القيمة الحاسمة للعدل والمساواة بقلم د. أنور ساطع أصفري

القيمة الحاسمة للعدل والمساواة بقلم د. أنور ساطع أصفري
القيمة الحاسمة للعدل والمساواة بقلم د. أنور ساطع أصفري
بكلِّ تأكيد إن العدل هو القيم والأخلاق ، والمُثل العليا ، وهو بمثابة المؤشّر الإيجابي على سير الحياة وفق المشيئة أو الإرادة السماوية . 
فكلمة العدل هي إسمٌ من أسماء الله ، وسبحانه يُدرك بأن البشر لا يستطيعون العدل في الأمور ، وأنهم ينجرفون وراء أهوائهم ، لذلك عدالة البشر هي نسبية وليست مُطلقة ، فهناك أهواء وأمزجة ، وهناك زلل وإنحراف ، حيث أن العدالة المطلقة هي فوق مستوى البشر . 
سبحانه وتعالى دعا عباده لأن يكونوا عادلين فيما بينهم ، كما أمر الحكّام بالعدل في الحكم على الناس . 
فالعدل هو إعطاء كل ذي حقٍ حقه ، وإنصاف المظلوم ، ورد الحقوق ، ووضع الأمور في نصابها الصحيح ، والرأي العادل في معالجة الأمور ، وعدالة القضاء في الحكم بعيداً عن الظلم . 
بينما المساواة فهي تأتي بمعنى أو بمنحى إيجابي أوسع ، حيث تشمل التمتع بجميع الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو العرق . 
والأمم المتحدة أصدرت ميثاقها في عام 1948 الذي هو بمثابة إعلان عالمي لحقوق الانسان ، وركّز هذا الاعلان العالمي على مبدأ الحرية والعدل والمساواة وسيادة القانون . 
وأكّد على أنه يُولد جميع الناس أحراراً ومتساوون في الكرامة والحقوق ، وأنه لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في الاعلان ، كما جاء في المادة الأولى منه . 
وفي الأوطان لو تحقق الإنصاف وتحققت الأخلاق ، لما كان هناك تفاوتٌ هائل بين طبقات المجتمع ، وأي وطن لكي يُبنى على أسس قوية ومتينة ، لا بُدّ من أن يتساوى الجميع أمام القانون العام الذي يحكمهم ، حيث تزول المحسوبيات ، ويزول الفساد ، وتنتهي التجاوزات ، وتنتهي سياسة الظلم والقمع والتهميش والاقصاء . 
وبكل تأكيد إن تحقيق العدل والمساواة ، يُحققّ الكثير من الفوائد والثمرات على الفرد والمجتمع والدولة ، من خلال الإحساس بالثقة والثبات والقوة والعزّة والكرامة ، وتحقيق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع والدولة .
كما أن الشعور بالمساواة يقضي على الفتنة والنزاعات والمشاكل الهادرة للطاقات والموارد ، وتفتح الآفاق للأفكار ةالابداعات والابتكارات ، فتحقيق العدل والمساواة في الوطن والمجتمع يدفع الجميع إلى الذوبان في المجتمع والدولة وتغليب العام على الخاص ، وتماسك البنيان الاجتماعي والسياسي ، وإلتفاف الشعب حول دولته وقادتها . 
لذلك إذا أردنا بناء دولةٍ ما ، علينا الاهتمام والتركيز على دولة المواطنة ، التي يعيش فيها كل الشعب بعدلٍ ومساواة ، وتعمّ دولة المؤسسات ، والفصل بين السلطات ، هذه الدولة ، هي دولة الديمقراطية التي يتم فيها التداول السلمي للسلطة ، بسلميّةٍ مطلقة ، بقوة وملكية الإرادة الحرّة للجماهير عبر صناديق الانتخاب بعيداً عن أي وصايةٍ أو إملاء . 
ولا بُدّ من إعداد المواطن لهكذا مرحلة انتقالية ، حيث سيتم رسم وبناء البنية الأساسية لدولة الديمقراطية ، وانجاز مشروع بناء الهوية الوطنية الواحدة والجامعة لكل مكونات المجتمع كأساسٍ وخطوةٍ مهمة في بناء دولة الديمقراطية . 
فالهوية الوطنية لكل مكونات المجتمع ستكون الوعاء الوطني الذي يوثّق ويستوعب كل طوائف ومذاهب وأعراق مكونات المجتمع ، وهذا الوعاء الوطني بدوره سيكون منطلقاً لتحقيق أهدافٍ عليا وسامية نحو كل الوطن وكل مواطن في المقام الأول ، إستناداً إلى منظومة القيم الإنسانية بالحرية والتسامح والسلام والتراحم ، التي تعزز إحترام وحماية حقوق الانسان ، والتعايش السلمي ، وصيانة وتعزيز الحريات الخاصّة والعامة وإعلاء قيم القانون بما يضمن الأمن والاستقرار الاجتماعي . 
