سراح جميل ...!! بقلم حمادة عبد الونيس

سراح جميل ...!! بقلم حمادة عبد الونيس
سراح جميل ...!! بقلم حمادة عبد الونيس
 
البيوت أسرار ،هذه الجملة ملح البيوت وأصل بنيانها ،لم تكن أمي التي درجت في الريف حيث الخير الوفير والماء النمير والحب المقدس المنزه عن الشبهات تحسن القراءة والكتابة بل لم تذهب إلى المدرسة يوما واحدا !!
العفاف ثياب زينة والوفاء خبز وملح يقتات عدد الأنفاس يحفظ به رمق الأسر من التداعي والسقوط ،لا تستغرب ولا تأخذك الدهشة من حديثي هذا الذي أبثه إلى من يعنيه الأمر ،إن لها ميراثا وطيد الدعائم ورثته من ساكنة الخيام التي لم تعرف الجامعة ولم تكن تعرف إلا الحلب والصر وهدهدة الغلمان ونزر يسير من أشعار العرب وأيامهم لكنها ربت فرسان صدق كانت لهم صولات وجولات ،علمتهم كيف يرفضون الضيم ولا يقبلون الإهانة يغضون الطرف عن الأعراض ويحفظون للجوار حقه !!
أسماء تبحث عن ري يطفيء غلتها تجده عند الصديق أبيها تقبله بعد تفكر وتدبر وروية إنها  شمس الإسلام !!
 يشغلها حال الفتى المؤمن الذي لاقي في سبيل الثبات على المبدأ ما لاقي ،ضحك في وجه المنايا واستهزأ بالصواعق من البلايا يرى في جوفها النفحات والعطايا!
تتحدث إلى أبيها صادقة واعية ،تنزل كلمات الفطرة على قلب الصديق بردا وسلاما فينظر إليها في حب وإعزاز : أبشري يا بنية ؛ فإن الله إذا أراد شيئا يسر أسبابه !!
يتحقق الرجاء وتصير أسماء والزبير تحت سقف واحد يبنون مستقبلا منيرا رياضا أنفا وبساتين ذات بهجة بالصبر والجد لا ضير إن حملت العلف للحصان ودقت النوى حتى تشققت راحتها فالحب يقطع المسافات ويحقق المعجزات والغاية الكبرى تهون من أجلها آلاف الصعاب !!
"كوني له أمة يكن لك عبدا " دستور خالد يجب أن يدرس في أرقى جامعات العالم !!
بسلم يطيب جراح الأسر المنهكة المشتعلة حربا ،نعقت غربان السوء داخل الأبنية الخرسانية المزودة بكل ما وصلت إليه البشرية من تقنيات  !!
ظاهرها جنات ونهر وباطنها نيران وسعر !!
أغروها بحقها وضرورة استقلالها، دلفوا إليها يدسون السم في العسل !
ورهاء سارت خلفهم في طريق أوله إظهار المودة والحرص على ما ينفعها وآخره تمزيق الأوصال وقطع الأواصر وهدم بيوت كانت دوح حمائم تهدل في حميمية وغبطة!!
لا يزال الشيطان يعظ ،ينفخ في التنور معه ماء الفتنة سما زعافا من شرب منه  احترقت أمعاؤه وذاب لحم وجهه وخر إلى ذقنه مغشيا عليه صريعا لا تمر دقائق حتى يلفظ روحه غير مأسوف عليه !!
تخرجت ميمي في الجامعة لكنها كفرت بما درست وتبرجت حتي لا يقال لها :إنسية بل جنية ماردة،كفرت بنور العلوم وسبحت في جهالات حمقها ،تجذبها فتنة الغرب فشربت آسن مائهم وسلكت طريقهم ،دخلت جحر الضب راضية حتي رشحت كبدها وتعطلت كليتاها وضاقت عليها الأرض بما رحبت ،ضربها الجنون تخرج إلى البارات تصطرخ :كأسا بل كأسين، اجعلهم ثلاثة يا عديم الكياسة !!
