أنا لا أطالب بشئ عيب لا سمح الله ، ولا بشئ إعجازي فيقال أنني أرقد في حضن أمريكا وأصبحت درايتي عن بلدي لا تزيد عن دراية طفل صغير عن يوم ولادته ، أفهم جيداً ما كتبته بالعنوان وكررته ثلاث مرات ، أقوله وأكتبه في كل مناسبة يفيض فيها الكيل عن الإهمال الرقابي . أقول للرئيس السيسي هل تعلم أن كل انجازاتك التي كلفتك مجهودا عظيما منذ ثورة يونيو وحتى الآن ، يمكن أن تذهب سدى أمام سؤال واحد لا يُعرف له إجابة ." أين الرقابة ؟؟!! ". الوطن بالنسبة لي هو الهواء الذي استنشقه في غربتي وهو الذي يعينني على الحياة خلال الشهور التي أبقاها هناك ثم أقفز إلى الطائرة كطفل يقفز إلى صدر أمه ليلتقم رضعة الحياة وبمجرد أن أسكن حضن الوطن تدور عيناي لأرى ما قد تغير فيه خلال هذه الفترة القصيرة . منذ شهور قليلة كنت هنا على أرض الوطن ثم عدت إليه مشتاقا ، لم تمض سوى أيام قلائل حتى اكتشفت أن ما حدث خلال هذه الشهور يعتبر بمثابة أعوام طويلة ، عيني الناقدة هي عين تنقد نفسها لأن وطني هو نفسي وما أصعب أن ينقد الإنسان نفسه وما أصلح الإنسان الذي ينقد نفسه ليرى عيوبه ليُصلح منها . الإنجازات العظيمة يمكن أن تهدمها أشياء تافه فكما يقوض بعض أنواع النمل " الحفار الأسود " مبانً كبيرة في أمريكا إذا تغلغل في أساساتها ويُعمل له ألف حساب عند فحص أي مبنى معروض للبيع . أيضا الأوطان تقوضها أشياء بسيطة إذا غُفل عنها . غفوة الرئيس عبد الناصر عن الوطن وتركه للعابثين بمقدراته تسببت في هزيمة كارثية بكل المعايير ولن نكرر ماحدث في فترات الحكم التالية وكل فترة تغيب عنها الرقابة في أمر من الأمور أو كل الأمور كانت تتسبب في كارثة . التغير كبير وهائل ، نعم العالم كله تغير بعد الحرب الروسية وكأن العالم كان ينتظر هذه الحرب ليعلق الأخطاء علي المشاجب ، بالتأكيد لن أفرش قلمي على كل العالم ، لكن ما يهمني هو الوطن وكم أحترم كلمات المطرب التونسي " أبو شناق " وهو يردد وكأن الكلمات خارجة من نياط قلبه " خدو المناصب خدو المكاسب ، لكن خلولي الوطن ". كمهاجر منذ سنوات طويلة إلى أمريكا لم يعد لي أغراض المناصب والمكاسب في الوطن ، لكن ما أريده أن يبقى لي الوطن ، وما أبذله في كتابة روايات لأنشرها داخل الوطن ولا أربح منها سوى ملاليم أو لا أربح ، ليس الغرض منه سوى أن أقدم ما في مقدوري حتى لو كانت أدبيات فقط وإن كنت لا أنكر دورها وقد أصاب الفن والثقافة ما أصابها من ضمور وتشوهات . هناك أشياء تبدو بسيطة لكنها قد تكون مؤشرات لأشياء كبيرة تمس الدولة وتسأل من بعيد ومن قريب أين الرقابة وأين ما نقرأه ونسمعه عن الجمهورية الجديدة ، بالنسبة لي لا يهمني تقييم الكباري والبنايات والعاصمة الجديدة وغيرها من مشاريع اجتماعية واقتصادية بناءة وقد أصبحت فرصة لمتسولي الإعلام الذين تركوا كل شئ ليجاملوا السلطة بأحاديثهم المبالغ فيها ، انا أبحث عن نملة " الحفار الأسود " التي تتغلغل في أساسات البلد ، تبدو بسيطة وقد لا يهتم بها أحد ، لكنها تفعل ما تفعله ولا تظهر ولا يعرفها سوى الذي ينظر إلى الوطن بعين خبيرة عاصرت فترات حكم طنطنت فيها أقلام متسولي الإعلام ثم في لحظة كان كل شيء يتقوض . ليس ببعيد ما حدث بعد ما يسمى بثورة يناير 2011 وكادت أن تتقوض أساسات الوطن على رؤوس الشعب ، فإذا كنا قد تغلبنا علي إرهاب هذه الفترة وقفزت مصر قفزة رائعة ، فليس هذا بكافً لنقول لقد وصلنا ، كل الإنجازات جميلة ، لكن لا