(الغياب عن معركة الوطن خيانة).. أما المشاركة في معارك الوطن فقد تكون برأي أو كلمة أو بطولة فيلم سينمائي أو كتابة سيناريو أو قصة قصيرة أو تلحين أغنية، قد تكون كتاباً أو مشاركة في اعتصام المثقفين مثلاً أثناء احتلال الإخوان لمصر، أو مساهمة في تجديد الخطاب الديني.. كلها مواقف تجعل منك «عدواً للإخوان»، وبالتالي تكون هدفاً للجان الإلكترونية وعمليات «اغتيال الشخصية»: إنه اختيارك الذى لا بد أن تُسدد فاتورته راضياً.
لقد أصبح العالم الافتراضي كابوساً حقيقياً، تغيب فيه الحقيقة، ويختلط فيه الوهم بالواقع، وتختلط الأوراق، وتشتبك وجوه للأسف تنتمي إلى نفس الفصيل السياسي.. هوجة من نوع جذاب وشيق ومتنوع، خليط من المصريين والأجانب، والأخبار المفبركة تطرد الأخبار الصحيحة.. والمواطن تائه لا يعرف يصدق من ويكذب من!
تيار الإسلام السياسى يحترف تكفير المفكرين، وبعض الأصوليين يستخدمونه للهجوم على الفن والفنانين، والسلفية الجهادية التكفيرية ومعها التنظيمات الإرهابية تتّخذه منصة لنشر أفكارها ولو بحسابات مزيفة، كما رأينا على «تويتر»، خصوصاً من الكتائب الإلكترونية للإخوان!
وأنت لا تعرف كيف تميّز اللجان الإلكترونية من الأشخاص الحقيقيين، وهذا طبيعى بالنسبة للمواطن العادى، ولكن أن تكون محسوباً على النخبة، ولا تميز العدو من الصديق فهذه كارثة! فالبعض منا يتصور أنه «ضحية أو مضطهد» والحقيقة أنه «موجع» ومواقفه تضرب رصاصها فى قلب العدو مباشرة.
وأحسب أن اللجان الإلكترونية ومنابر الإخوان (م.ن - م.م.ب.ص.. وغيرهما) قد أنشئت خصيصاً لمحاولة النيل من رأس الدولة المصرية والتشكيك فى ما حققته من إنجازات ملموسة على أرض الواقع، ثم انتقلت إلى الوزراء وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ، والطعن فى قوة الاقتصاد الوطنى، حتى التشهير بالإعلاميين والكتاب والفنانين والتربص بأى تصريح لشخصية عامة وتحريفه، ثم نسبه لنظام 30 يونيو(!!).. وهذا هو اغتيال الشخصية أو ما يُسمى بالإنجليزية، Character Assassination وهو مصطلح يُستعمل فى علوم الإدارة والسياسة والقانون والإعلام. ويعنى فى ما يعنيه الإضرار بالسمعة الطيّبة للفرد أو الجماعة بالافتراء والتشهير والتشويه. هو قتلٌ معنوىٌّ فيه زهقٌ للروح من دون المساس بجسم المجنى عليه، بانتزاع المصداقية وتشويه الصورة، وإجمالاً سمعة شخص أو مؤسسة أو منظمة أو مجموعة اجتماعية أو أمة، بهدف تحقيق خسائر للشخص أو الجهة المقصودة (مثال إن لم يكن الجنيه المصرى بخير والاقتصاد بعافية وفى صعود تطفش الاستثمارات الأجنبية).
لهذا سوف تجد قناة السويس مستهدفة بالشائعات، وكذلك السياحة والأمن والاستقرار.. الغريب أن هذه الكتائب أخذت تتبلور فى عدة مجموعات: الإخوان يستهدفون مصر بالأساس بإنجازاتها وشعبها ونخبتها السياسية والإعلامية.. تيار الإسلام السياسى والسلفيين يستهدف المجددين والإصلاحيين وينشر الفتاوى المتشدّدة والتكفيرية وكأنهم يعدون فريقاً من الشباب يجمعونه من السوشيال ميديا للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، وهؤلاء ينصب اهتمامهم على إهدار دم المسيحيين والنيل من المفكرين والمبدعين (الدكتور خالد منتصر على رأس القائمة)، حتى المتوفين منهم يلاحقونهم باللعنات (سيد القمنى، نوال السعداوى، وآخرهم عاطف بشاى).. ولأن تحريم الفن أحد أهداف الإسلام السياسى لاغتيال قوتنا الناعمة معنوياً يأتى الفنانون والفنانات على رأس القائمة (أبرزهم إلهام شاهين، ربما لأنها سجنت أحدهم من قبل).
نحن فى حرب حقيقية.. لدرجة أصبحنا معها أمام حالة هستيريا جماعية، لا ينتبه فيها المواطن إلى أن الوطن مستهدف، وأن البعض يقومون بغزو عقله وإجراء عملية غسيل أدمغة وحشوها بما يريدون.. لقد عرف أولادنا الصغار تركيب القنابل اليدوية من الإنترنت، والعالم كله شهد بأن تنظيم داعش الإرهابى يستقطب الشباب ويجنّدهم من السوشيال ميديا.. لكننا لم نتّعظ!
ولا تزال عمليات التصفية المعنوية مستمرة، (أنا شخصياً تعرّضت لمثل هذه المحاولات، ربما أكون خسرت، لكننى لم أخسر نفسى).. لكن بكل أسف لا يزال اغتيال الأوطان بالأكاذيب والشائعات مستمراً.. كأنها لعنة جماعية أو حلقة زار فيها كل أطياف الأشباح التى تتراقص حولك، وهى تتمتم بطلاسم الفن والدين والسياسة.. والبيزنس فى قرية صغيرة تقع فيها البورصات العالمية بشائعة واحدة.. لكن مصر أقوى ونخبتها سوف تظل سيفها البتار للأعداء.