ظللت لفترات طويلة أدقق «مفهوم» عظمة الله، وهل مفهوم العظمة يتفق أو يتعارض مع المهالك التي يتعرض لها العباد من قبل الله العظيم؟
وفي اللغة، العظمة هى ضخامة المكانة والقدر والمقدرة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن وصف العظمة الإلهية لا يمكن مقارنته بعظمة البشر، ذلك أن البشر تحده الكثير من القيود التي تحول دون اللانهائية أو المطلق سواء في القدرة أو المكانة.
من غير اللائق فهم العظمة الإلهية استنادًا إلى القياس البشري
والعظمة الإلهية غير محدودة؛ لذا من غير اللائق فهم العظمة الإلهية استنادًا إلى القياس البشري؛ فأنت لو اعتليت منبر العلماء وفاض علمك فقد تحظى بوصف العظمة، ولكن سوف تظل تحت قيد المحدودية؛ فهناك من علّمك وهو أعظم منك، وهناك من تفوق عليك، وهناك من ضاهاك في علمك.
نعود لفهم العلاقة بين العظمة الإلهية والمهالك البشرية التي يفرضها الخالق على مخلوقاته، وهل يتفق ذلك الابتلاء مع مفهوم العظمة؟
في الحقيقة، يلزمنا أولًا تحرير الذات الإلهية من قصور الفهم البشري لقدرات الله؛ فالعظمة وصف لقدرات الله وليست وصفا لسماته، وهنا يجب أن نفهم أن العظمة تعني مطلق القوة الفتّاكة، والبطش الشديد والجبروت المهلك، أما الرحمة والمغفرة والعفو والرأفة فهي سمات الخالق وليس قدراته.
إذن، هناك فرق بين السمات والقدرات.
الله استخدم قدراته في صياغة قوانين الوجود وفيزياء الكون
ولكن، كيف يتعامل معنا الله؟ وأين مجال إتيان العظمة الإلهية وأين مجال تطبيق السمات الربانية؟
لعل القراءة المتأنية لقصة الخلق عبر الكتاب الكريم تخبرك بأن الله استخدم «قدراته» في صياغة قوانين الوجود وفيزياء الكون ومعادلات الحياة بما فيها حركة الزمان المكان؛ فهو من أسس علاقة الحرارة بالجوامد والسوائل وكيف أن الدفء يبخر الماء ويتصعد سحابًا ليتنقل بديناميكية الهواء ليمطر ويسقى أرجاء أخرى، وأوجد جاذبية الأرض لتستقر الموجودات عند نقطة الصفر وهي مركز الأرض حيث صفر الجاذبية، وتباعًا أصبح لكل مرتفع طاقة كامنة تكفي لعودته للأرض وإلا لتناثرت الموجودات في الفضاء الفسيح.
بعدما أسس الله وأوجد هذه المعادلات، أخبرك في قرآنه بأنه أتم نعمته عليك، وترك لك حرية إتيان كل الأفعال، فبعدما أوجد علاقة البويضة بالحيوان المنوي وفسيولوجيا التزاوج وبناء وتخليق الأجنة، ترك لك الأمر لتؤتي مرادك ضمن معادلات تسيير الحياة.
إذن معادلات الحياة ونتائج الأفعال هي موضع التسيير، أما ما تقرره وفق مرادك فهو ضمن التخيير؛ لذا كل فعل ترغبه أو تؤتيه هو ضمن نطاق اختيارك، فأنت من يقرر الزواج من عدمه، استقبال حمل الزوجة أو تأجيل الإنجاب، السفر بالطائرة أو السيارة أو إلغاء السفر، التداوي من المرض أو إهماله، جمع المال أو إساءة استخدام قدراتك، الانخراط في التعلم أو البقاء في دائرة الجهل.
الزلازل تحدث بسبب نقل كتل المادة في أي صورة
الكوارث البشرية من صنع الإنسان؛ فالتغير المناخي من فرط استخدام الوقود الأحفوري وتوابعه من احتباس حراري وسيول وتسونامي هو نتيجة لفعل الإنسان بقوانين الفيزياء التي أسسها الخالق.
حتى الزلازل، تحدث بسبب نقل كتل المادة في أي صورة، فبناء المدن وتجريف الصحراء بهذه الأوزان الهائلة ونقل ملايين الأطنان من الإسمنت من أماكن أو دول إلى أخرى أدى إلى ارتباك مركز الثقل في كتلة الأرض، وما الزلازل إلا إعادة تعيين مركز الثقل.
هذه الظاهرة معروفة عندما يتآكل جزء من محيط إطار سيارتك بسبب المكابح فتحدث الرجفة «الغربلة» في عجلة القيادة (الزلزال) ولا حل للمشكلة إلا بترصيص الإطار بوضع بضعة جرامات من الرصاص لتعويض ارتباك الإتزان الحادث بسبب تآكل الإطار.
الكورونا والأوبئة الأخرى ليست انتقامًا من الله؛ فهذه الأحداث لا تتفق مع مبدأ الحساب المؤجل ليوم القيامة، وأنت السبب في مرضك وليس الله (وإذا مرضت فهو يشفين) لاحظ أن حدوث المرض منسوب إليك لا إلى الله.