يس العيوطي يكتب : ترامب فى الزنزانة؟

 

هذا هو أمل الكثير من الأمريكيين. كراهيتهم له أصبحت صناعة رائجة. ولكن الرئيس الأمريكي السابق يتبختر فوق المنصات، ترافقه طائرته الخاصة المزينة باسمه بالخط العريض TRUMP . وتعلن رابطة عنقه الحمراء الطويلة ومشيته الواثقة بل أقول المتعجرفة أنه لا هموم لديه، يطارده القانون في معظم الولايات. ولكنه يطارد مطارديه بأقذع الألفاظ.

 إن كان اسمك مثلاً سانتوس وهو اسم حاكم فلوريدا، يغيره ترامب إلى سانتومونيوس. 

ويرد عليه خصومه بنفس الطريقة، وعلى رأسهم رجل الكنيسة الأسود شاربتون Sharpton. أعطاه اسماً مضحكاً وهو هامبتى ترامبتى". 

وفى هذا إشارة الى قصة خيالية وضعت شخصاً اسمه هامبتى على حائط عال وكان يقع دائماً على الأرض فتصيبه العديد من الكسور. 

غير أن ترامب الحقيقي له كاريزما يعجز عن تفسيرها الوصف أو التصنيف وهنا تتعدد الأسباب. 

أولهما أن المناخ السياسي الأمريكي قد غمره صقيع المهاترات. شعب أصبح يميل إلى فقد الثقة بنفسه وبحكومته. 

ودونالد ترامب لم يزد على أنه استغل هذه الظاهرة ظاهرة الثورة المدنية والعصيان المدني.

 هو يبغض القانون والمؤسسات، هو لا يقرأ. 

هو يستعين بمؤسسة اخبارية هامة اسمها فوكس نيوز تكذب علناً وتتباهى بصناعة الكذب قائلة: 

الجمهور يحب الإشاعات، والاشاعات تروج لنا ويأتينا الذهب عن طريق الكذب. وعوقبت بسبب الكذب بغرامة 2 بليون دولار.

انهالت على ترامب معاول الهدم والسخرية، فزادته سمعة وانبثاقا جماهيرياً يقدر الآن بما لا يقل عن 80 مليون من الناخبين والناخبات، غالبيتهم من البيض، ومنافسوهم والكارهون لهم من السود واللون البنى. كاريزما ترامب لا يسهل تفسيرها، ما هي علاقته بالعالم الثالث، أو عالم الجنوب؟ الاحتقار وتسديد سهام الشتائم التي تنهال من فمه وحركات يديه، بل ومن شعره الأصفر دون هوادة. أعلن كراهيته للمسلمين والإسلام. وأوقف الهجرة من العديد من البلدان ذات الغالبية الإسلامية. قال في هذا الصدد: 

باسم الجحيم!! علينا أن نوقف هؤلاء الناس من الوصول إلى شواطئ أمريكا قبل أن نخسر امريكا لهم. 

كنا ننتظر انتفاضة إسلامية ضد هذه الاسلاموفوبيا الساخرة، والغريب فى كل هذا أن حدث العكس. 

أوفد زوج ابنته إيفانكا، واسمه جاريد كوشنر لمقابلة محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية، وعاد كوشنر اليهودي بحقيبة ملؤها 2 بليون دولار ساعدته على الهروب من إفلاس استثماراته العقارية فى نيويورك. ولماذا هذا السخاء السعودي؟ لا تفسير لهذا سوى أن عقلية بن سلمان وعقلية كوشنر تتلاقيان على صعيد واحد وهو أن البيت السعودي يرى احتمال عودة ترامب الى البيت الابيض. وهو حلم وأمل لا يستندان الى واقع محقق. السعوديون ينفقون بالبلايين أملاً فى اكتساب محبة النظام الأمريكي لهم، ومن ثم ليس أمام ترامب سوى الإعلان عن أنه سيدخل الانتخابات الرئاسية عام 2024. إذاً الـ2 بليون دولار هو عربون لتعاطف لابد من اعتباره في حكم الرشوة، وفى حكم المقامرة في مدينة لاس فيجاس. 

