العلاقات بين الناس منها ما يسبب التعاسة وأخرى تودي لسعادة حقيقية، وقد أشار مؤلف الكتاب أن العلاقات قد ترفعك لسابع سماء أو تنزلك لسابع أرض ...تعالوا معًا لنستكمل سفرنا داخل أوراق وصفحات النفس البشرية
عَنْوَن الكاتب موضوعه الرابع بعبارة (إنت شايفني ؟) يستطرد حديثه الموجه للقارئ بالعامية الدارجة ليُحدثنا عن مريضة المحلل النفسي "بروبر " صديق (سيجموند فرويد) والتي تُدعى "أنَّا" المصابة بالهيستيريا، وقد لفت د.محمد طه انتباهنا إلى أنه قد يحدث ويقع المريض أو المريضة في حُب معالجه كما حدث مع "أنَّا" التي أُغرمت بطبيبها المعالج "بروبر" وخُيِّل إليها أنها حامل منه وأخذت تطارده حتى اعتزل مهنته كمعالج نفسي ، فإلى هذا الحد يمكن أن تُدمر علاقتك بشخص ما حياته، وبدراسة "سيجموند فرويد" لحالتها تَبَيَّن أنها مشاعر كامنة داخلها منذ الطفولة فالطبيب المعالج كان لَهَا بمثابة الأب الذي يهتم ويكترث لأمرها فأسقطت عليه مشاعر الحب الكامنة داخلها تجاه أبيها، وأعزى ذلك إلى مفهوم "الطرح" بالطب النفسي وهو طرح شعور الحب أو الكره أو الغضب وغيرها تجاه شخص ما بالماضي على آخر بالحاضر، وهنا يشير الكاتب أن هذا يحدث طول الوقت في حياتنا وليس فقط داخل العيادات النفسية بل في المنزل، والشارع، والعمل ، وفي تحليلي أنا الخاص من خلال التجارب والتعامل مع الآخرين
ثبت فعليًّا حدوث هذا قد نسقط بعض من الشعور الداخلي على من نتعامل معه، فمن خلال تجارب "لايف كوتش" أن بعض حالاته التي يوجهها ويحفزها ويدفعها نحو التشافي قد يحدث لَهَا شعور التعلق فلا تَعُد تُفَرِّق بين معالج وبين شخص ما مر بحياتها أو مشاعر يُرِيدُ المريض عيشها ولم يحقق ذلك في الواقع، وقد ذكر الكاتب في أسلوب رشيق عدد من الأمثلة كزوجة الإبن، وحماتها قد تُسقط زوجة الإبن مشاعرها التي عاشتها تجاه أمها ناحية حماتها سواء مشاعر إيجابية أو سلبية مخزنة داخلها، وكذلك علاقات الإنترنت والتعارف بين الأشخاص والحديث من خلف شاشة مغلقة لا أحد يرى الآخر، ولكن أحد الأطراف قد يكون مريضًا، ويستخدم أسلوب الطرح لمشاعره على اختلافها على الآخر ، ويستمر الكاتب في إطلاق العناوين المثيرة على موضوعاته منها"إوعى تلبس" بالعامية ، وهذا الموضوع يتناول الطرف الآخر المُتلقي لطرح المشاعر ويعود الكاتب مرة لتوجيه حديثه للقارئ وكأنه أمامه حاضر بذاته في عبارات مثل "بُص يا سيدي" لتبسيط مفاهيمه العلمية والتدليل عليها بالأمثلة الحياتية المعاشة كشخص لم ينس مشاعر الشك من أحد والديه تجاهه عندما عاد متأخرا فتاة مثلا لا تنسى ريب أمها في تصرفاتها أو آخر يخاف من أخيه الأكبر، أو مَنْ افتقد حبيبته الأولى، وتلك التي تاهت من أسرتها وأخرى تعرضت للعنف الجسدي والنفسي،
استخدم الكاتب بعض من الاستعارات المكنية في طرحه كجملة (التكوين النفسي بتاع كل حد فينا..رسالة بيعيش بيها عمره..وبيبني عليها حياته.. وبيتعامل على أساسها مع الناس )
خلاصة مفهوم الكاتب أن الإنسان مجموعة من الرسائل المخزنة داخله على مدى عمره والتي يطرحها على الآخرين في علاقاته معهم على اختلاف أشكالهم زوجته أو طبيبه أو صديقه أو غيرهم فيعيش في دراما (أنت سجين رسائلك)
