسلاسل الحنين وحبال الذكرى بأنّ البرد عدوّ حاقد يلسع ويلدغ ولا يُحَبّ بل يُكرَه ويُحَارب ولابُدّ من مجابهته وعدم الخوف من أنيابه المُكشّرة...
لكنّ الشّتاء بسلاح فصله يخطف عاطفتي ويأسرني مُقيداً بأصفاد الحنين، و يذكّرني سيفه الماضي بزمان جميل جميل.....
يذكّرني بلمّةالعائلة ، بالأحاديث المُسلّية الراقية، بالبَرَكة، ،بدفء حنان أمّي اللطيفة المؤمنة بالقدر والمحبّة، وأمان صوت أبي الطيّب الكريم التقيّ، رحم الله روحيهما ....
ويذكّر قلبي الساهر بلون الفرح و يُسكِره بنشوة تسلية إخوتي الثلاثة وأخواتي الخمس.....
وبطعم مشاغباتنا البريئة واجتماعنا -نحن الأحدَ عشرَ- شخصاً على طبق المحبّة والأحلام والسّتر والبساطة والأمل والقناعة والرّضا.....
سعداء جميعنا في غرفة صغيرة كبيرة، تُقبّل وجناتها الرّياح ،و تداعب سقفها وجدرانها أصابع المطر وهو يغنّي طرباً لمسامعها....
ونحن جميعاً حول مدفأة المازوت العتيقة المتواضعة المخلصة الضاحكة، بلا همّ ولاغمّ ولا خوف ولا تصنّع ولاتكلّف.....
تلك المدفأة الضعيفة القويّة التي كان لهيب جوفها يحرق بألسنته العادلة قباحة التكبّر والحزن والقلق والملل والكراهية والنّفاق والشّطارة كما كان يحرق عقارب ساعات البرد ولسعاتها...
لكم تحايا محبّتي واحترامي أيّها القارئون تأمّلاً مابين السّطور بعيون قلوبكم قبل عيون عقولكم.