في معظم بلدان العرب البترولية، المال هو الحل، بدلاً من المقولة القديمة وهى الإسلام هو الحل. الاسلام عقيدة والمال وديعة. والعقيدة في القلب، والوديعة في البنك. لا تستطيع أن تحصى العقيدة، ولكنك تستطيع أن تحصى الوديعة عددياً. ولا رقيب ولا محاسب، برهاننا على هذا هو "قطر". قطر فازت باستضافة المباراة العالمية لكرة القدم في أراضيها القاحلة الرملية، ولكن الذهب القطري تمكن من تغطية الرمال الصفراء (أصفر على أصفر) وجعلها ملاعب على المستوى العالمي. وكيف حصل هذا؟ أنفقوا 22 بليون دولار لتجهيز الملاعب والفنادق والمطاعم. هذا غير الرشاوى التي دفعوها لرؤساء الفيفا وارتفع العلم القطري (ذو اللون الأحمر المثلث على خلفية بيضاء) يتأرجح على رياح الرشوة والنفاق وإهدار ثروات الأمة العربية. 

يا ترى ماذا يمكن أن تصنع 22 بليون دولار لو استثمرت فى تحويل الجزيرة العربية من رمال تحتها بترول إلى مجتمع صناعي؟ وما هو مستقبل تلك البلاد الثرية مؤقتا بعد زوال عصر البترول في أقل من مائة عام؟ وما هو مستقبل المرأة العربية في ظل هذه الحماقات التي تمنعها من المشاركة في تنمية المجتمع بالمساواة مع الرجل؟ وأين حقوق الانسان بالنسبة للعاملين من ابناء آسيا الفقيرة مثل بنجلاديش والفلبين؟ هم الأرقاء الذين صودرت جوازات سفرهم بمجرد وصولهم إلى دول البترول العريقة ساعين وراء ارسال مرتباتهم الى عائلاتهم في الشرق الأقصى. 

السخرة هي معيار تعامل دول البترول مع فقراء المشرق. لفظ "حقوق الانسان" يعاد تفسيره الى "عقوق المهاجرين إلى الدول المضيفة. وقد اتضح أن قنصليات تلك الدول لا تعير الشكاوى عن أبنائها وبناتها اي اهتمام. إن انهك العمل الأجير الأسيوي فهذه في حد أعرافهم "مشيئة الله" وإن اغتصبت خادمة من الفلبين، فهذا ذنب الضحية. وإن قتلت فلا شهود. 

وبالمقارنة مع المهاجرين الى فرنسا وايطاليا والسويد وانجلترا. هذه دول حقوق الانسان. ولذا يركب المهاجر سفناً ليست لها أهلية الابحار هرباً من الدول الجنوبية. يتعرض للموت، بل ويناله حين غرق تلك السفن غير المؤهلة، بدلاً من واقع الجوع والفقر والمرض والجهل فى بلاده. 

هل رأيت أفواجا من الأوربيين يهربون جنوباً إلى بلدان غير نامية فى الجنوب؟ لا. ومع هذا يحاول المهاجر إلى فرنسا أو فلندا فرض أساليبهم وبراقعهم على الدولة الأوربية المضيفة مستخدمين احترام حقوق الانسان في تلك البلدان كسلاح ذي حدين: "أطعمني وأنا سيدك!". هذا الواقع وهذا التناقض لا يغيب عن ذهن ترامب ولاعن ذهن كوشنر وفى جعبته 2 بليون دولار هدية، بل رشوة، من بن سلمان. رقص ترامب بالسيف مع بن سلمان، وأمسك به بطريقة هزلية، وأخذ يهتز مع المشاركين في رقصة "العرضة السعودية" وهو غير مطمئن لحركات جسمه الممتلئ. ويدرك ترامب أن الظواهر أكثر مصداقية من البواطن. وينقل خبراته في عالم البترول إلى العالم الأمريكي. وتناسى العرب عداء ترامب للإسلام، إذ هو معصوم من الانتقاد، بل قد يعتمد على المقولة: "ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب". ونظراً لأن العالم العربي لا يفقه الكثير عن الدستور الأمريكي والقوانين الأمريكية، يجول ترامب ويصول في العالمين العربي المحتاج الى عودته الى البيت الأبيض والأمريكي المحتاج الى رئيس سابق يجسد مخاوفه من المستقبل ومن الجنس الأسود. عصمة ترامب من المساءلة القانونية في أمريكا ترجع الى إيمانه بأنه فوق القانون. وقد يثبت العكس يوم 30 مارس كما نذكره أدناه.

