عندما سألوا العقاد، هل الفنون الجميلة ضرورة من ضروراتِ الحياة؟ أجابهم قائلاً... بمقدورنا العيش بدون مَلكة النظر سبعين عامًا دون أن نهلك، ولكننا لا نقدر أن نعيش سبعين يومًا دون الرغيف! ولم يقل أحد لهذا إن الرغيف أهم من البصر، وبتقييم السوق فالرغيف أرخص من الكتاب، والتمثال أغلَى من الثوب، إذاً فقيمةُ الشيء لا تتعلق بقدرالحاجة إليه، بل بقدر ما سنصبح عليه إذا ما نجحنا في تحصيله، فتحصيلنا للرغيفَ سيساوينا بسائر الأحياء، ولكن تحصيلنا الجمال لا يجعلنا أحياء وحسب، بل يجعلنا بشرًا ممتازين فى أمة ممتازة، تحس وتحسن التعبيَر عن إحساسها ... ( إنتهي كلام العقاد) .
لو صح ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى، عن اعتزام البعض ممن لديهم دراية بموضوع «اللعب» فى الأصوات لإنتاج أغانٍ جديدة «مخترعة» باستحضار أصوات بعض مطربينا الراحلين فالأمر جد خطير، يجب الالتفات إليه ومقاومته، بل وأد الفكرة فى مهدها بسبب عدم فائدتها، كونها لن تضف جديدًا إلى تراث الراحلين، وانما ستخصم من أرصدة المبدعين، أم كلثوم الله يرحمها وعبدالوهاب وعبدالحليم وفريد وغيرهم الكثيرين، أثروا حياتنا وشكلوا وجداننا بكل ما قدموه من فن جميل، فلماذا يصر البعض عن عمد، أوعن غيرقصد على تشويه كل أصيل وتقبيح كل جميل؟! هل حالة الفقر الفنى التى يتحدثون عن وجودها، والافتقارإلى وجود أصوات جميلة أو حناجر معبرة هى التى دفعتهم إلى الإقدام على فعل هذا؟ أم أنهم أرادوا أن يثبتوا للآخرين أنهم «شُطار» فى موضوع تركيب الأصوات وعباقرة فى استخدام التكنولوجيا وعفاريت فى الذكاء الاصطناعى؟! أنا لست معاديًا للتكنولوجيا ولا معارضًا للتطور، ولكنى من المؤمنين بأن لكل شىء من الأشياء التى نستخدمها كأحياء، وجهًا نافعًا ومفيد وآخر مضر ومؤذي وأحيانًا مبيد!، وبأنه إذا زاد الشىء عن حده فإنه سينقلب إلى ضده، إذا دخلت التكنولوجيا إلى حياتنا لتسعدنا وتساعدنا وتيسر علينا بعض الصعاب وتهون علينا بعض المشاق فأهلًا بالتكنولوجيا ويا ميت مرحب بالتطور، ولكن إذا ما تدخلت فى حياتنا من أجل إفساد الأصيل وتشويه الحسن وتقبيح الجميل فبناقص خالص من التكنولوجيا ويغور فى داهية التطور، إذا كان الذكاء الاصطناعى هيستحضر لنا صوت الست «اللى ماتت من ٤٨ سنة» علشان تغنى لنا أغانى جديدة الله أعلم بكلماتها يبقى مبروك عليكم الذكاء «خليهولكم وسيبوا لنا احنا عقولنا زي ما هي»!
ما الذى سنستفيده إذا ما نجحتم فى استحضار صوت الست؟ ما الذى سيعود علينا إذا حتى حضّرتوا لنا روحها؟! متهيألي ولا شيئ ...
فى عمرى الفائت كله، لا أذكر أننى قد أُعجبت يومًا أو تفاعلت أو صفقت لأى من الأشخاص الذين منحهم الله القدرة على تقليد الأصوات واستغلوها بدورهم فى تقديم الاسكتشات، وقد شاهدتهم كثيرًا فى الحفلات واستمعت إليهم فى الإذاعات «خاصة فى برنامج مسرح المنوعات» الذي كان يقدمه الإذاعي علي فايق زغلول "الله يرحمه" علي إذاعة البرنامج العام، ظهروا مرارًا على الشاشات وشاهدتهم وأنا صغير ولكنى لم أُعجب بأداء أحدهم، لأنهم ومع الاحترام الكامل لشخوصهم، والتقدير الشديد لموهبتهم، والإجلال الوافر لجهدهم واجتهادهم فى إتقانهم «للتقليد»، لم يفيدوني بشيئ ولم يقدموا أى جديد، قلدوا صوت محمد رضا وكمال الشناوى واستيفان روستى وغيرهم وغيرهم، شاهدهم الناس وصفقوا لهم، وشاهدتهم أنا ولم أصفق، لأنه هنالك حقيقة تقول إن الذى يموت لا يمكن أن يعود! إذا نجحت التكنولوجيا فى استحضار صوت الست أو حتى تحضير روحها، فلن يفيدنا هذا فى شيئ، لقد رحلت السيدة إلى رحاب ربها فاذكروها بالخيرولا تعبثوا بتراثها، اقرأوا لها الفاتحة إن استطعتم ودعونا نستمع إلى أغانيها القديمة ونقول الله يرحمك يا ست، ادعوا لها مثلنا أواتركوها وشوفوا لكم حاجة مفيدة اعملوها.
حفظ الله بلدنا وأعانكم وأعاننا.