حوار مع الاديب والباحث والناقد الدكتور فاضل الكعبي

حوار مع الاديب والباحث والناقد الدكتور فاضل الكعبي
حوار مع الاديب والباحث والناقد الدكتور فاضل الكعبي
 
رؤى جوني
 
 
 
من الصعب التعريف واحتواء سيرة ذاتية باختصار لشخصية مثل شخصية د. فاضل الكعبي في مجال أدب الطفل حيث تعد كتبه ودراساته   المتخصصة في أدب ومسرح وثقافة الأطفال من المراجع المهمة والأساسية لعشرات الدراسات والأبحاث العلمية والفكرية والأكاديمية المحلية والعربية والدولية المتخصصة في هذا المجال، ولسعة دراساته وأبحاثه العلمية والفكرية المتخصصة يعد الآن الباحث المرجعي الأول المتخصص بأدب ومسرح وثقافة الأطفال في العراق.
دكتوراه   في أدب الأطفال من أكاديمية كامبردج للعلوم والتكنولوجيا
دكتوراه في الثقافة الإسلامية تتعلق في   تقنيات الكتابة للأطفال
بالإضافة إلى العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من عدة معاهد ومراكز دولية
تبوأ عددا من المراكز العلمية والأدبية والثقافية منها عضو مجلس إدارة كرسي الألكسو لخدمة الطفولة في منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية، هذا طبعا بعض من كل في رحلة حياة مهنية ممتدة لخمسة وأربعين عاما من العطاء بحثاً ونقداً وإبداعاً
فهذا الحوار نحاول ان نعرف التعرف على عالم فاضل الكعبي قبل التعريف به، للاستفادة من خبرته الطويلة
 
 
بداية: بداية لماذا أدب الطفل دون غيره من فروع الأدب هذا الذي التزمته وسرت عليه في حياتك الإبداعية؟
لم يكن أدب الطفل الأول ولكنه كان مساوقاً للأول الذي كنت فيه وهو الشعر الذي أنتجت فيه ستة دواوين، لكن أدب الطفل بعد ذلك تقدم على الأول ليصبح هو الأكثر مقدرة وتقديراً والأول في مسار التجربة، حين اكتشفت في هذا الأدب أسرارا وخفايا ومفاتيح البناء الجاد والحقيقي والمهذّب للإنسان فأيقنت تماماً بهذا الأدب وبقدرته على البناء وعلى التغيير النوعي في بنى الإنسان، واعتبرت أدب الأطفال أهم بكثير من أدب الكبار، هذه حقيقة عميقة جداً لا يدركها إلا من خَبِرَ هذا الأدب وغاص فيه عميقاً وعرفه حقَّ معرفته.
 
 
 
 خلال مسيرتك الطويلة في أدب الأطفال وثقافتهم، ما هو منظورك لأدب الأطفال على نحو خاص، هل تطور هذا الأدب بيانياً أم تراجع؟
-         في المنظور البياني لأدب الأطفال في الواقع العربي هناك تباين في الرؤية، فهو تطوّر في جانب وتراجع في جوانب أخرى، تطوّر في إثبات وجوده والاعتراف بهويته الخاصة وتشريع شرعيته الفنية والعلمية والموضوعية بسعة واضحة، خصوصاً بعد ما كان من حيف يحيطه ومن نظرة قاصرة ودونية تلاحقه فيُنظر إليه من خلالها،  حتى كان يُعاب على  كاتبة ما يكتبه في هذا الأدب، واليوم  صار كاتبه يفاخر بكتابته لهذا الأدب وبالانتساب إليه  وقد تطوّر هذا الأدب شكلا ومحتوى من بنيته، ومن أساليبه، ومن لغته، ومن خطابه الفني والإبداعي ومن سعة مساحته واتساع الرؤية لمظاهره، ولكن مع ذلك هناك تحديات عديدة مازالت تواجه هذا الأدب ، ومازالت هناك بقايا لتلك النظرة القاصرة التي ينظر بها إلى أدب الأطفال وكتّابه ، مع ما نجده عند البعض من الأفراد ومن المؤسسات بما يحملونه من سوء الفهم لأدب الأطفال وعدم تقدير رسالته المهمة والخطيرة .
 
 
ترى ما هو سبب ذلك؟
السبب يعود إلى محدودية الفهم وقلة الوعي الذي يحمله هؤلاء في نظرتهم لأدب الأطفال، ووجود الطارئين على أدب الأطفال وأخذهم مساحة بيّنة في ميدانه، والذي تسبّب بإحداث أكثر من مشكلة وشرخ باعد بين هذا الأدب ومتلقيه، فنلاحظ ونطالع في كثير من الأحيان نماذج رديئة في كتابات هؤلاء الطارئين فنياً وأسلوبياً ولغوياً وتحسب على هذا الأدب للأسف الشديد، وهذه النماذج، شاء أصحابها أم أبوا، تسيء بشكل كبير إلى قيم وقيمة أدب الأطفال ورسالته الحقيقية.
 
