د.علي أحمد جديد يكتب : الإنسان والعالم المعاصر

د.علي أحمد جديد يكتب : الإنسان والعالم المعاصر
د.علي أحمد جديد يكتب : الإنسان والعالم المعاصر
من البديهي تعريف العالم ككل بأنه الكون الذي نعيش فيه والكوكب الذي نحيا عليه ، وهو العالم الرحب والواسع . لكنه رغم حجمه الكبير واتساعه تحوّل إلى قرية كونية صغيرة بفضل تقنية الاتصالات وتطور المواصلات وسرعة الانتقال من أقصى الكوكب إلى أقصاه في فترة زمنية بسيطة جداً ، او بواسطة وسائل التواصل المتقدمة بصورة اسطورية وخيالية لم يكن من الممكن تصورها في القرون السابقة . لذلك بات عصرنا الحالي هو عصر العلم والتكنولوجيا والمعرفة غير محدودة الآفاق . 
لكن العلم والمعرفة والتكنولوجيا تقف عاجزة أمام تحديات الحروب والأزمات والتوترات الدولية وبات الانسان المعاصر  يعاني من الخوف الكوني ككل ، وصارت الحياة البشرية والأمن الانساني من أكثر المشاكل تعقيداً .
مما لاشك فيه أن انسان اليوم استطاع غزو الفضاء ، حتى والاقامة فيه فترات طويلة وهذا مايجعله يفقد صلته التدريجية بالكوكب الذي يعيش على معطياته وخيراته ، ويزيد من انفصاله عن الواقع ليدخل في دوامة اختلال نفسي واجتماعي تجبره على الشعور بالاغتراب والانسلاخ أكثر من أي وقت مرَّ على البشرية .
ورغم الرقي التكنولوجي والمعرفي اليوم إلا أنه من المسلَّم به أن التطور العلمي السريع والهائل لايتم تسخيره في حفظ أمن الانسان ولا في سعادته ورفاهيته دون الاحاطة به بخوف عالي الوتيرة وشعور بالفناء وشيك الوقوع في أي لحظة وفي كل لحظة . ومنذ أن استخدم الانسان المعاصر علومه المتطورة لإبادة أكثر من ثمانين ألف شخص ياباني خلال دقائق معدودة في هيروشيما ، والبشرية كلها تتوجس من الفناء الكلي في بضع لحظات مجنونة . إذ أن الانسان المعاصر قد استخدم ويستخدم التقدم العلمي المتسارع لتوفير أقسى وأبشع مايمكن ان يتصوره العقل من أدوات التدمير والفناء . ويقول (جوزيف كاميللري) في كتابه"أزمة الحضارة" الصادر عن وزارة الثقافة السورية عام 1983 :
  " إن انتقال الانسان من الحالة البدائية إلى التقنية الضخمة الحديثة جعله هشّاً قابلاً للعطب أكثر من ذي قبل ، لأن المكاسب العظيمة في المعرفة القيّمة بحدّ ذاتها والانتاجية كانت ذات أبعاد وفّرت له الضار من ادوات التدمير والعنف .وإن أزمة الانسان المعاصر عميقة جداً وشاملة جداً بحيث أن أي محاولة مهما كانت جادة لتحليلها(الازمة) تبدو تحدياً لقوة العقل البشري وتصوراته ، لأنها أزمة اختلال توازن تدفعه إلى تدمير قدرة الانسان على التكيف البيولوجي والثقافي مع بيئته وقد تمنعه أيضاً من الاستمرار في نقل الحياة إلى الأجيال القادمة ، وبذلك يضع الانسان حدّاً لدوره في سيرورة التقدم والارتقاء . والأزمة التي تواجه الانسان المعاصر اليوم هي ازمة بقاء " .
ومن ذلك نتبين أن مشكلة العالم اليوم أساسية ومحورية في الاهتداء إلى سبل ضمان التعايش السلمي بين التجمعات البشرية المختلفة أو البحث عن أساليب تضمن عدم فناء الجنس البشري بتحقيق السلام بين الدول والأفراد المنقسمين إلى اثنيات وطوائف ومذاهب لاتتقن سوى الصراعات وزراعة الأحقاد وتوريثها إلى آمادٍ قادمة وبعيدة ، رغم اختلاف الموارد والأجناس والتفكير الايديولوجي .
وتبقى أزمة السلام البشري هي من الخطورة والضخامة التي تدفع إلى اليأس والإفلاس من الوصول إلى الوعي والتفاعل بعيداً عن التطورات والتواصل من أجل تطوير أساليب وأفكار التعايش لضمان استمرار الحياة البشرية دون مخاوف او تهديدات وجودية .