زهرة اللوتس فى الحضارة المصرية القديمة
تأمل المصريون القدماء زهرة اللوتس فوجدوا أنها تبقى مغمورة فى الليل لتظهر كل صباح مثل الشمس تمامًا وكان هذا هو السبب فى أنهم ربطوا بين زهرة اللوتس وإله الشمس رع، فوجدوا فيها رمزا يحكى قصة الخلق، والتى تقوم فى جوهرها على انبثاق النور من الظلمة وخروج النظام من الفوضى وخروج الجمال الإلهى على شكل زهرة اللوتس من الوحل.
وترمـز زهرة اللوتس إلى عناصر الخلق الأربعة، فجذورها فى الطين وسيقانها فى الماء وأوراقها فى الهواء وتمتص زهرتها عنصر النور من الشمس كل صباح أى أنه عند شروق شمس كل يوم جديد تخرج زهـرة اللوتس من تحت سطح ميـاه المستنقعات وتتفتح أوراقها لتستقبل نور الشمس وتمتصه بداخلها، ومع غروب الشمس تعود فتغلق الزهرة أوراقها وتغطس تحت سطح الماء لتنتظر شروق الشمس من جديد فى صباح اليوم التالى، ويبدو الأمر كله كما لو أن هناك علاقة خفية تربط بين زهرة اللوتس وبين النور، كأنها تأبى أن تحيا إلا فى النور.
وكانت زهرة اللوتس شعار مملكة الجنوب في مصر القديمة، وأطلق عليها المصرى القديم اسم "زهرة السوشن"، واُشتُق اسم "اللوتس" من الكلمة اليونانية "لوتاز" وتعنى الجمال، وتحمل"اللوتس" أزهاراً كبيرة ترتفع حتى 45 سم ولها ألوان مميزة،منها ذات اللون الأبيض فى مصر، وهى الأصل الذى أشتقت منه الأسماء "سوزان وسوسن"حديثاً، وأطلق على كل لون زهرة اسما خاصا بها، فالبيضاء "سشن" والزرقاء "سربد"، والوردية "نخب".
وزهرة اللوتس من أهم الرموز الدينية والدنيوية وأكثرها شيوعًا في مصر القديمة، وأكثرها دلالة على الجمال والحياة والبعث، واعتبر المصرى القديم زهرة اللوتس البيضاء رمزاً للطهارة والنقاء.
أما اللوتس الأزرق يعرف باسم "البشنين الأزرق" فهو يقضى على النحل ويقتله، ويسمى قاتل النحل ويعرف باسم "ساربات"،والتى أشتقت منه كلمة "شربات" المصرية، تتفتح زهرة اللوتس الأزرق فجراً وتنغلق مساءاً، وهى بذلك تشبه الشمس.
واللوتس البنفسجى "البشفين" هى زهرة نجمية الشكل يصل قطرها عند تفتحها التام بين خمسة عشر إلى عشرين سنتيمتراً، ولها أربع أوراق كأسية خضراء من سطحها الخارجى وداخلها أبيض مزرق، واللون الأزرق المائل إلى الأرجوانى والبنفسجى وقلب الزهرة أصفر ذهبى ينبعث منه عدد كبير من الأوراق الزهرية، وتسمى "سارات" وتعرف باسم "البشنين العربى" أو آكل النمل، لأنه يقتل النمل الذى يقترب منه.
أما اللوتس الأحمر كان المصريون يسمونه "نخب" وعرفه العرب باسم "الباقلى القبطى"، وهو من أصل هندى وزهرته حمراء اللون، وقد قدم إلى مصر فى حدود 500 قبل الميلاد من الهند.
وتحتوى اللوتس على العديد من الفوائد الطبية، والتى لا تقتصرعلى الزهرة وحدها بل تشمل باقى أجزاء النبتة من جذور وبذور، كما استخدمها المصرى القديم فى العلاج باستخراج زيوت أزهارها لتنشيط مراكزالطاقة فى جسم الإنسان لمساعدة الجسم على علاج نفسه بنفسه ويعتبر زيت زهرة اللوتس الزرقاء من أقوى أنواع الزيوت التى تستخدم فى ذلك النوع من العلاج، فضلًا عن أنها تعمل على تحسين مناعة الجسم، حيث يتم نقع الأزهار فى وضع مقلوب الشكل فى مادة دهنية للحصول على العطر.
وترتبط زهرة اللوتس بفكر فلسفى عميق،ومن أبرز الأمثلة خروج رأس توت عنخ آمون المنبثقة من زهرة اللوتس، حيث يخرج رأس الملك وهو صبى جميل الملامح من الزهرة وهى مفتحة البتلات، وتمثل القاعدة المطلية باللون الأزرق المياه التى تنمو عليها الزهرة، بالإضافة إلى "أولاد حورس الأربعة" الذين ولدوا من زهرة لوتس فى مياه الأبدية.
وكان الفنان المصرى القديم منذ الدولة الحديثة، يمثل طفلا جالسا على زهرة اللوتس، ويرمز بذلك إلى المولد معبود الشمس، فطبقا لمعتقداته فإن معبود الشمس كان فى البدء فى زهرة لوتس خرجت من البحر العظيم "نون" عند نشأة العالم.
وزهرة اللوتس من أهم الوحدات في فن العمارة والنحت والزخرفة المصرية القديمة، وشاع أستخدامها فى أعمال الفنانين، حيث تأثر الفنان المصرى القديم برقة وجمال أزهار اللوتس فأستمد منها أشكالًا بسيطة كالخطوط والدوائر،جسدها فى تصميماته الجدارية وفى تيجان أعمدة المعابد على شكل زهرة اللوتس وزخارف الأعمدة كعنصر جمالى فى العمارة، كما استلهم شكل زهرة اللوتس فى تصميم الأكسسورات وأدوات التجميل، وفى أشكال الأوانى والحلى والمرايا والمكاحل المستمدة من اللوتس.