وذكر أمثلة لهذه الرسائل " اعمل كل حاجة تخليني أرضى" ،"إنت متقدرش لوحدك" وهي رسالة تُعبّر عن الاعتمادية
"عاوزانا نشوفك يبقى تجذبي انتباهنا على أد ما تقدري"، وكلها رسائل من المقربين للأسف، ومن هنا تنشأ الأمراض النفسية التي يصعب علاجها، ويعرفنا الكاتب بالطرف المتلقي للطرح الذي أشار إليه سابقًا ويطلق عليه صاحب النبوءة، وكأن رسالة المريض، وطرحه هي نبوءة تتحقق على يد طرف آخر يتلقاها ، ومن هنا أتى عنوان موضوعه ( إوعى تلبس) فالمريض ما هو إلا مخرج مسرحية يوزع الأدوار على الآخرين كما أشار الكاتب، وكل ضحية من ضحايا المريض عليه أن يستلم رسالته، مثل رسالة
"إنت أناني مِش بتحب غير نفسك" ليلبس الطرف المتلقي دور الأناني الندل كي يؤكد المريض لنفسه أنه الطرف المظلوم في العلاقة ، وقد يلبسك المريض دور المتسلط الشرير إذا تعاملت معه ليؤكد لنفسه أنه الوحيد الطيب وكل الناس أشرار وهكذا العديد من الأمثلة التي ساقها لنا الكاتب في أسلوب سَلِس، وينهي موضوعه وحديثه بعبارة "خلي بالك إوعى تكون انت الشخص إللي هيحقق النبوءة المشئومة" في إشارة منه إلى الحذر في علاقاتنا بالآخرين حتى لا نقع ضحاياهم
ينتقل الكاتب إلى عنوان آخر وهو(أنا إنتي) كَما كتبه بالعامية وأكمل شرحه لموضوعه بالعامية أيضًا وتطرق إلى فكرة تقمص شخصية الآخر مثل تقمص الإبن لشخصية أبيه أو الفتاة لشخصية أمها وذكر أن هذا يُعد محمودًا في مرحلة تكوين الشخصية الذكورية والأنثوية كمرحلة من مراحل النمو النفسي ولكنه أشار إلى خطورته عندما يذوب الإنسان في شخصية الآخر ولا يستطيع الخروج منها فيقضي على ملامحه وصفاته الخاصة وعدَّد الأمثلة على ذلك ، ونكمل الرحلة مع عنوان (انتبه أنت ترجع للخلف)
وتأثير الصدمات النفسية على الإنسان وكما ذكر الكاتب في أسلوب أدبي رائع "الطوفان النفسي العنيف "ياله من تعبير قوي وعميق وتنبيهه إلى بناء علاقات جيدة وسوية مع الآخرين وخاصةً مع مَنْ تحبوهم حتى لا تخسروهم في حال تعرضهم لصدمة نفسية شديدة ويصابون بأمراض نفسية خطيرة منها(النكوص) والعودة إلى أي مرحلة عمرية شعر فيها الإنسان بالأمان حيث يعود الكبير بالعمر مثلًا إلى مرحلة الطفولة وقد يرجع إلى مرحلة كونه جنين ببطن أمه ، ويشمل ذلك أيضًا مَرَض الانفصام وينتهي بأصعب الأمراض (الكتاتونيا) والانفصال عن الوجود وتحوُّل المريض لجثة هامدة وأرى تحذير الكاتب د.محمد طه في غاية الأهمية وذكره الأمثلة على ذلك لتوضيح خطورة هذه الأمراض ، ويستطرد الشرح تحت عنوان (أنا بعشق البحر) واصفًا صورة جمالية في غاية البراعة والروعة للجنين في رحم أمه قبل خروجه للحياة ومعيشته المرفهة في السائل الأمينوسي داخل الرحم إلى أن يأتي اليوم الموعود لولادته وانفجار شلالات المياه من حوله وطرده من الرحم ونزوله إلى عالم الأرض ويتضح استخدام الكاتب للأسلوب القصصي والحكائي الذي يستمتع به القارئ دون ملل ودون الشعور بأنه بجلسة من جلسات العلاج النفسي
والمصطلحات العلمية البحتة، وأشار لمرض تسمم المياه وهو حب بعض المرضى لشرب الكثير من المياه بشكل غير طبيعي رغبة مِنهم في العودة لوجودهم داخل رحم الأم الحامي كما أشار للذاكرة الخلوية والتي تملكها خلايا جسم الإنسان والتي يمكن أن تعود به إلى مرحلة الجنين الذي كان يشعر بِكُل مشاعر أمه غضبها، فرحها، حبها له، أو كرهها لوجوده، ويذكر أن الحب المرضي للنوم قد يكون بسبب الرغبة في حالة السبات العميق كالجنين ببطن أمه، ودائما ما يدلل بالأمثلة على كلامه كذكره فيلم (جرافيتي) ووضع البطلة في المركبة الفضائية كالجنين بعدما استنفذت كل المحاولات للنجاة لكنها لم تستسلم ، وبأسلوب رشيق أنهى موضوعه بأن المياه لها طعم الحياة كما ذكر د.مصطفى محمود وأكمل الكاتب حكاياته الشيقة ليأخذنا إلى عنوان(أنت تكرهني إذن أنا موجود)
في إشارة منه إلى الأمراض الذهانية وهي الضلالات والشك والفصام والجنون وأن هذه الأمراض مصدر يستقي منه المريض فكرة وجوده، وغرض الكاتب هنا لَيْس التعريف بهذه الأمراض وإنما شرح مبسط لكيف أصيب بها المريض إشارة إلى علم السيكوباثولجي الذي يتناول الجينات الوراثية والتأثير الكيميائي على الإنسان الذي هو سبب من أسباب إصابته النفسية
والأمثلة على ذلك إنسان قرر يدفن نفسه من أجل مَن حوله بمعنى قتل مشاعره وحقيقته ووجوده كي يرضي الآخرين وهو واقع نعيشه للأسف بحياتنا وموجود بمجتمعاتنا العربية واسمح لي عزيزي القارئ من مراجعتي للكتاب أن أذكر مثال من الحياة وواقعي لأحد الآباء قرر تحطيم ابنته وقال لها :- نهايتك تتزوجي وتقعدي بالبيت ليس لك حق في التعليم
وفي رأي د، محمد طه أنه قتل للنفس الإنسانية وتدمير لها كما ذكر بأمثلته التي عددها لنا بالكتاب وكيف يؤدي هذا إلى أخطر الأمراض النفسية الصعب علاجها، وأن مَن تعرضوا لهذا هم تربة خصبة للمرض النفسي وقنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة
ودلل على ذلك بقول د.يحيى الرخاوي (الأمراض النفسية إما جنون أو دفاعات ضد الجنون)
بمعنى مَن يستطيع تَحَمُّل بيئته وظروفه سيصاب بالاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية ومَن لم يستطع سينفصل عن العالم بشكل لا واعي ليخلق واقع آخر يريد العيش فِيه في الخيال بأشخاص وهميين وينسج حكايات لا وجود لها، ومن أجل خطورة ما ذكره الكاتب ينصحنا ويوجهنا إلى ضرورة العيش كما نريد من حقنا أن نفرح وأن نشعر بقيمتنا وأن نحب ونعيش حياتنا بشكل طبيعي ، وينتقل بِنَا إلى عنوان آخر وهو موضوعه العاشر في ترتيب الكتاب (كرباج لازم ...وحبل المفروض )
وهنا يحدثنا الكاتب عن الوسواس القهري والرسائل المحملة بها النفس البشرية والتي أرسلت لها من الأشخاص حولها مثل رسالة
(إنت معملتش إللي عليك) من الأب أو الأم للإبن تجعل هذا الإبن دائمًا في حالة شك مستمر في نفسه وتأنيب ضمير وإحساس بالذنب وأشار هنا الكاتب إلى وجود مجموعة من اللوازم والمفروض التي يضخمها عقل المريض بسبب رسائل وصلته من الآخرين فتنشأ لديه وتعيش داخله الشخصية القهرية قد تكون بسبب التربية القاسية من الأبوين ووجه الكاتب إلى عدم استخدام الكرباج النفسي في معاملة الأبناء على حد تعبيره وضرورة سماحهم وتقبل أخطائهم وإلا سيتحولون لمرضى نفسيين
مشيرًا في ذلك بقوله (إحنا بني آدمين مِش ربنا) .....يُتبع التحليل والقراءة .