وحتى إذا أردنا إعادة القانون الأمريكي إلى نصابه، نجد ترامب أسبق منا جميعا في استخدامه لمبدأين رئيسيين: الامتياز التنفيذي Executive privilege وامتياز العلاقة بين المحامي وموكله Attorney Client Privilege ما معنى هذه التعبيرات الغامضة التي يلجأ إليها ترامب بذكاء المافيا لكى يظل طافياً على السطح، رافعاً أصابعه فوق أنفه احتقاراً للرأي العام؟ إن كنت رئيساً للجمهورية، فلك الامتياز التنفيذي طيلة إقامتك في البيت الأبيض. لست مطالباً بالإفصاح عن أية مناقشات دارت بينك وبين الآخرين. وإن دارت مناقشات بينك وبين مستشارك القانوني، فليس لأحد أن يمزق الستارة التى تدور وراءها تلك المناقشات. هذه هي القواعد. ولكن ترامب لا يؤمن بتلك القواعد. يقول: أنا القانون. ولا يستطيع أعدائي الوصول إلىّ مهما اقترفت من الجرائم بما في ذلك الرشاوى والهدايا من البلدان العربية. ماذا عن قانون الشئون الرئاسية؟ Presidential Affairs Act الذى يقول: 

كل هدايا للرئيس فهي هدايا للولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن ترامب لا يؤمن بهذا. حتى الوثائق الرسمية التي يجب أن تحفظ في الارشيف الرسمي National Archives يحتفظ بها ضاربا بالقانون عرض الحائط. كل مايقع تحت يديه فهو ملكه، بحسب خرافاته.

إلا أن وزير العدل الأمريكي ميريك جارلاند Merick Garland يصدح بأغنية: "لا يوجد إنسان في أمريكا فوق القانون، ماذا يفعل إزاء ترامب الخارج على القانون؟ 

إن اعتقله، خرجت الملايين دفاعا عن الإله الزائف ترامب استجابة لصراخه "أنا الضحية. أنا لست عدواً. إن القانون بما في ذلك إدارة المخابرات الفيدرالية FBI هم اعداؤك". ولكل هذه الأكاذيب آذان صاغية ومنظمات يمينية مثل "المحافظون على القسم" The Oath Keeper. ومنظمة "الجدعان الفخورون" – “Proud Boys”

هاجموا مبنى الكونجرس استجابة لنداء ترامب: أنقذوا أمريكا". كان ذلك في 6 يناير 2021. وقامت الدنيا الأمريكية وقعدت، ولم تختلج أية عضلة في جسم ترامب الممتلئ، ولم تتزحزح أية شعرة من شعره الأصفر. قال أصحاب اليمين الأمريكي: 

"إن الذين هاجموا الكونجرس لم يكونوا سوى سواح مسالمين جاءوا لزيارة معقل الديمقراطية الأمريكية"، سبحان الله!! رأينا فى التلفزيون الجماهير من أنصار ترامب يقتلون رجال الشرطة ويضربون الآخرين بسارية العلم الأمريكي، بل أيضا بسارية علم الانفصال الجنوبي العنصري. فلا تصدق عينيك، صدق ترامب. هذه فيديوهات مزورة، واليقين في جانب ترامب!! لذا لجأ وزير العدل الأمريكي إلى تعيين محقق خاص اسمه Jack Smith لتحريك الدعاوى القانونية ضد ترامب وتجريمه واحتمال وضعه خلف القضبان. ومازال ذلك المحقق الخاص يحاول صياغة قضية لعرضها أمام المحلفين لأحقاق العدالة في امريكا حيث "لا أحد فوق القانون". ولكن لكل لعبة آخر ونهاية. مثلما تضح يوم 30 مارس 2023.

وجد المحققون أن ترامب قد دفع رشوة بمقدار 130000 دولار لعاهرة اسمها ستورمي دانييلز لإسكات صوتها حين كان مرشحا لرئاسة أمريكا عام 2016، وكان محاميه، مايكل كوهين، هو الذى دفع ذلك المبلغ، وعوضه ترامب بمبلغ مماثل. ووقع ترامب على شيك التعويض الذى رأيناه في التلفزيون. 

