يرجع تاريخ مصر إلى نحو عام 3100 ق.م، حين شهدت مصر ميلاد إحدى أقدم الحضارات في تاريخ البشرية وكانت نشأتها على ضفاف نهر النيل، واستمرت لأكثر من ألفي عام. وهي تُعَدُّ بذلك من أطول الحضارات البشرية عمرًا وأكثرها امتدادًا عبر التاريخ.
زادت في الآونة الأخيرة محاولات للنيل من الشخصية المصرية ودورها التاريخي في حمل مشعل الحضارة. ومهما كتب المتعالون والحاقدون من غثاء يحاولون به إقناع الناس أن المصري القديم لم يبنِ حضارة، وأن من بنى الحضارة فضائيون، أو قبائل من قلب أفريقيا! وقالوا كذلك بأنهم العماليق! المهم أن لا يقترن المصري بحضارته. هؤلاء نسوا أن الشخصية المصرية لا تزال مرتبطة بأرض مصر مثلما كان حال الأجداد.
يقول التاريخ إن المصري هو صاحب أقدم حضارة إنسانية أنارت العالم القديم، وأقامت أقوى وأهم إمبراطورية في التاريخ الإنساني القديم، وذلك بقيم الحق والعدل والنظام. ولقد وضع ملوك الفراعنة تمثال الماعت (الحق – العدل - النظام) على أيديهم، مؤكدين أن هذا هو المنهج القويم لحضارتهم. لقد احترم العالم قديما وحديثا هذا الشعب لما قدمه للإنسانية في شتى المجالات من العمارة والهندسة والفلك والنحت والموسيقى والأدب.. ولقد سبق فلاسفة مصر القدماء فلاسفة اليونان بقرون طويلة. وكانت معابد مصر، خصوصا معبد الشمس في مدينة رع (أون - عين شمس حاليا) أكبر مدرسة للحكمة والأدب جاءها فلاسفة وحكماء الإغريق لينهلوا من معارفها ويطلعوا على وثائقها الثمينة والتي وصفت بأنها أغلى من الذهب، وأثمن من الجواهر النفيسة، لأنها السر وراء بناء الأهرامات والمعابد وشق الترع والقنوات، وإقامة السدود ونصب المسلات والتماثيل الضخمة، وإعداد المقابر المزينة بنصوص فلسفة الموت والحياة
يمكن القول بأن الحضارة الفرعونية بصمت تاريخ الإنسانية بفنها وعبقريتها في شتى المجالات، وتاريخها العريق لن ينساه العالم مهما مر من السنوات، فهذه الحضارة ظهرت منذ قديم الزمان وما زالت آثارها موجودة إلى يومنا هذا، فهي من الحضارات العظيمة التي تميزت عن غيرها بوجود أسرار عديدة بين ثنايا تاريخها لم يستطع العلماء الوقوف على كثير من حقائقها إلى يومنا هذا.
تعتبر الحضارة الفرعونية أكبر دليل على عبقرية المصريين القدماء وتمتعهم بمقدار ليس بالهين من الذكاء والدقة وهذا واضح من خلال روعة وعظمة الآثار التي ما زالت محتفظة برونقها وصلابتها إلى الآن،
ولن ننسى أبداً ما تتمتع به مصر من قوة جيش، فقد إستطاعت مصر أن تردع عنها عدوان إسرائيلي غاشم ثم خاضت حرب ألف وتسعمائة ثلاثة وسبعون، مما جعل الجيش المصري يتم إعتباره من ضمن أقوى جيوش العالم قوة وصلابة. كما أن مصر لها مكانة سياسية إكتسبتها من الموقع الجغرافي الذي جعلها همزة وصل بين دول كثيرة، وهى أيضاً الملتقى الهام بين أهم قارتين وأكبرهم في المساحة، وإستقرار مصر السياسي يعني إستقرار المنطقة كلها، وهذا حدث بالفعل عندما تعرضت مصر لبعض التذبذات في السياسة. فقد تأثرت كل المنطقة العربية سلباً لهذا التذبذب، فسوف تظل مصر هى الميزان الذي يزن الإستقرار والأمان لباقي الشعوب العربية.
وعندما نذكر مصر لا نستطيع أن ننسى النيل العظيم الذي يعد من أطول أنهار العالم الذي كان موجود من القديم وسوف يظل إلى ما بعد العصور الحديثة، والنيل كان هو همزة الوصل بين الصعيد المصري والصحراء بسيناء، ول
مصر هبة النيل، مصر الأهرامات، مصر أبو الهول، مصر الحضارة الفرعونية، مصر بلد الامن والامان، التى تأوى إليها كل دول العالم لتتعلم منها كيف كانت تقام عليها الحضارات العظيمة
أهمية خلال العصور المختلفة التي سوف تبقى بها مصر إلى الأبد بلد متميزة بآثارها وتاريخها، والتي تعد هى الإرث الحقيقي للإنسانية، ولم ننسى أن مصر هى الأم التي تدافع عن كل أبنائها من الدول العربية وتحتضنهم وتحميهم من أي خطر قد يمسها.
