محيي الدين إبراهيم يكتب :أنور وجدي (1904 - 1955) أمير الحب والانتقام

محيي الدين إبراهيم يكتب :أنور وجدي (1904 - 1955) أمير الحب والانتقام
محيي الدين إبراهيم يكتب :أنور وجدي (1904 - 1955) أمير الحب والانتقام

 

 

النشأة والبداية:

أنور وجدي من مواليد حي الظاهر بالقاهرة في أكتوبر عام 1904، والده هو محمد يحي الفتال، وأمه هي السيدة مهيبة الركابي، ألحقه والده بمدرسة القديس يوسف الخرنفش ( الفرير ) التي استمر بها حتى بلغ من العمر 13 عاماً وتقريباً في عام 1917م حين بدأ يشارك زملاؤه في المدرسة مشاهدة الأعمال المسرحية لنجيب الريحاني وعلى الكسار وغيرهم في مسارح شارع عماد الدين وروض الفرج حتى أفتتن بالمسرح وخاصة بالريحاني وأسلوبه في عرض رواياته المسرحية حتى صار مدمناً لمشاهدة عروضه المسرحية لدرجة غيابه المتكرر عن المنزل وعن المدرسة وهو الأمر الذي دفع المدرسة لطرده منها لاستنفاذه مدة الغياب بدون إذن، وحين علم الوالد بطرده من المدرسة، غضب غضباً شديداً وتصاعد الغضب إلى طرده نهائياً من المنزل، وصار ( أنور وجدي ) بين عشية وضحاها من أطفال الشوارع، بلا مأوى أو عائد مادي، لا يملك سوى حلم دفعه للطرد من المدرسة والمنزل ولكنه رغم ذلك يؤمن أنه حلم ليس صعب المنال، رغم حياة الشارع الذي اصبح منزله الآن ويئن تحت وطأة كابوس الحرب العالمية الأولى، فعاش فيه أنور وجدي حياة التشرد والجوع والحرمان ساقه القدر في التعرف على قاسم وجدي المسؤول على الممثلين الكومبارس في مسارح شارع عماد الدين، والذي أشفق عليه من حياة التشرد والنوم تحت الكباري واصطحبه ليعمل معه في مسارح شارع عماد الدين كفراش وحارس ليلي يبيت في المسرح بدلا من الرصيف بقرشين صاغ في اليوم، وعمل أنور وجدي في المسرح كل الأعمال من فراش الي نجار الي كهربائي حتى ارتفع أجره الي خمس قروش في الليلة، وتعرف أنور خلال عمله هذا بكل الفرق وغالب الممثلين، وهو أمر دفعه لأن يطرح فكرة تحقيق حلمه في أن يمثل ولكن كان كلما حاول طرح حلم عمره أمام أي مدير فرقة كان يقابل دوماً بالرفض وبالسخرية ، مما دفعه هذا الرفض في أن يهاجر إلى مدينة هوليود الأمريكية عسى أن يحالفه الحط في تحقيق الحلم، .. لكن ..  كانت كل محاولاته للهجرة تبوء بالفشل، وظل ينتقل من مسرح إلى مسرح ومن فراش إلى نجار إلى كهربائي، حتى ظهر يوسف وهبي الذي هبط على شارع عماد الدين من إيطاليا وافتتح مسرح رمسيس الذي كان يضاهي مسارح أوروبا في إمكاناته من ناحية المظهر والجوهر.

 

 

من فراش وساعي بمسارح الدرجة الثالثة إلى سكرتير يوسف وهبي شخصياً

بعد تزكية قوية من قاسم وجدي وافق يوسف وهبي على أن يعمل معه أنور وجدي في وظيفة مهمتها تسليم "الأوردرات" للممثلين، وكان يتقاضى عن عمله هذا أجراً قدره ٣ جنيهات في الشهر.

وقبل أنور وجدي الوظيفة بسعادة بالغة إذ أن وجودة  في فرقة صاحبها ومديرها يوسف وهبي الذي ينظر له المجتمع كابن باشا درس المسرح في إيطاليا وفرنسا وقرر النهوض به في مصر بمثابة إنتظار الفرصة، وبالفعل وافق وهبي على منحه دوراً صغيراً في مسرحية "يوليوس قيصر"، وقدم دور ضابط روماني ولم ينطق بكلمة واحدة لأنه دور صامت، ووصل راتبه لـ ٤ جنيهات، مكنه من الحصول على غرفه مشتركة ليسكن فيها مع رفيق البدايات عبد السلام النابلسي، ليصبح أنور وجدي فى وقت قصير من أهم اعضاء فرقة "رمسيس" وبدأ تمثيل أدوار رئيسية واشتهر في دور عباس في مسرحية "الدفاع" مع يوسف وهبي 1931 أمام يوسف وهبي، وهو الدور الذي رشحه لأدوار البطولة في الفرقة القومية ( فرقة جورج أبيض ) حين تكون فرقة رمسيس خارج البلاد وحيث أشتهر فيها وكتبت عنه الصحف والمجلات الفنية حينذاك خاصة بعد تقديم دور البطولة في دور وأصبح يقوم بأعمال البطولة، واشتهر بدوره في مسرحية "البندقية".