هنا وجد المحقق الخاص باباً جانبياً لتجريم ترامب. بل إن رجال القانون في ولاية نيويورك وجدوا أن لابد من تجريم ترامب لأن الرشوة قد تم دفعها في ولاية نيويورك. وأعلن المدعى العام في منهاتن وهو رجل ضخم أسود اسمه ألفين براج أن الوقت قد حان لوضع الأغلال في يدي ترامب، إن علناً أو سراً. وترامب هو سيد الشتائم. صاح قائلاً "هذا مجرم أسود، يحاول استخدام القانون سلاحاً ضد الشعب الأمريكي". بل وظهرت لترامب صور شوهد فيها وهو ممسك بمضرب كرة البيسبول تعبيرا عن رغبته في قتل براج بذلك السلاح الخشبي. وفى نفس الوقت سافر ترامب بطائرته الخاصة الى مدينة واكو WACO في تكساس حيث دارت مواجهة مسلحة بين أنصار مجموعة من الدراويش المسيحيين وبين جهاز المخابرات الفدرالية FBI الأمريكية. 

ومات فيها هؤلاء الدراويش إذ فضلوا أن تحرقهم النار على التسليم للسلطات. كانت هذه إشارة مروعة لترامب لأنصاره بأنه يدعوهم إلى التظاهر لأن "الدولة العميقة تحاول اختطاف أمريكا من أصحابها الشرعيين وهم الجنس الأبيض المسيحي. هل تنجح المناورة الترامبية؟ الله أعلم. هل نرى ترامب يدخل الزنزانة؟ محتمل!!. ما هو مستقبل اليمين الأمريكي في عصر بايدن الذى مازال ترامب وأنصاره يرفضون شرعية حكمه؟ الله أعلم. 

ترامب يؤمن بأن أي انتخابات لم ينجح فيها، هي انتخابات مزيفة، ونتائجها مزيفة. وقال علنا: 

"إن نجاحي مؤكد دائماً. ولذا سأدخل الانتخابات الرئاسية عام 2024 وسوف أعود إلى البيت الأبيض".

 وحتى الآن لم يعلن بايدن عن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية باسم الحزب الديمقراطي. قال ترامب، حينما نجح بادين فائزاً بالبيت الأبيض عام 2020 "أنا لا أصدق أن ذاك الرجل فاز على". وحينما ذكر الصحفيون له هذا التصريح، نفاه ترامب، وقال: هذا كذب والصحافة ضدي. ولكنني أنا الرئيس القادم. 

وسئل نائب ترامب، نائب الرئيس السابق واسمه مايك بنس عن نواياه في الترشح ضد ترامب، قال وشعره الأبيض يهتز فوق رأسه: "هذا أمر متروك للظروف. ومازال عام 2024 بعيداً عنا. وهكذا يصدق المثل العربي القائل: ويأتيك بالأنباء من لم يزود. أي أن ناقل الخبر قد لا يكون محل ثقة. وهذا هو ما يؤمن به ترامب دائماً. إشاعة عدم الثقة هي سلاحه النووي. لقد هدد ترامب بأن اعتقاله سيؤدى إلى "الموت والخراب".

يقول الشاعر العربي:

"ضاقت فلما استحكمت حلقاتها.. فرجت وكنت أظنها لاتفرج"

جاء الفرج فعلاً. لا على يد سلطات الأمن والقانون، ولكن من باب خلفى، باب العاهرة ونجمة تلفزيون الفساد الأخلاقي ستورمي دانييلز. الـ 130.000 دولار التى دفعت لها لتغلق فمها على علاقتخا مع ترامب، قيدها المحاسبون كنفقات حملة انتخابية. وهنا دخل الفأر فى المصيدة، قانون الحملات الانتخابية خولف، وقانون تزييف الوثائق الرسمية خولف، وقانون الفساد فى المصارف خولف، وقانون الكذب فى وجه المحقق الرسمى خولف، وقانون تهديد رجال القانون خولف، وهلم جرى!! جلس ترامب يوم 30 مارس أمام القاضى ورأسه تلمس صدره. ونحن نقول: "ماطار طائر وارتفع.. إلا كما طار وقع". وسيل التهم الـ 34 الأخرى ستغرق ترامب وشعره الأصفر!!.