ومصر بلد الأمن والأمان والاستقرار والتي فتحت أبوابها للجميع فمكانتها الجغرافية المتميزة بين دول العالم ودول الوطن العربي خاصة جعلها ملتقى الشعوب المختلفة وهمزة الوصل بينهم،
كما قامت على أرض مصر حضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية وتوالى على حكم مصر الأنظمة المختلفة كما تعرضت مصر للإحتلال الغادر والعدوان إلا أن كانت شامخة في وجه العدو واستطاعت الحصول على حريتها .
شهدت مصر على مر عصورها عدداً غير قليل من الحضارات والأمم التي سكنتها، فهي أرض خصبة، وتجاور نهر النيل الذي يعدُّ شريان الحياة لها، فأينما وجد الماء وجدت الحياة، ولذلك استقر البشر الأوائل في مصر، واشتغلوا في الزراعة، فتوافر الماء وتوافر الطعام، وشيدت على جانبي النهر المدن والقرى والبلدات، فبدأت الحضارة في أرض مصر، وتحول الناس من حياة الترحال إلى حياة التمدن والثبات.
لذا تعد الحضارة المصرية واحدة من أعرق الحضارات في تاريخ العالم، فهي حضارة ممتدة في عمق التاريخ، وتركت ميراثًا حضارياً عظيما، وشواهد وأبنية ومعابد ومتاحف وأماكن أثرية مازالت ماثلة حتى اليوم، تحكي قصة عظماءٍ سكنوا أرض مصر، وتركوا فيه كنزا من كنوز الحضارة الدالة على ذكاء الإنسان، ومقدرته على العطاء، في زمن خلا من كل مظاهر التكنولوجيا والتطور العلمي.
وقد كانت مصر غنيةً بكثير من الثروات، فشُيدت الدول وبُنيت الصروح والقصور، وصارت مقصدًا تجاريًا للعالم القديم، حتى غدت مصر أيقونة في الحضارة والازدهار، ومقصدًا عالميًا يقصدها البشر للتجارة والتبادل الثقافي، فكانت مصر دولة عظمى رسخت جذورها في الأرض، واستمدت من النيل حياتها، فصعب على الآخرين امتلاكها؛ لقوتها وكثافة سكانها، وتقدمها الاقتصادي، ولجيشها القوي
نخلص مما سبق بأن تاريخ مصر هو تاريخ الحضارة الإنسانية حيث أبدع الإنسان المصري وقدًّم حضارة عريقة سبقت حضارات شعوب العالم ، حضارة مصر ، حضارة رائدة في ابتكاراتها وعمائرها وفنونها حيث أذهلت العالم والعلماء بفكرها وعلمها، فهي حضارة متصلة الحلقات تفاعل معها الإنسان المصري وتركت في عقله ووجدانه بصماتها. لقد كانت مصر أول دولة في العالم القديم عرفت مبادئ الكتابة وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية، وكان المصريون القدماء حريصين على تدوين وتسجيل تاريخهم والأحداث التي صنعوها وعاشوها، وبهذه الخطوة الحضارية العظيمة انتقلت مصر من عصور ما قبل التاريخ وأصبحت أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب، ولها نظم ثابتة ولذلك اعتبرت بكافة المعايير أُما للحضارات الإنسانية.
إن لمصر دورها الحضاري والتاريخي والديني حيث كانت المكان الذي احتضن الأنبياء، والأرض التي سارت خطواتهم عليها، فجاء إليها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وتزوج من السيدة هاجر، وجاء إليها يوسف عليه السلام وأصبح فيها وزيرا وتبعه إليها أبوه يعقوب، ودار أعظم حوار بين الله عز وجل وموسى عليه السلام على أرضها، وإلى مصر لجأت العائلة المقدسة السيدة مريم العذراء والسيد المسيح طفلاً ويوسف النجار وقاموا برحلة تاريخية مباركة في أرضها، وقد اختار الله سبحانه وتعالى مصر بالذات لتكون الملجأ الحصين الذي شاءت السماء أن يكون واحة السلام والأمان على الدوام وملتقى الأديان السماوية.
ولقد تتابعت على أرض مصر حضارات متعددة فكانت مصر مهدا للحضارة الفرعونية، وحاضنة للحضارة الإغريقية والرومانية ومنارة للحضارة القبطية، وحامية للحضارة الإسلامية.
ولقد اتسم شعب مصر على طول التاريخ بالحب والتسامح والود والكرم الذي تميز به هذا الشعب حيث امتزج أبناء مصر في نسيج واحد متين.
* بقلم عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
كاتب ومحلل سياسي مصري
باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي