نعم ربما يكون الإعلام بشكله الحالي، والذي يتضمن العديد من الوسائط مثل التلفزيون والإذاعة والصحف والمجلات والإنترنت، نقول ربما يكون وليدا لم يتخط القليل من العقود، ولكن الإعلام كأحد أهم مجالات الحياة كان حاضرا بقوة في كافة العصور، ولعل احتفاء القبائل العربية بإيذان ميلاد أو نبوغ شاعر لديها، والذي كان يمثل الوسيلة الإعلامية الأهم في تلك العصور القديمة لدليل على الأهمية القصوى التي كانت توليها تلك القبائل لهذا النوع من الإعلام، فالشاعر في القبيلة كان المنوط به حفظ مآثرها، والتغني ببطولاتها، ونشر مناقبها، وتناقل أمجادها من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان، وما ذلك إلا لسهولة حفظ الشعر، والرغبة في ترديده، والشوق للتغني به.
ويمكننا من هنا منذ البدايات الأولى أن نربط ربطا وثيقا لا انفصام فيه بين الإعلام والأدب، فلقد كان الأدب نوعا من الإعلام كما كان الإعلام وظيفة من وظائف الأدب، إن جاز التعبير.
وإذا خطونا خطوات واسعة لنصل إلى المشهد الحالي لكل من الإعلام والأدب والذي يمكن أن تشملهما الثقافة بمفهومها الواسع، فإن علينا أن نتوقف على مفهوم لكل من هذه المجالات الثلاثة المتداخلة والمرتبطة ببعضها البعض وإذا بدأنا بالإعلام فهو مصطلح يطلق على أي وسيلة أو تقنية أو منظمة أو مؤسسة تجارية أو غير ربحية، عامة أو خاصة، رسمية أو غير رسمية، مهمتها نشر الأخبار ونقل المعلومات. ووسائل الإعلام تشمل الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والإنترنت وغيرها. ولها أهمية كبيرة في المجتمعات الحديثة، فهي تؤثر على الرأي العام والثقافة والسياسة والاقتصاد والتعليم وغيرها من المجالات.
أما الثقافة فهي في تعريفها البسيط تعني مجموع السلوكيات الاجتماعية أو المعايير المميزة للبشر، المتوارَثة عن طريق التعلم، ويغطي مفهوم الثقافة المادية التعبيرات المادية للثقافة، مثل التكنولوجيا، والهندسة المعمارية، والفن، في حين أن الجوانب غير المادية للثقافة مثل مبادئ التنظيم الاجتماعي، الأساطير، الفلسفة، الأدب (على حد سواء المكتوب والشفوي)، إذن فالأدب جزء من الثقافة، كما أن الإعلام يتشابك بشكل مباشر ووثيق مع الثقافة بوجه عام والأدب الذي هو أحد مكونات الثقافة بشكل خاص وهناك تأثير خطير على المجتمع من تلك المعالجات الإعلامية لكافة المجالات الثقافية وفي القلب منها الأدب الذي يعتبر، كما قلنا آنفا، جزءًا من الثقافة، كما ويعتبر الأدباء من أهم المؤرخين للحضارات، حيث يتم توثيق الحياة والعادات والتقاليد في الأدب. كما أن الأدب يساعد على تعميق الثقافة، حيث يتم تناول موضوعات مختلفة في الأدب، مما يساعد على توسيع آفاق المثقفين وزيادة معرفتهم بالحياة. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الأدب على تطوير الذات والشخصية، حيث يتم تناول قضايا مختلفة في الأدب، هذا الذي يقوم بدور هام في بناء الإنسان الذي هو في حاجة إلى غذاء معرفي وعقلي لترتقي من خلالهما الروح وينمو بفضلهما العقل قدر حاجته، بل ربما أكثر، إلى الغذاء المادي الذي يحتاجه الجسد.
من هنا كان هناك في المجتمعات المتقدمة اهتمام إعلامي كبير بكل من الثقافة عموما والأدب على وجه الخصوص.
فإذا نظرنا للخريطة الإعلامية في الدول الأوروبية فإننا نجد أن الثقافة الرصينة عموما والأدب باعتباره أحد أهم الإبداعات على وجه الخصوص يحجزان مساحة معتبرة، هذا الذي يعود بالفائدة الكبيرة على المجتمع نفسه أولا مرة وعلى الأدباء والمبدعين مرة أخرى وعلى المشتغلين والمهتمين بالثقافة مرة ثالثة، وإننا نزعم أن هذا الاهتمام الهائل من قبل إعلام الدول المتقدمة بكل من الثقافة والأدب أحد العناصر الحاكمة في رقي تلك المجتمعات.
وإننا في المقابل حينما نقاوم عباب البحار ونعبر المتوسط متجهين إلى الشاطئ الآخر فإننا نجد اهتماما أقل في البلدان العربية، وللأسف نجد الكفة تميل في اهتمام الإعلام إلى السطحي من الثقافة والركيك من الأدب، هذا الذي لا يعني بالضرورة عدم عرض الرصين من الثقافة ولا العميق من الأدب، فنحن بكل تأكيد نجد هناك هامش – في حاجة إلى اتساع – يهتم بهذا المنتج العربي الراقي للمثقفين والأدباء العرب، ويمكننا أن نلمح ذلك في إصدارات هامة لوزارات الثقافة في الدول الرائدة ثقافيا في عالمنا العربي التي يأتي في مقدمتها كل من مصر وسوريا ولبنان والجزائر، وكذلك بعض دول الخليج في الفترة الأخيرة. تلك التي لم تكن لتحقق التأثير المطلوب ما لم يتناولها الإعلام العربي الذي يلعب دورًا مقدّرا- نطالب باتساعه - في تعريف الجمهور بالأدباء الجدد والمواهب الشابة، وذلك من خلال تخصيص مساحات واسعة في الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية لتقديم هذه المواهب وتسليط الضوء على إنجازاتهم، كما يتم تنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية تشارك فيها هذه المواهب.
وإننا نأمل بل ندعو إلى مضاعفة دور الإعلام في نشر الثقافة الرصينة، والإبداع الإنساني الهادف ذلك الذي يلعب دورا هاما في خلق الشخصية ويسمو بالوجدان، ويستنهض الهمم ويحفز الطاقات ويرتقي بالعقل ومن ثم يكون لدى الإنسان الآلة السوية التي يستطيع بها دحض الأفكار الهدامة ومواجه التيارات الفكرية الضالة ذلك الذي يتحقق من خلال نقل الإنتاج المعرفي الرزين إلى المتلقين لأن الفعل الثقافي هو الجوهر الذي تحويه وسائل الإعلام، وهو انعكاس حقيقي للحالة الثقافية التي يحياها المجتمع.
وكما هو معروف فإن أراد المرء أن يتعرف على مستوى أخلاق مجتمع من المجتمعات فما عليه إلا أن ينظر في المحتوى الذي تقدمه وسائل إعلام هذا المجتمع، وإذا أردنا أن نخبر المستوى الثقافي لمجموعة بشرية فعلينا كذلك أن نتعرف على الخريطة الإعلامية لهذه الجماعة، وإذا أردنا أن نسبر غور المستقبل، وكيف ستكون هذه دولة أو تلك بعد بضع سنوات أو بضعة عقود، فما علينا إلا أن نحلل المحتوى الذي يقدمه إعلام هذه الدولة أو تلك. هذا الذي يعكس الدور الهام والحيوي، بل كما قلنا سابقا، والحاكم في مقدار الوعي والمستوى المعرفي لكل أمة من الأمم الحية.