تسقط على وجهها في الطرقات يحوم حولها شذاذ الآفاق ،يرددون أحاديث فرية :
انظر كيف يقتل ظلام الشرق أهله !
ربابة ربة البيت عمود بيتها ووتد خيمتها لم تشرب يوما سوى ماء النيل أو ماء زمزم ،البركة في ثيابها ،ترى جنتها في إرضاء زوجها تنتظره خلف بابها المتواضع يقتلها الشوق ،تشتم ملابسه ريثما يعود !!
تحدث أبناءها أحاديث صدق :
طاعة والدكم من طاعة ربكم !!
قفوا عند أوامره فنفذوها ولا تجادلوه فإن أحدكم يطلب إليه حبات فاكهة ولو استطاع لأتي إليكم يحمل بستانا كاملا على ظهره فالحب أبوكم وأبوكم الحب !!
شاخت الدنيا وغزاها الشيب ،وآض الحب غريبا ،سكنت الفتنة البيوت ،عششت الخيانة حتي ماتت قهرا الأمانة!!
علت المصاحف الأتربة ولجأ كل واحد إلى هاتفه يكلم هذا ويراسل ذاك وربما عمد إلى أنثى فأفسدها على زوجها أو أبيها ،جدران البيوت على شفا حرف هار !
النزق سيد الموقف،مات الحياء كمدا !
تلاشت حمرة الخجل!
شياطين الإنس في شغل ينصبون شركهم !!
توزع الألقاب دون حساب فالنجوم غادرت سماءها وهبطت إلى وهاد العفن !
ساقطة يقال لها نجمة وديوث تطير الصحف بذكره وحشاش يتقاضى أجره عن فيلم شحمه ولحمه تحبيب الرذيلة وقتل الفضيلة ملايين الجنيهات !!
قاضي القضاة ،معلم الهداة يكاد يمد يده السائرين في زحمة الحياة ،لا أستطيع كفاية أولادي فهات يا أخي هات !!
العقل يرزح في أغلال الأهواء ،كل يرنو بناظريه شطر  المهدي المنتظر،هل اقترب زمان نزول المسبح!!
دابة الأرض خرجت مرات ومرات ،ولدت الأمة ربتها،تطاول السفهاء في البنيان !
يسير العلماء المحققون في غربة لا يعرف فضلهم إلا ثلة قليلة من أولي العزم والهمم!!
يموت الأطفال على شواطي البحار في مشاهد مأساوية وبعض كلاب الحي مقلدة الذهب في مسرحية هزلية على مسرح الكوميديا السوداء الكبير وسط تصفيق حاد من جمهور السكرانين الساهرين خوفا من الموت نياما!!
أشتاق إلى صرير الحليب في الإناء الفخاري بين أصابع أمي بعد وضوئها وصلاتها الفجر !!
لم تكن أمي ترفض لأبي طلبا كانت بين يديه كالحديد بين يدي داود أو النحاس بين يدي سليمان إذا حضر حضر معه العيد والفرحة وإذا غاب يسبح قلبها في ضراعة اللهم حفظا وعودة في غير ضراء مضرة !
لم يكن لأمي مال خاص بها ولم توكل محاميا عنها قط بل كانت تخص أبي بجزء كبير من نصيبها في الفاكهة أو اللحم !
تنظر إليه في حب وإيثار :
أنت تتعب كثيرا من أجلنا ،كلها بالشفاء والهناء 
غابت أمي فغابت معها المودة ورحلت فرحلت معها الحياة وبقي أبي وحيدا لا يجد لذة في شراب أو طعام أرى ذلك في نظرات عينيه إذا ما ذهبت إليه بالطعام وهو زاهد فيه منصرف عنه فلا أملك إلا البكاء حنينا إليها أردد مع درويش :أحن إلى خبز أمي !!