 
 
هذا يدفعنا إلى الاعتقاد والقول أن هناك ايجابيات عظيمة ومؤكدة في أدب الأطفال، وباعتقادكم كخبير في هذا الأدب، ما هي الايجابيات التي اكتسبها والايجابيات التي فقدها أدب الأطفال؟
 إذا توخّينا الإيجاز المركّز، يمكن التأكيد على أن من أبرز الايجابيات التي اكتسبها أدب الأطفال في طوره المعاصر هي حصوله على بديهية الوجود وطلاقة الظاهرة الأدبية والإبداعية في عوالمه، إلى جانب الاعتراف الكبير في سمته وعوالمه مؤسسيّاً وأكاديمياً في عشرات الدراسات العليا وإن كان البعض منها ضعيفاً ومكرراً لا جديد فيه، لكن مع ذلك نحسبها إيجابية مهمة لترسيخ أدب الأطفال ترسيخاً علمياً في الدرس والبحث، أما أولى الايجابيات التي فقدها أدب الأطفال هي محاولة المبدئين الصعود على أكتاف المتقدمين بأساليب ملتوية ومعيبة، ، كذلك من الإيجابيات المفقودة في أدب الأطفال هي رزانة البعض وتقليد البعض للبعض الأخر حتى بالأفكار والمواضيع والعناوين، وفقدان السيطرة على المسير المنتظم عند بعض المحسوبين على أدب الأطفال فراح البعض منهم يدّعي بما ليس عنده.
 
 
 
ما رأيك بواقع أدب الطفل في الوطن العربي، وما هي خصوصية العراق في هذا المجال؟
إنه واقع ملتبس حقاً يدعو إلى الاستغراب وإلى الحيرة في كثير من مفاصله وافرازاته في المنتج وفي الحركة، ، ولو أطلعتك على  صور من هذا الواقع لاستغربت أكثر وأكثر، فما معنى أن يأتي كاتب  أو كاتبة  أرسلت لي قصة تستشيرني بمدى صلاحيتها وهي تجربتها الأولى بالكتابة وقد أخبرتها بعدم صلاحيتها وإذا بي أتفاجأ بطباعتها على حسابها الخاص وراح الناشر يروج لها لأجدها تتصدر المواقع واعتبارها كاتبة بارزة، أو تأتي إحداهن أو أحدهم لا منجز لديه سوى قصة أو قصتين ليدعي أنه خبير ومفكر وناقد في أدب الأطفال والمصيبة الكبرى أن بعض المؤسسات المعروفة تفتح له الأبواب لإقامة الدورات والورش وغير ذلك، بل أن بعضهن أو بعضهم وقد أصبحت هذه الحالة ظاهرة مشاعة في أدب الطفل ، فالكل يريد أن يعلم الآخرين فنون كتابة القصة بمبالغ أو بالمجان، مع أن أغلب هؤلاء لم تنضج تجاربهم بعد وليس لديهم من الخبرة والمنجز، أقول واقع أدب الطفل العربي هنا ملتبس، وواقع أدب الطفل في العراق ليس بمنعزل عن الواقع العربي لهذا الأدب، ومع هذا فالمبدع الحقيقي يظل حقيقياً مع إبداعه ومع نفسه ومع الآخرين .
 
 
 
أين تجد نفسك أكثر في الإبداع أم البحث أم النقد؟
في كل ذلك أجد نفسي، وإلا لما تمثلتها وأدخلتها في أتون كل ذلك، نعم نفسي متوزّعة في مسارات هذا التوزّع، وهو توزع خلاق ومبدع ومنتج، ولكل مسار فيه طبيعته وتجربته وخصوصيته التي تجتمع في مجتمع تجربتي الإبداعية والفكرية والعلمية والنقدية.
 
 
 
 
 
يا ترى، من وجهة نظركم المتخصصة، هل فعلاً ما يقدّم الآن بصورة نقد هو نقد حقيقي وفعّال لخدمة وتطوير أدب الطفل أم هو دعاية لأعمال معينة؟
النسبة الغالبة من هذه الكتابات لا علاقة لها بالنقد، وما هي إلا انطباعات شخصية لا منهجية فيها ولا رؤية نقدية حقيقية، وأحسبها كتابات إنشائية أو عروض صحفية لا مجال لاحتسابها على النقد ، وأغلب ما فيها، كما ذكرت حضرتك في السؤال دعاية لفلانة من الكاتبات أو لفلان من الكتّأب ، النقد الحقيقي خصوصاً في أدب الأطفال يختلف تماماً عن كل ذلك، ويتطلب منهجية ورؤى ومعايير ومتطلبات ومقاييس عديدة تختلف أغلبها حتى عن مثيلاتها في نقد الأدب العام، فالنقد في أدب الأطفال له خصوصيته التي تميزه عن أي نقود أخرى، وقد تعرضت بالبحث والتنظير لذلك بكل سعة وتفصيل علمي ومنهجي في كتابي الموسوم : ( أدب الأطفال في المعايير النقدية )، الصادر في الشارقة،  الإمارات  بطبعته الأولى عام 2013، وهو  دراسة معمّقة في الأسس والقواعد الفنية والنقدية لفن الكتابة للأطفال .
 