 

 

الطريق إلى السينما والمجد:

وحدث ذات يوم أن قرر يوسف وهبي الاستعانة ببعض تلاميذه لأداء بعض الأدوار الصغيرة في أفلامه الأولى، وكان أنور واحداً منهم، وأسند له بعض الأدوار الثانوية في أفلام مثل أولاد الذوات (1932) والدفاع (1935)، واتجه أنور إلى السينما وقرر ترك المسرح نهائياً، فرشحه المنتج والمخرج أحمد سالم ليشارك في فيلم أجنحة الصحراء (1938) الذي أخرجه أحمد سالم وقامت ببطولته راقية إبراهيم أمام حسين صدقي، ويثبت وتتوالى أفلامه فيقدم في عام (1939) أربعة أفلام دفعة واحدة، خلف الحبايب مع المخرج فؤاد الجزايرلي، والدكتور مع المخرج نيازي مصطفى، وبياعة التفاح مع المخرج حسين فوزي، أما فيلمه الرابع فكان واحداً من أهم أفلام السينما المصرية وواحداً من كلاسيكياتها الشهيرة وهو فيلم العزيمة الذي أخرجه المخرج الكبير كمال سليم وقامت ببطولته فاطمة رشدي أمام حسين صدقي.

مع بداية حقبة الأربعينيات أصبح أنور وجدي نمطاً سينمائياً مطلوباً بشدة في تلك الفترة، حيث استغل منتجي السينما ومخرجيها ملامحه الناعمة ووسامته في تقديم أدوار "ابن الباشوات" الثري المستهتر الذي يكون رمزاً للشر، فشارك فيما يزيد عن 20 فيلماً من هذه النوعية في السنوات الخمس الأولى من الأربعينيات، ومن أشهر وأهم هذه الأفلام: شهداء الغرام (1944) مع المخرج كمال سليم، انتصار الشباب (1941) مع المخرج أحمد بدرخان، ليلى بنت الريف (1941) من إخراج توجو مزراحي، وفي عام (1944) قدم فيلم كدب في كدب أول بطولاته من إخراج توجو مزراحي.

بعد ذلك توالت البطولات وأصبح أنور وجدي في النصف الأخير من الأربعينيات فتى الشاشة الأول وقدّم مجموعة من أنجح أفلام تلك الفترة منها القلب له واحد وسر أبي مع صباح، وليلى بنت الأغنياء وعنبر مع ليلى مراد، وطلاق سعاد هانم مع عقيلة راتب، وهنا بدأ التحول الذي أحدثه أنور وجدي على أدواره وشخصياته في أفلامه، فقدّم أنور نفسه لجمهور السينما بصورة مغايرة غير التي اعتادوا مشاهدته فيها فبعد أن كان شبه متخصص في نمط وشخصية الثري ابن الذوات المليء بالشر والانتهازية، أصبح يجسد أدواراً وشخصيات تقدمه في شخوص ومواقف إنسانية خصوصاً صورة الشخص الفقير الذي يتفانى في أداء واجبه سواء الإنساني أو المهني ومن خلال حرصه على هذا الواجب يصل لقلب حبيبته التي غالباً ما تكون من أسرة ثرية أرستقراطية، كما تميّزت شخوصه السينمائية خلال هذه الفترة أيضاً بالرومانسية والشفافية والشهامة وهذا ما جعله يظهر أيضاً في صورة المدافع عن الحق الإنساني في الحب والحياة، ونجح أنور وجدي في أن يكسب قلوب جمهور السينما من خلال هذا التحول الهائل والعكسي في أدواره.

وتأتي بداية الخمسينيات لتكون نهاية مشواره السينمائي، وقدم فيها مجموعة من الأفلام المهمة ومن أبرزها أمير الانتقام عام (1950) عن رواية الكونت دي مونت كريستو، وفيلم النمر وفيلم ريا وسكينة عام (1953)، وفيلم الوحش عام (1954). ومن هنا حقق أنور وجدي كل ما كان يصبو إليه من شهرة ونجومية ومال بذل في الحصول عليه عرقه ودمه.

 

 

زوجات انور وجدي

قدرية حلمي – 1932م:

عام 1932م تزوج من الراقصة قدرية حلمي، التي كانت تعمل بفرقة بديعة مصابني، ولكن تلك الزيجة لم تستمر طويلًا.

أمرأه فرنسية – 1938م:

1938م تزوج زواجاً عرفياً من فتاة فرنسية تعيش في مصر والمدهش أن زواجه منها احتفظ به سراً لمدة طويلة حتى اكتشفته ليلى مراد بمحض الصدفة وكان سبباً في طلاقها منه.

