يتميز الفن المصري القديم بأنه فن رمزي فى معظم عناصره،فالأعمدة وتيجانها والحوائط والفتحات والبوابات العالية كلها أشكال ذات دلالات تشير إلى موضوعات رمزية أسطورية، محملة بالمعاني الرمزية المرتبطة بحياة المصري القديم وتنم عن أسلوب حياته، فالرموز تمثل معتقدات المصري وحياته بكل ما بها من علوم وفنون وحياة وما بعد الحياة، والأشكال لا ترتقي إلى رموز إلا إذا كانت محملة بالقيم الاجتماعية والثقافية والفكرية للبيئة، فالرمز ليس مجرد شكلا في حد ذاته، بل يتصل بحياة الفنان وعاداته وتقاليد مجتمعه، والمجتمع هو الذي يحدد قيمة الرمز،ويتم صياغتها تشكيليا لتحقق المعنى الذى صيغت لأجله.
فلسفة الرمز فى الحضارة المصرية القديمة
أهم ما يميز الديانة المصرية القديمة اعتمادها بشكل أساسي في صياغة تعاليم الدين وفلسفته علي الرمزية، فالمُتتبِع للحضارة المصرية القديمة يدرك أن الديانة المصرية ما كانت إلا مجموعة من الرموز الموضوعة في نسق مترابط يقدم شرحا عميقا لفلسفة الدين عند المصري القديم، وهى وسيلة تعبيرية تحمل مجموعة من الرموز والمصطلحات متعددة المعاني، فالرمزية نمط يُعَبّرعنه من خلال معاني مكانية، زمانية،وفيزيائية ويعتمد على الإدراك ومشاركة الحواس، فالتشكيل الرمزي يستطيع الجمع بين الحدس والفهم وبين المعرفة والإبداع.
والرمزية تعنى تجاوز الغرض الوظيفي إلى أغراض تعبيرية وبلاغية تصل لما هو خلف الطبيعة وتعدد الصورالإلهية في مصر القديمة لم يكن إلا محاولة للوصول إلى كنة ذلك الإله الأوحد الخالق العظيم المتفرد،وحاول المصري القديم أن يجسد الإله في صورإعتقد أنها تمثله وتعددت المحاولات في صور متعددة وكان أولها الشكل الهرمي والذي ساد إستخدامه في عصر الدولة القديمة،وهو في الحقيقة واذا ما فلسفناه لوجدناه عبارة أربعة مثلثات يلتقون في نقطة واحدة في زوايا حادة فيشيرون جميعهم إلى السماء إشارة إلى الخالق الواحد ولكنه خفي وعرف في العصوراللاحقة باسم "أمون" أي المختفي ثم تحول الاسم إلى"آمون رع" وتطور الشكل الهرمي في عصرالدولة الحديثة لتظهر المسلات والتي أصبحت أكثر بساطة في الرمزفهي عمود منتصب قمته هرم صغير يرمز إلى الإله "آمون رع".
ولعل من أحد أهم الأسباب في سيطرة الأسلوب الرمزي على الديانة المصرية القديمة،أن المصري القديم استطاع أن يصل إلى تركيبة فريدة مزجت بين الدين والدنيا إذ أنه كان يمارس الإثنين معا، فداخل المعبد كان يمارس طقوسه الحياتية ذات المغزي الديني وأحياناً يمارس طقوس الدينية ذات المدلول الدنيوي.
وبالنظرإلى المعابد المصرية نجد أن عناصرها المعمارية عبارة عن رموز دينية صِيغت في شكل هندسي، فنجد أن معظم الأعمدة أتخذت شكل زهرة اللوتس أوشكل نبات البردي المفتوح أوالمقفول في إشارة إلى أهمية اللوتس والبردي في الأسطورة المصرية القديمة والتي ذكرت أن بدء الخلق والحياة إنبثق من زهرة اللوتس العملاقة،أما نبات البردي فهو من حيث الشكل يمثل الشمس والساق تشبه الشكل الهرمي في إشارة إلي رع إله الشمس، وهنا أصبح المعبد يرمز إلى الكون بنباته وسمائه وأيضا مياهه المتمثلة في البحيرة المقدسة بالمعبد.
إن اكتشاف المضمون العقائدى فى الفن المصرى القديم لا يتم عن طريق فحص ذلك الشكل المادى كالرمزومدلوله، وإنما يمكن إدراك وإكتشاف مضمونه باللجوء إلى وسائل تحليلية لا تعتمد على الحواس فقط ، فقد أقام الفنان فى الحضارة المصرية حواراً دائماَ قائما على الملاحظة والتأمل لمتغيرات الطبيعة ومكوناتها الكونية،ومن بين إفرازات هذا الحوارمع الطبيعة إبتكاره للرموزكأحد الأشكال الرئيسية للتعبيرعما يجول فى خاطره وخياله.
إن صياغات الرموز تعكس مدى تطور الوعى الإنسانى وفكرته عن الكون والحياة والعالم الآخر،فكل رمزله دورومضمون عقائدى من خلال إكتشاف مكونات الطبيعة وخصائصها، فقد شكل الرمز لديه بقوته الغامضة تجسيدا لقوة الكون.