حتى قبل أن يهل علينا الشهر الفضيل شهر رمضان، تسبقه أغاني خاصة به تشعرنا جميعاً سواء في مصر أو في الوطن العربي ببهجة هذا الشهر الكريم لدرجة أنها صارت رمزاً له وأيقونة من أيقونات التعبير الفني لواحد من أهم شعائر المسلمين.
وكثيرة هي الأغاني التي تمدح وتعبر عن شهر رمضان ولكن أهمها واشهرها:
• وحوي يا وحوي للفنان أحمد عبد القادر وكلمات حسين حلمي المانسترلي وألحان أحمد عبد القادر.
• رمضان جانا للفنان محمد عبد المطلب وكلمات حسين طنطاوي وألحان محمود الشريف.
• أهو جه يا أولاد أهو جه يا أولاد للثلاثي المرح وكلمات نبيلة قنديل وألحان الموسيقار علي إسماعيل.
• دويتو الراجل ده هيجنني للفنانة صباح فؤاد المهندس وكلمات حسين السيد وألحان محمد الموجي.
• مرحب شهر الصوم مرحب للفنان عبد العزيز محمود وكلمات محمد علي أحمد وألحان عبد العزيز محمود.
ووراء كل أغنية من الأغاني الأشهر والأهم حكاية تحكي عنها وعن صاحبها واول الحكايات بدأت عام 1927م مع:
أغنية وحوي ياوحوي
مؤلفها حسين حلمي المانسترلي الذي كتبها لتغنيها الراقصة "عزيزة حلمي" وتطبعها لها شركة بيضافون على اسطوانات وكان مطلعها:
وحوي وحوي إياحا
البنت الخفة الفلاحة
وفإيدها خوخة وتفاحة
ماسكة الفانوس احمر وأخضر
ماشية تغني وتتمخطر
وبعد انطلاق الإذاعة المصرية عام 1934م وتحديداً في عام 1937م أراد حسين المانسترلي أن يقدم اغنيته للإذاعة بمناسبة حلول شهر رمضان واختار أحمد عبد القادر ليغنيها لكن أحمد عبد القادر وهو المنشد وقارئ القرآن بمسجد سيدنا الحسين رفض الكلمات وطلب من صديقه حسين المانسترلي أن يغير الكلمات وإن أعجبته قام بغنائها في الإذاعة وبالفعل وافق حسين المانسترلي على تغيير الكلمات مع الاحتفاظ بمطلعها فكتب:
وحوي وحوي إياحا
رحت يا شعبان اياحة
جيت يا رمضان
هل هلالك والبدر أهو بان
ياللا الغًفار ( أي المستغفرين بالأسحار )
شهر مبارك وبقاله زمان
ياللا الغًفار
وبالفعل استحسن بساطة كلماتها أحمد عبد القادر وعهدت الإذاعة بالملحن "أحمد الشريف" بتلحينها ليتم بثها في الإذاعة أول أيام رمضان عام 1937م، وتبيع اسطوانتها في عام واحد 1937م – 1938م نصف مليون اسطوانة، فمن هو أحمد عبد القادر الذي خلدته أغنية رمضانية أيقونة عمرها يقترب من مائة عام؟
والمطرب أحمد عبد القادر من مواليد عام 1910 محافظة الشرقية ولكنه ترعرع في محافظة المنيا وكان يغنى فى من عمر الثامنة عن طريق حلقات الذكر والإنشاد، ثم انتقل بعد وفاة والده للقاهرة مع عائلته عام 1927م، وهناك تعرف على احمد بك سرمد الذي نظم له اولى حفلاته على مسرح الأزبكية عام 1928م أمام النحاس باشا حيث غنى من كلمات بديع خيري وألحان زكريا أحمد رايتك الخضرا يا مصر المستقلة وكان من بين الحضور مصطفى بك رضا الذي أعجب به وضمه لمعهد الموسيقي العربية لدراسة الموسيقى لينطلق مشواره الغنائي والموسيقي في عالم الشهرة والفن، وعند افتتاح الإذاعة الأهلية عام 1934 كان من الذين افتتحوها بصوته وفى عيد الفن عام 1980 تم منحه جائزة الجدارة، ورحل فى 21 يوليو 1984. وهو أول ملحن مصري يضع كتاباً في تأليف العود.
أما عن الموسيقار أحمد الشريف فهو من مواليد العشرينيات وعمل مطربًا وملحنًا في كازينو بديعة مصابني ولحن الاسكتشات وكان يلحنها ويغنيها بعد اعتماده فى الإذاعة ورحل فى 5 يونيه عام 1966.
أما الشاعر حسين حلمى المانسترلي، كان يعمل بوزارة المعارف آنذاك، والمالك لقصر المانسترلي بمنيل الروضة، حيث كان يخصصه لإقامة منتدى للفنانين، والذى تحول بعد وفاته لمتحف يضم مقتنياته.
أما الأغنية الثانية والتي يقول مطلعها رمضان جانا
حكى الإذاعى الكبير وجدى الحكيم أن فى منتصف الأربعينات، كان تأثير الحرب العالمية الثانية يلقى بظلاله على حالة الكساد فى كل المجالات ومنها الفن حيث أغلقت الكازينوهات وتأثرت السينما، ولم يكن للمطربين والفنانين ملجأ ومصدر للرزق سوى الإذاعة يأتى إليها الفنانون ليختاروا كلمات المؤلفين.
