بُمكن لأي منا فهم الأمراض الجسدية العضوية، مثل الالتهابات والجروح والكسور، ولكن يصعب ذلك مع الأمراض النفسية، والتي قد لا تظهر بأعراض جسدية عضوية للمرض. فغالباً ما يتم ملاحظة المرض النفسي من خلال سلوك المريض أو مظاهر مشاعره وأفكاره، أو بالطريقة التي ينظر بها إلي العالم من حوله، أو مزيج من كل هذه الأشياء إلي الحد الذي يتطلب رعاية هذا الشخص تدخلا، ومعالجته في سبيل مصلحته الخاصة، أو مصلحة المحيطين به.
ويُتيح لنا فحصنا للمظهر والسلوك الخارجي استنتاج البنية الداخلية لأجزاء النفس ووظائفها، وهذا النهج مُفيد وضروري للغاية، ومن خلاله، نجد أنفسنا كأخصائيين نفسيين قادرين علي النظر إلي الهيكل العام للوجود الاجتماعي للمريض وحياته.
وإذا نظرنا بتمعن إلي المظهرالعام للمريض، يُمكننا أن نعلم الكثير عن حالته النفسية والعقلية، مما سيُساعدنا في تشخيص المرض وفهم خطورته، لذلك فإننا نحاول أن نري في المظهر العام مايلي:
التكوين الخُلقي:
هذا التكوين يختلف من شخص لآخر، ويُعتقد أن كل مرض نفسي ناجم عن تركيبة جينية معينة، فقد لوحظ أن جنون الهوس والاكتئاب أكثر شيوعا في التكوين البدين، بينما الهسيتريا والصرع شائعان في التكوين العضلي، أما بالنسبة للنيوراستانيا، فنجدها أكثر في التكوين النحيف، نجد أيضا الفصام في التكوين النحيف وغير المنتظم، لكل هذا، نجد أنه من خلال ملاحظتنا للتكوين الخُلقي للمريض، يمكن تكوين فهم عام لشخصيته.
تعبيرات الوجه:
تعبيرات الوجه تكشف الحالة الانفعالية للمريض، علي سبيل المثال، نري مريض الاكتئاب علي وجهه تعبير واضح عن الحزن، وإذا نظرنا إلي مريض الهوس نجده ينبعث الفرح من عينيه، ونجد وجها عاجزا تماما عن التعبير في بعض حالات الفصام. ومع ذلك، لا ينبغي أن ننخدع بمظهر الوجه، فغالباً مايبتسم المريض " بقلب حزين"، ( علي حد تعبيره)، وغالباً ما يشير الابتسام إلي موقف سخرية أو هزء أو عدميه، وليس علي مرح أو سعادة فإن الدقة في معرفة ما يكمن وراء الابتسام مهمة وضرورية.
حالة الملابس:
قد تُساعدنا الطريقة التي يرتدي بها الشخص ملابسه ولونها في معرفة مدي عمق مشاعره، يُمكن أن يشير ارتداء الملابس السوداء إلي الحزن، وإهمال الملابس يدل علي عدم الاهتمام والاضطراب. وينطبق الشيء نفسه علي المرض النفسي، فقد تكون الملابس نظيفة وأنيقة كما في حالات الهسيتريا، أو قذرة وممزقة كما في حالات الهياج، أو غير متناسقة وشاذة مما يشير إلي وجود اضطراب في تفكير المريض، وهذا سائد أيضا عند مرضي الفصام، كما قد نجد أيضا مريض " الهوس الخفيف" يرتدي ملابس زاهية الألوان جدا، وإن كانت فتاة أو سيدة فقد تلبس ملابس مبهرجة.
حالة الشعر:
قد تكون حالة الشعر ذا دلالة خاصة تُفيد في التشخيص، فقد يكون الشعر طويلا أو قصيرا بشكل غير طبيعي، وقد يكون نظيفا ممشطا أو قذرا مشوشا، فهُناك المريض الذي يترك خصلة من شعره علي جبهته بطريقة معينة، وكذلك المريض الذي يحلق رأسه بالموس ويكون متقمصا شخصية أحد المشاهير.
الوضع ( الوقفة أوالجلسة):
يُمكن أن يكون وضع المريض مُهما جدا للتشخيص، مثل المريض الذي يضع يده بشكل دائم في فتحة قميصه، والمريض الذي يرفع يده دائما نحو الشمس قد يُعني أنه يعبُدها.