إلهام حسين – 1940م:

1940م تعرف على الراقصة إلهام حسين وجمعتهما علاقة حب قوية فتزوجها ودفعها أنور للتمثيل، وتوقع لها مستقبل باهر في عالم الفن، حيث قدمها للمخرج محمد كريم لتظهر في أول أفلامها أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكان ذلك في فيلم يوم سعيد، وبالفعل حققت نجاحاً باهراً، وبالرغم من تشجيعه ودعمه لها في مسيرتها الفنية، طلبت إلهام من مخرج يوم سعيد عدم الاستعانة بأنور وجدي معها في الفيلم، وكان لها ما طلبت، وخاصة أن أنور وجدي لم يكن بعد نجم الشباك المعروف، وحين علم أنور وجدي بهذه النصيحة اعتبرها عربون طلاق بعد زواج قصير لم يصمد إلا أقل من عام واحد.

ومع زيادة الخلافات بين الزوجين، وقع الطلاق بينهما بعد ستة أشهر فقط من زواجهما.

ليلى مراد – 1945م:

15 يوليو 1945م وتحديداً في كواليس فيلم ليلى بنت الفقراء اشتعلت شرارة حب بين أنور وجدي وليلى مراد وقيل وقتها أن أنور وجدى طلب يدها أثناء قيامهما ببطولة فيلم ليلى بنت الفقراء عام 1945 حيث أعلن أنور وجدى نبأ الزواج بعد مشهد زفة للعروسين في نهاية الفيلم، واستمر زواجهما حوالي سبع سنوات حتى انفصلا فنيا وواقعيا في الأعوام الأخيرة لحياة الفنان أنور وجدي بعد اكتشاف ليلى مراد قصة زواجه العرفي من امرأة فرنسية والذي اعتبرته خيانة فطلبت الطلاق.

ليلى فوزي – 1955م:

تقول الفنانة ليلى فوزي التقيت بأنور وجدي  في فيلم من الجاني 1944 وتقابلنا كثيراً، حيث كانت هناك مشاهد عديدة تجمعنا معاً داخل الفيلم، وصارحنى حينها أنور وجدي بمشاعره نحوي، فوافقت، وبالفعل ذهب لمقابلة والدي ولكنه رفض زواجنا رفضاً قاطعاً بحجة أنني نجمة مشهورة قمت وقتها بتمثيل 11 فيلماً بينما كان أنور وجدي لا زال يتنقل بين الأدوار الثانية وحتى يطمئن والدي من عدم مطاردة أنور لي أو أن نتزوج في السر زوجني لعزيز عثمان عام 1945م، ولكنه كان أشد قسوة وغيرة خاصة بعد علمه بأمر تقدم أنور وجدي للزواج مني، وصارت الحياة الزوجية بعدها مستحيلة بسبب غيرته الشديدة التي دفعتني لطلب الطلاق الذي رفضه في أول الأمر ثم وافق عليه بعد توسط الأصدقاء وعلى رأسهم المخرج فطين عبد الوهاب وتم الطلاق في عام 1954م، وبعد انتهاء عدة الطلاق فوجئت بأنور يفاتحني مجدداً في مسألة الزواج بعد أن التقينا مرة أخرى أثناء تصوير فيلم خطف مراتي في شهر مارس عام 1954م مع صباح وفريد شوقي، فوافقت وتم زواجنا في العاصمة الفرنسية باريس، ودعوت فيه موظفي السفارة المصرية هناك، وحضر زواجنا فريد الأطرش وسليمان نجيب، اللذان جاءا من مصر خصيصاً، وعشت مع أنور أربعة أشهر من أجمل أيام عمري".

 

 

مرض ووفاة الفنان انور وجدي

كان أنور وجدي مصاب بمرض وراثي في الكلى مات بسببه والده وشقيقاته الثلاث، وهو مرض الكلية متعددة الكيسات. كان في بداية الخمسينيات من عمره عندما بدأ يشعر بأعراض المرض لكنه كان يتناساها لكن مع تعرضه لأزمة صحية نصحه الأطباء بضرورة السفر إلى فرنسا وعرض نفسه على الأطباء ولكن المرض لم يكن له علاج في ذلك الوقت.، ونال منه المرض، بعد معاناه كبيرة معه حيث لفظ أنفاسه الأخيرة وهو لم يكمل إحدى وخمسون عاماً في 14 مايو 1955 الموافق 23 رمضان عام 1374 هـ في ستوكهولم وكانت وفاته صدمة ومفاجئة كبيرة لكل محبيه ولمصر بأكملها وخسارة للفن والفنانين فقد كان في قمة عطائه ومجده الفني والإنساني الكبير، وقد شيعه الملايين لمثواة الأخير في أكبر جنازة شهدتها مصر بعد وفاة سعد باشا زغلول.