ومن ضمن هؤلاء الفنانين كان الفنان محمد عبد المطلب الذي كان يحتاج بعض الأموال، وكانت أغنية رمضان جانا مقررًا أن يغنيها المطرب أحمد عبد القادر صاحب أغنية "وحوى يا وحوى"، ولكن الإذاعة رفضت، فقرر التنازل عنها لعبد المطلب، الذى وجدها فرصة توفر له ما يحتاجه وهو مبلغ 6 جنيهات هى قيمة أجره عن الأغنية التي اختارها وسجلها فى نفس اليوم 2 رمضان عام 1943، لاحتياجه لمبلغ الستة جنيات قيمة أجره عن غنائها وحيث ظل فخورًا بها حتى وفاته.
والفنان محمد عبد المطلب، من مواليد قرية شبراخيت محافظة البحيرة، فى 13 أغسطس عام 1910، وكان والده عبد العزيز الأحمر تاجرًا بسيطًا، وكان ترتيب محمد عبد المطلب الخامس بين إخوته، وقد حفظ القرآن الكريم فى كُتَّاب القرية، وكان يهوى الغناء ويغنى فى المزارع والحقول، فشجعه إخواته وأهله على أن يؤذن للفجر فى القرية، حتى قرر عمه "لبيب الأحمر" الذي كان يعمل موظفاً بوزارة الأشغال بالقاهرة أن يصطحب ابن أخيه محمد عبد المطلب معه وفي القاهرة تعرف على عدد من الفنانين، وعمل مذهبجى فى كورس الفنان محمد عبدالوهاب، ثم فى كازينو بديعة مصابنى وكانت بداية نجاحه عندما غنى في عام 1938 م أغنية بتسألينى بحبك التى لحنها له رفيق عمره الملحن محمود الشريف، التي حققت الأسطوانة نجاحا كبيرا، وبعدها توالت نجاحات عبدالمطلب وتعاون مع كبار الملحنين والمؤلفين، وحصل من الرئيس السادات على وسام الجدارة وتوفى في نفس شهر ميلاده شهر أغسطس ولكن في عام 1980م.
والأغنية الثالثة والتي يقول مطلعها أهو جه يا أولاد أهو جه يا أولاد:
غنتها فرقة الثلاثي المرح وتمت إذاعتها لأول مرة عام 1959، بعد أن مرت بمراحل عديدة، أولها عرض كلمات الأغنية التى كتبتها الشاعرة نبيلة قنديل، زوجة الملحن على إسماعيل، على لجنة النصوص بالإذاعة، وبعد إجازة النص، قام الموسيقي محمد حسن الشجاعي، الذى كان مشرفًا على الإنتاج الإذاعي وقتذاك، باختيار تلحين الأغنية للموسيقار على إسماعيل الذي رأى أنه يجب أن يغنيها مجموعة وليس مطربا واحدا، وبالفعل وقع اختياره على الثلاثى المرح لغنائها، واستغرق تسجيلها ساعتين وقد حصل الملحن على إسماعيل، على 20 جنيها، أجر تلحين هذه الأغنية، بينما حصل الثلاثى المرح على 140 جنيهًا، وبعد نجاحها الكبير حرصن على تقديم أغنيات أخرى لشهر رمضان، ليكون بمثابة ميلاد لأغنيات أخرى، منها "افرحوا يا ولاد، وسبحة رمضان، وافرحوا يا بنات". والثلاثى المرح هن “وفاء محمد مصطفى، صفاء يوسف لطفي، سناء الباروني شقيقة الفنانة سهير الباروني، والثلاثة كن يدرسن في معهد الموسيقي العربية، ويعود الفضل للملحن علي إسماعيل الذي تبناهن ومنحهن اسم “الثلاثي المرح وقد بدأت مسيرتهن من خلال الظهور ببعض برامج الإذاعة حيث تم اعتمادهن من الإذاعة المصرية في عام 1958.
أما فاكهة الأعمال الفنية التي أحبها العرب جميعاً فهي الدويتو الرائع الراجل ده هيجنني:
غنتها الفنانة صباح مع الفنان القدير فؤاد المهندس وهو عمل فني اعتبره الجميع علامة من علامات الشهر الكريم، وهو من كلمات حسين السيد ولحن محمد الموجى، ومن إخراج محمد سالم، وتم أناجه عام 1961م وتقول صباح عن حكاية هذا الدويتو بأنها كانت تزور فريد الأطرش في منزله، والتقت بالشاعر حسين السيد، الذي قال لها أن لديه أغنية جديدة عن رمضان وبالفعل تعجب صباح بالأغنية على الرغم من اعتراض بعض الأصدقاء ولكنها تمسكت بها بشدة لثقتها في حسين السيد، وأعطيتها للملحن محمد الموجى ، وطلبوا من الفنان فؤاد المهندس أن يشارك فيها فوافق واتفق الجميع على أن يخرجها للتليفزيون المخرج محمد سالم حيث نجحت الأغنية نجاحًا مذهلًا"، مما دفع المخرج محمد سالم ومؤلف وملحن الاغنية إلى استثمار هذا النجاح في إسكتش آخر حمل تيمة مختلفة وحمل اسم “الراجل ده حيجنني – الجلابية” مع نفس الثنائي صباح وفؤاد المهندس وبنفس اللحن ولكن بكلمات مختلفة تناولت موضوع لبس فؤاد المهندس الدائم للجلابية وتشجيع الرجال علي ترك لبس الجلباب وقد حقق هذا الدويتو عام 1963م نجاحاً كبيراً ولكن ليس بحجم نجاح النسخة الرمضانية.