كان الأستاذ محسن مدرس التاريخ بالمدرسة الإعدادية مغرما بالتقنيات التكنولوجية الحديثة في التعليم موقنا أن التعليم في العصر الحديث قائما على الكيف لا الكم ومرددا دائما في حصصه وسط طلابه المثل الصيني :"لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد السمك" في إشارة إلى أن امتلاك أدوات البحث والمهارة في توظيفها أهم من استظهار المعلومات وحفظها عن ظهر قلب كما كان في الماضي ..
في إحدى الحصص شرح الأستاذ لطلابه عن المسرح المصري، وتحدث عنه بفخر قائلا :أن المسرح المصري يعد من أعرق وأقدم المسارح في العالم بالرغم من عدم شهرته عالميا حيث،تعود جذوره لأيام قدماء المصريين ،فلقد كانت العروض الفنية والموسيقية تقام في ساحات قصور الملوك والامراء ،وهذا ما أثبتته النقوش والرسومات التي تغطي مئات المعابد والمقابر الفرعونية المكتشفة ثم سأل طلابه :هل يستطيع أحد منكم أن يخبرني من هو رائد المسرح في مصر في عصرها الحديث ؟
فتح الطلاب هواتفهم الذكية وبدأوا في البحث ثم قال أدهم :إنه يعقوب صنوع يا أستاذ بحسب المراجع التي استند عليها البحث على المحرك "جوجل" وقد أطلق عليه الخديوي إسماعيل "موليير مصر" لدوره الكبير في النهوض بالمسرح المصري فبلغت عدد مسرحياته 32 مسرحية عرضها بين المسرح الخاص للخديوي في قصر النيل وبين مسرحه القومي ومن بينها مسرحية (آنسة على الموضة ) و(غندورة مصر ) و(الضرتان) وجميعها مسرحيات هزلية لكن حينما توجه للمسرح الجاد وعرض مسرحية ( الوطن والحرية ) التي تندد بصور الفساد داخل أروقة القصر الخديوي وتدعو للتغيير غصب عليه الخديوي وأغلق مسرحه وقضى بقية عمره في باريس ..
قال المعلم : بوركت يا أدهم ..ولكن هل تعلم أني وجدت بحثا جديدا يتحدث عن شخص آخر هو صاحب الفضل في المسرح المصري ؟!
قال أدهم : ولكن يا استاذ ..أعلم أن الأبحاث التاريخية تغلب عليها درجة كبيرة من الاستقرار النسبي ولا تتغير معلوماتها مثلما يحدث بالأبحاث العلمية التي قد تتغير فيها الحقائق كل ثانية مع المكتشفات الحديثة وتطور أدوات البحث وطرقه ..
قال المعلم : رائع يا أدهم ولكن العلم في كل المجالات وارد فيه التغيير والتعديل مع ظهور أدلة جديدة وفي المجالات النظرية كالتاريخ مثلا قد تتكشف حقائق جديدة تغير من الأمور المستقرة وتدحض مزاعمها وإن لم تكن بنفس سرعة أو كثرة الأبحاث العلمية الحديثة المعتمدة على المشاهدة والتجربة والتطبيق ..
قال حسام : وماذا يقول البحث الجديد يا استاذ عن رائد المسرح المصري الحقيقي ؟!
قال المعلم : لقد ظلت مسألة يعقوب صنوع الصهيوني النزعة والماسوني التوجه محور اختلاف بين الكتاب والباحثين فمنهم من شكك في وجوده من الأساس ومنهم من قلل من دوره وحقيقة الأثر الذي خلفه فلا وجود لأي اهتمام أو متابعة من معاصريه لمسرحه أو لمجلته "أبو نظارة زرقاء" أو حتى وجود لرسوم الكاريكاتير التي زعم في مذكراته أنه رائدا لها ..
والبحث الجديد الذي قدمه الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان يدعم التوجه الأخير وأن مسرحية (هيلانة الجميلة ) الفرنسية التي ترجمها الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي بأمر الخديوي إسماعيل هي أول عمل مسرحي عرض على أول مسرح حكومي رسمي بناه الخديوي إسماعيل وهو التياترو الفرنسي بالقاهرة عام 1868 م.
وبالتالي فنحن أمام أول تجربة تمصير للمسرح بأيادي عربية مثلها الشيخ المصري رفاعة الطهطاوي والأديب والشاعر اللبناني سليم خليل النقاش..
استطرد المعلم قائلا : أريد منكم الآن بحثا عن هاتين الشخصيتين .
قال أدهم : أنا استطيع الآن يا استاذ وفي لحظات أن آتي بمعلومات عنهما ..
قال الأستاذ: هل تستطيع يا أدهم أن تشرح لزملائك كيف ؟!
قال أدهم : ساستخدم في ذلك شات GPT-4 وهو الإصدار الجديد من نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوي التي تطورها شركة OpenAI، معتمدا على روبوت المحادثة ChatGPT..
قال المعلم : رائع يا أدهم متابعتك لكل جديد بالتكنولوجيا ..إنها لغة زماننا الحالي وعماد الزمن القادم وأتوقع لك مستقبلا باهرا..
اطلعني الآن ماذا قال لك ربوت المحادثة عن الشخصيتين ؟!..
قال أدهم : أما الشخصية الأولى فالشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الصعيدي المنشأ من مدينة طهطا فهو من الرعيل الأول للنهضة التعليمية بمصر وقد رافق البعثة الأولى التي أرسلها محمد علي باشا لفرنسا كإمام وواعظ ثم ما لبث أن أجاد اللغة الفرنسية وأصبح من رواد حركة الترجمة في مصر فوضع كتاب " تخليص الإبريز في تلخيص باريز " مقارنا حال مصر بمشاهداته بفرنسا وهذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث كما وضع كتاب "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية"...
أما الشخصية الثانية :سليم خليل النقاش فهو لبناني الأصل يجيد لغات ثلاث هي العربية والفرنسية والإيطالية وهو متعدد المواهب فكان مؤرخا وشاعرا وأديبا قضى نصف عمره ببيروت ثم انتقل بفرقته المسرحية إلى مصر ليستقر بها ومن مسرحياته التي مثلتها فرقته بالإسكندرية : «أبو الحسن المغفل»و «السليط الحَسُود» و مسرحية «مي وهوساس» و مسرحية «الظلوم»، ومسرحيةَ «عايدة» الأوبرالية التي ترجمها عن الإيطالية، كما عاصر أحداث الثورة العرابية ووضع عنها كتابه القيم «مصر للمصريين» أو «حوادث الفتنة العرابية» في تسعة أجزاء.
هنا علق المعلم قائلا :
وتعد الصحف التي تابعت وكتبت عن أعماله المسرحية في هذه الآونة خير برهان على ريادته ودوره كأول من أدخل الفن المسرحي العربي إلى مصر في عصرها الحديث وهو ما ينفي في الوقت ذاته الريادة المزعومة ليعقوب صنوع ..
شكر المعلم تلاميذه وفي مقدمتهم أدهم على هذه الجلسة العلمية والإفادة المشتركة التي تحققت عبر تبادل الآراء واستغلال وسائل البحث الحديث ..