وعند الوصول إلى هذه الدرجة من الفهم والممارسة العملية لمفاهيم دولة الديمقراطية والهوية الوطنية ، ستتجلّى عبقرية الهوية الوطنية في التأسيس الحقيقي لمجتمع الديمقراطية الحديثة الذي سيرى إلى جانبه مجتمعاً إيجابياً يُشارك وبقوة وفعالية في الحياة العامة ، ويقبل بالتداول السلمي للسلطة ، ويُقدّس العمل الوطني ، وفي بناء جسورٍ قوية بين الوطن الواحد القوي والمُجسّد في الدولة القومية ، وبين المجتمع العالمي لإقرار مبادىء الحرية والعدالة تحقيقاً للسلام والاستقرار الوطني ، وبهذه الحال نكون قد بنينا جداراً صلباً ومنيعاً لصدّ أي محاولةٍ خارجية للنيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع . 
لكن الواقع الذي يعيش فيه المجتمع العربي بشكلٍ عام في ظل غياب العدل والمساواة ، وانتشار الظلم والقمع والتهميش ، هو واقعٌ ذو إفرازات خطيرة ، فهناك فقدان للمناعة الاجتماعية ، وإغتصاب الحريات ، وإهدار الكرامة ، والتلاعب بمقدرات المجتمع والوطن والأمّة ، وهناك تغييب لحقوق الانسان ، وتفتيت قيمه ، وفقدان عطائه ، إضافة إلى إنتشار فساد الأخلاق ، واستغلال للنفوذ والسلطة ، وهي أخلاقيات تعزز العنف والعدائية والكراهية داخل المجتمع . 
حيث يفقد المواطن الرأي والعزيمة ، وتتلاشى عنده روح المبادرة ، وبالتالي يعجز عن تحمّل المسؤولية ومواجهة التحديات ، وفي الوقت ذاته تتفرّعن مراكز القوى في الدولة وتبالغ في عجرفتها أمام المجتمع ، وهذا من شأنه أن يُفضي إلى التطرف في المجتمع وانتشار مفاهيم التشدد والتكفير ، ويُصاب المواطن بالتالي بعدم التوازن النفسي ويقع فريسة الإحباط واليأس والاكتئآب ، ومن ثُمّ تنتشر النزعات الانتقامية ، وينتشر الانحراف ، وتنتشر الجريمة وما يترافق معهما من عنفٍ وعنف مضاد وخراب المجتمع والدولة . 
لذلك من أجل الحفاظ على الدولة والمجتمع ، وبناء الدولة بشكلٍ سليم ، لا بد من إرساء قيمٍ أخلاقية وإنسانية ، كنقطة بداية لصيانة المجتمع والدولة ، وترسيخ مفاهيم المواطنة والعيش المشترك والسيادة . 
فالدول الواعية والقوية والتي يسودها القانون ، نالت حقّها في الحياة الحرة والكريمة المستقلة . 
والدول التي يشوبها الفساد وغياب القانون تفترسها الذئآب البشرية ، وتفقد حقها في الحياة الحرة والكريمة . وهكذا دول تعيش على الأباطيل والمظالم ، باسم الحق والقانون ، والقانون غائب ومهمّش . 
هكذا هو حال الشعوب الضعيفة المتخلفة في ظل غياب العدل والمساواة ، وفي ظل غياب القانون ومفهوم المواطنة والتعايش الوطني . 
قولاً واحداً إن العدل والعدالة والمساواة ، والحريات وسيادة القانون مع التنمية من أهم مقوّمات الحياة الكريمة للمجتمع وللدولة ، وبغير ذلك نستطيع أن نقول بأن الدولة التي يغيب فيها القانون وتغيب عنها الأخلاق الانسانية ، هي دولةٌ فاشلة ، وسلطة فاسدة مآلها إلى الزوال. 
نتحدث عن العدل والمساواة ، وعن الحريات وسيادة القانون ، ونحن في ظلّ الإرهاب وسرقة المال العام ، والمحسوبيات والخيانة والتبعية العمياء ، والفساد وإحتكار السلطة ، والقمع والعمالة والاقصاء ، وغير ذلك كثير ، فكل هذه الصفات وغيرها هي بمثابة شجرة العائلة للأنظمة الحاكمة في المنطقة مع الأسف .