كان الأديب الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني يقول عن نفسه: "وإنّي لمجنون بالكتب، ولكن جنوني بما فيها لا بأشكالها وألوانها على رفوفها"، وكان أستاذنا المؤرخ محمد رجب البيومي يدخل مكتبته -وإن شئتَ قلت بيته- فيذهل عن نفسه ويلبث الساعات الطوال مع كتبه يناجيها ويغازلها، وقد رأيته يكتب مقالاته وبحوثه بين أوراق مكتبته ورفوفها المغبرة.
في الحقيقة لا زلتُ أذكر صورة بيته في ذهني، ولا تفارقني أبداً هذه الصورة، فقد كان بيته يختلف عن غيره من بيوتات الأدباء والمشتغلين بالعلم التي شرفت بمعرفة أصحابها والتردد عليها، ولعلّ سر هذا الاختلاف يكمن في كلمةٍ يسيرة، وهي أن أستاذنا البيومي كان يمتلك بيتاً في مكتبته بيد أن غيره من الأدباء والعلماء -ممن توثقت علاقتي بهم- يمتلكون مكتبة في منازلهم.
وكان العلامة الأديب المستشرق المجري الحاج عبد الكريم جرمانوس يكرر على عارفيه وأصحابه بمصر أن يبعثوا له بالكتب العربية التي يجدونها إرواءً لروحه المتعطشة للعلم والمعرفة، ويكرر هذه الكلمات: اعذروني إذا ما تحولتُ إلى شحاذ كتب، وسأظل أشحذ الكتب إلى أن أموت.
ولم يكن الأديب كامل السوافيري يجد حرجاً أو مذلة في طلب وشحاذة الكتب من أصحابها، ولئن كانت دور الكتب في كثيرٍ من الدول تفرض على مؤلفي الكتب وضع كتب إلزامية فيها فهو كذلك يطلبها ويستهديها منهم بوافر الحب والتعاون العلمي.
وذكر أستاذنا وديع فلسطين عن السوافيري أنه ربما يطلب تصوير كتب من بعض أصحابه ليست في حوزته، بل وصل به حالة عشق الكتب إلى أنه يريد تملك ما وقف عليه من مؤلفات ومستجدات معرفية، فكان أستاذنا وديع يخبره بأن اقناء كلّ أثر مطبوع نوعٌ من المستحيل، فيرد عليه قائلاً: إن واجبنا ما دمنا على قيد الحياة أن نلغي ما يسمى بالمستحيلات!
أنا من أنصارِ شحاذة الكتب واستهداء المؤلفات، فليس لدي مانع أن أبعث برسالة لمؤلفي الكتب ومصنفيها يزودوني بما استجدّ من مؤلفاتهم أو تحقيقاتهم، فإن يئست من ذلك طلبتها عبر الإيميل الإلكتروني مفصحاً لهم أنها خاصةٌ لي غير قابلة للنشر العام؛ لأني أعلم أن حقوق الطبع تكون محفوظة خصوصاً إذا كان الكتاب حديث نشرٍ؛ فإن الأمر يشتد.
ولطالما طلبتُ من أرباب الفكر كتباً يرسلونها إليّ فلم يبخلوا بها عني، وإنّي في هذه السويعة أتقدم بالشكر الجزيل لزملاء الدراسة وأصحاب المعرفة الذين يوافونني من حينٍ لآخر بالكتب المستجدة المحببة لقلبي والداخلة داخل اهتماماتي وإن لم أطلبها منهم، وهذا هو التعاون العلمي حقاً الذي لن تجده إلا عند أرباب المعرفة.