 
 
تأثّر أدب الطفل بالأساليب والتقنيات الغربية هل هو عامل جيد في تطوّر هذا الأدب أم لا؟
الإجابة عن ذلك تأتي بنعم أحيانا وبلا أحيانا أخرى، نعم عندما تأتي هذه الأساليب والتقنيات متوافقة ومنسجمة مع الطبيعة الثقافية والنفسية والقيمية والسلوكية لطفلنا العربي، وتطوّر من مستويات تذوّقه وتلقيه الفني والجمالي والقرائي لمنتج أدب الطفل، ويأتي العكس من ذلك أحياناً، فتأتي ال ( لا ) هذه ، لتلك الأساليب والتقنيات إذا أرادت فرض قيم ومعارف وسلوكيات ورؤى مغايرة ومختلفة لا تنسجم طبيعتها وبيئتها مع طبيعة وبيئة طفلنا.
 
ما رأيك بالمهرجانات الخاصة بأدب الطفل تلك التي تقام حالياً في عدد من البلدان العربية مثل مهرجان الشارقة القرائي للطفل؟
مثل هذه المهرجانات مهمة جداً لتعميق أدب الأطفال وترسيخ وجوده وإشاعة مظاهره ومعارفه، ولكن على أن تكون جديرة باختياراتها للأشخاص الذين يمثلون أدب الطفل الحقيقي، ومهرجان الشارقة القرائي للطفل مهم جداً وأهم المهرجانات العربية ودعيت إليه في العام 2013 ولكن في السنوات الأخيرة انقطعت الدعوات للمختصين حقاً ويؤسفنا ذلك.
 
هل دعمت الجوائز النقدية المجزية كتاب أدب الطفل أم أثّرت على النشر بحكم رغبة دور النشر احتكار الأعمال والأسماء بغية نيل الجوائز؟
كل شيء وارد في هذه الجوائز، التي تعد من المحفّزات المهمة لكتّاب أدب الطفل، ولكن هناك لغز وهناك عجائب وغرائب في مقاسات بعضها، بل هناك ما يشبه الاحتكار والاتفاقات الجانبية بين هذا الناشر وهذه الإدارة، ولذلك تذهب بعض الجوائز لغير مستحقيها لأسباب عديدة سأكشفها علناً في دراسة لي بهذا الاتجاه أشتغل عليها منذ سنوات سأوضح بالأسماء ذلك، وقد سبق لي وكنت عضواً محكّماً في بعض الجوائز العربية المهمة والحمد كلها من اشتغلت معهم كانوا في قمة النزاهة والأمانة وقد أعطيت الجائزة لمستحقيها حقاً وهذا ما يدفعني إلى الفخر حقيقة .
 
كيف تنظر إلى أفق أدب الطفل العربي، وما هي التحديات التي يعاني منها وكيفية مواجهتها؟
أفق أدب الطفل العربي ملبد بالغيوم الرمادية وغير الرمادية، بعضها تأتي بالمطر وبعضها الآخر تذر الغبار بالعيون وتكبح عجلات الإبداع الحقيقي، وما أراه ايضاً في جانب كبير منه يضع أمامي ألف علامة للاستفهام والاستغراب، هناك هواء ملوّث، وهناك هواء نقي لا يحمل إلا النسمات العذبة، وهذا ما نعوّل عليه ونسير خلفه، نعم هناك من يستغل أدب الأطفال كواجهة للبحث عن شهرة زائفة، الشهرة في أدب الأطفال الحقيقية، شهرة المنجز الإبداعي المتميز، وشهرة الانتماء الحقيقي، وشهرة الحرص، وشهرة الموضوعية، وشهرة الصدق، لا شهرة الزيف والبغضاء والحسد وغير ذلك من أمراض اجتماعية ونرجسية صارت بمثابة التحديات الخطيرة في أفق أدب الطفل، وبعض المعالجات تكمن بالتعامل الصحيح والنقي، وأبعاد السياسة وأمراضها، والنرجسية وملوّثاتها، والحسد والغيرة وغيرهما عن أفق التفكير والرؤى والتعامل في أفق أدب الطفل عند ذلك سيصفو هذا الأفق ولا يعطي إلا الجمال .