الحركة:
يختلف نشاط الشخص الحركي بتغيير حالته الانفعالية، فقد نري شخصا سعيدا مرحا كثير الحركة والكلام، يُمكننا أيضا أن نري الحزين بطيء الحركة، فتختلف الحركة أيضا في المرض من حيث الكمية والنوع.
من حيث الكمية:
قد تكون الحركة قليلة عند مريض الاكتئاب، وكثيره عند مريض الهوس.
من حيث النوع:
تتصف الحركة بطابع خاص نوردها فيما يلي:
• ( التكرار)
يُمكن أن تتميز الحركة بالتكرار كما يبدو في الصور التالية:
الأسلوبية:
إنها حركة غريبة أو مجموعة حركات يُكررها المريض باستمرار وبصورة مُتكررة، كرفع الحاجبين، أو لف اليدين علي بعضهما وكأنه يغسلهما دون توقف، وعادة ما يتم تنفيذ هذه الحركات من وراء وعي المريض، وإذا سُئل عما يفعل، لدهش أو أنكر أو لم يجد أي تفسير.
الإنثنائية الشمعية:
وهي تكرار الوضع، أي ثباته واستمراره، فيُمكننا كأخصائيين أن نضع أحد أطراف المريض أو حتي جذعه أو رقبته في أي وضع ثم نتركه. نجد أن المريض يستمر في هذه الحالة لفترة طويلة أطول بكثيرمما يُمكن أن يتحمله الشخص العادي. فنري أن الأطراف تنثني معنا كيفما شئنا وكأنها مصنوعة من الشمع، يمكن تشكيلها ووضعها في أي صورة.
اللوازم:
إنها حركة بسيطة ومتكررة، تُشير إلي عادة متأصلة، من الصعب التخلص منها، ومثال ذلك قفل الجفنتين وفتحهما ( البربشة)، أو رفع الحاجب أو تحريك الفم بطريقة معينة أو هز الأكتاف أو حركة الوجه أو الغمز باستمرار أو مص الأصابع أو قضم الأظافر.
• ( الاستهواء )
يُمكن أن تتميز الحركة بالاستهواء والتي تعني قدرة المريض علي تقليد الآخرين دون تفكير أو إقناع لهم، كما يبدو في الصور التالية:
الطاعة الآلية:
وهي استجابة المريض تلقائيا دون تفكير أو تبصر منه لأي أمر يتم تلقيه حتي لو كان هذ الأمر ضار أو شاذ، مثل عدم قدرته علي الامتناع عن إخراج لسانه إذا طلبنا منه ذلك حتي لو هددناه أننا سوف ندخل إبره في لسانه.
رجع الكلام:
وهو أن يردد المريض الكلمات التي يتحدثها من حوله، كصدي صوت.
الخلف:
وتعني الاستجابه العكسية للمريض تجاه أي أمر يلقي عليه، فإذا طلبنا منه رفع يده خفضها، وإذا طلبنا منه الالتفات إلي اليمين التفت إلي الشمال.
المقاومة:
عدم قيام المريض بما هو مطلوب منه، ولا يقوم أيضا بعكسه، ولكنه يقاوم الأمر ولا يأتيه، ويرفض الطاعة لأي أمر، فإذا طلبنا مثلا من المريض الدخول إلي الحجرة وهو عند الباب فإنه يظل واقفا عند الباب لا يدخل ولا يخرج.
الذهول:
وهنا يبدو المريض وكأنه متجمد في مكانه، ولا توجد حركة مرئية منه، ولا يظهر علي ملامح وجهه أي تعبير، وإذا كانت الحالة خطيرة يصل بها الوضع إلي عدم استجابتها للمؤثرات من حولها حتي ولو كانت مؤلمة.
فخلال فترة تدريبي بمستشفي الأمراض النفسية والعقلية بمدينة المنيا الجديدة جلست مع أحد المرضي لإجراء التشخيص، وفور دخولي لها أغلقت باب الغرفة وكررت ذلك عدة مرات للتأكد من إغلاقه، وعندما طلبت منها الأ تفعل ذلك لم ترد علي، وأثناء حديثي معها، وجدتها بصمت تكرر بعض الكلمات بشفاه متحركة، بناء علي هذه السلوكيات قمت بتشخيصها باضطراب الوسواس القهري.
* بقلم دكتورة / يوستينا حنين صادق
باحثة ماجستير في علم نفس – كلية الآداب
جامعة المنيا