بد أن توجد الرقابة التي تنظر إلى الأساس قبل الأرتفاع ، لا بد أن توجد العين الثاقبة التي تنظر إلى الأشياء بالتقييم الواعي ولا تترك إلأمور حتى خراب مالطة ، نعم سأتحدث هنا عن أشياء بسيطة ، بالرغم من أنه حدثت أخطاء كبيرة قد تكون من أولوياتها وزير التعليم الذي لم يعط للتعليم أي شئ سوى البلبلة ، ثم بعد فوات الأوان يأتي غيره والله أعلم ماذا سيفعله بالرغم من ان طريق التعليم واضح وكما قلت قبل سابق أكثر من مرة ابدأوا ب " كى جي ون " وليس بالتابلت ، وكذلك محافظ البنك المركزي الذي أُقيل أخيرا هو ومساعده وقد ارتكب من الأخطاء الكثير ولا مجال هنا للحديث عنها ولا ندري إذا كان من سيخلفه سيتمادى أم سيتدارك . سأتحدث عن مظاهر بسيطة في المجتمع رأيتها رؤية العين تقول أن الرقابة في غفوة أو أنها غير موجودة على الإطلاق . عند وجودي على أرض الوطن لا أستطيع أن أتنازل عن عادتي في جولة شاملة تجوب حواريه قبل شوارعه وشوارعه قبل الأحياء الراقية ، جولة أتشمم من خلالها أشياء بسيطة ، هل بلدي كما تركتها المرة السابقة أم كبرت أكثر أم في مكانها أم هبطت بعض الشيء أو كثيرا ، هذا العام أحسست بتغير كبير عن العام الماضي ، البعض يفسره بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والبعض ينسبه إلى حرب روسيا وأو كرانيا على مستوى العالم ، لكن أنا أنسبه إلى المسئولين الذين يتبارون في أظهار مواهبهم التي خرجت عن حدود المواهب الحقيقية إلى المبالغة غير المدروسة وكأنهم لا يرون ولا يسمعون ولا يحسون بالواقع ، كل خطواتهم مبنية على أفضل الوسائل للاحتفاظ بمواقعهم أو مقاعدهم التي لم تعد تتحملهم أو بالمعنى الأدق لا تتحمل ضعف تحديدهم لما يجب أن يكون تبعا لواقع المجتمع من كل الاتجاهات فبرزت ظواهر سلبية كثيرة قد تكون موجودة من قبل لكن ليست بلونها الصارخ الذي رأيته هذا العام !! . لا أريد أن أخرج عن سؤالي " أين الرقابة ؟! " ، وإن كنا نريد أن نصل إلى إجابة فلنبدأ من الأصغر إلى الأكبر أي دور الرقابة من أصغر الأمور لأكبرها فالصغير هو نملة " الحفار الأسود " التي تقوض البناء والكبير هو اللص الذي يسرق الإنجازات ، كلاهما أعداء الوطن ومسئول الرقابة المتقاعص هو الهادم والسارق للإنجازات معا . هل الجمهورية الحديثة يجب أن نجد في شوارعها التسول بالجملة بين من يستحق أو من يتخذها كمهنة تدر الربح الوفير دون أي مجهود ، لماذا كثر التسول بالرغم من شعار حياة كريمة؟! ، وما نسمعه عن مبادرات الرئيس السيسي للنهوض بالطبقة الفقيرة ، متسولون بالجملة ، قد يسأل البعض ، هل مهنة التسول تستحق الكتابة عنها؟ ، أو هل تستحق أن ُينفق القارئ بعض الوقت للقراءة عنها؟ ، لكن عندما تكون في الوطن وهو يرفع شعار حياة كريمة ، يصبح الحديث عنها كقصة مأساوية لا يجب أن تحكى أو تقال وإذا قلنا أنه الملجأ الوحيد لطبقة تعيش تحت وأسفل وأعمق بكثير من خط الفقر فأين حياة كريمة . التسول ظاهرة موجودة في كل بلاد العالم ، حتى في أمريكا أحيانا نجده لكن الندرة تختلف عن الشيوع ، فالتسول في أمريكا يعتبر ندرة ، لكن في مصر والبلاد الفقيرة أصبح حالة شائعة ، هذه الظاهرة لفتت نظري بشكل كبير في أماكن كثيرة ، ازدياد في عدد المتسولين بالطبع منهم من يستحق الإحسان بالفعل والبعض أصبح التسول مهنته وقد اعتاد أن يحصل على النقود بطريقة سهلة وإراقة ماء الوجه بالنسبة له نوع من الفهلوة . الحديث عن كثرة المتسولين يفتح الباب أمام سؤال ، اين دور الدولة ؟! ، والسؤال الثاني ، على من ينطبق شعار " حياة كريمة " ، والسؤال الثالث ، أين دور الرقابة ؟ ، المتسولون سواء كانوا من ذوي ضيق اليد بالفعل أو هواة مهنة التسول هم واجهة سيئة للدولة سواء أمام الغرباء أو كفرصة ذهبية أمام هؤلاء الذين يتربصون بالبلد لينسجوا الروايات والحكايات عن عجز الدولة أوأن شعار حياة كريمة ما هو إلا شعار مثل ألاف الشعارات التي كانت تطنطن بها فترات الحكم السابقة . إذا انتقلنا إلى مظهر آخر من المظاهر السيئة التي تتجاهلها الرقابة سواء الرقابة الإدارية أو الشرطية فليكن جحافل التكاتك المتوحشة ، قبل أن أبدأ في الحديث عن هذه المركبات أود لو كانت لي السلطة أن أستدعي كل هؤلاء الذين يتحدثون منذ ثلاث سنوات أو أكثر عن نهاية التوكتوك أواستبداله بمركبات أخرى قانونية أو بتقنين وضعه ووضع سائقه لأسألهم وأقاضيهم ، للأسف لم نر أو لم ينفذ حرفا واحدا مما تحدثوا به ، بل ازداد الوضع خطورة بانتشارها الخرافي في كل الشوارع ودون حياء ، قادتها غالبا من الأطفال الذين لا يحملون حتى بطاقة الرقم القومي فإذا حدثت مصيبة فمن سنحاسب ، لقد تحولت القيادة في معظم الشوارع إلى حرب وقادة السيارات يحاولون تفاديها ، أطفال يقودون مركبة غير قانونية ولا تحمل أي بيانات تحت سمع وبصر رجال المرور هذا إذا وجدوا أويقفون كأصنام لأن الأتاوة تغمض عينهم عن أي اجراء ، لقد سمعت أنه توجد مافيا للتكاتك سواء امتلاكها أوتأجيرها أو التجارة في قطع الغيار الخاصة بها وأين الرقابة ومن المسئول لا أعلم ؟! ، البعض يقول أن أصحاب العقل الذكي لا يزالوا يدرسون إحلال الطائرات البوينج محل التكاتك المتوحشة !! . الفوضى والمخاطرة بحياة الناس والجرائم التي ترتكب ومسئولون يتحدثون ولا يفعلون ورقابة منعدمة أمام هذا التكتوك ، أعتقد أنه مظهر لا يليق بالجمهورية الجديدة !! . المزيد من مظاهر انعدام الرقابة وأعتقد أنه أسوأها ، الجميع يتحدث عن ارتفاع الأسعار العالمي بسبب كورونا أولا ثم الحرب الروسية الأوكرانية ، سبق وذكرت أن البعض منها حقيقة والبعض منها مبالغة لا تمت للواقع بصلة لتغطية الأخطاء ، هنا لن أتناولها بشكل عالمي أو ما يتعلق بالسلع الإستراتيجية ، لكن الأهم هو السلع التسوقية بأنواعها التي تهم الإنسان العادي ، كم مرة قرأت وأنا في أمريكا عن تشديد الرقابة على الأسواق وحكايات عن غرامات بالألاف للمتلاعبين ، حقيقة سررت بهذه الأخبار لأنها متعلقة بالإنسان العادي الذي يحاول أن يعيش ويستر نفسه وأولاده ، لكن هذا السرور تحول إلى سخرية وأنا أشاهد بعيني وألمس بنفسي التفاوت في أسعار السلع والتلاعب بها من مكان لآخر بطريقة جشعة ولا رقابة ولا حساب ، ارتفاع غير مسبوق . مظهر آخر من مظاهر انعدام الرقابة ، هو انعدام الرقابة على التاكسي ، عاد نظام وقف عداد الحساب في معظم التاكسيات بالرغم من أن الدولة رفعت أسعار البداية ولكل كيلو متر سير بطريقة مرضية لأصحاب التاكسي أو السائق ، لكن الجشع أيضا دفع هؤلاء إلى إيقاف تشغيل عداد الحساب بأي طريقة أو حجة ، وبالرغم من أنني لا أستخدم هذه الوسيلة التي تسمى التاكسي الأبيض لما وصلت إليه من قذارة السيارة من الداخل ووصولها إلى حالة بائسة وهذا يعني أيضا عدم الرقابة أو عودة الرشوة إلى القائمين بالفحص الفني الدورى لهذه المركبة ، إلا أنني تعمدت بفضول الوصول إلى الحقيقة أن أستخدمها ثلاث مرات متتالية وفي الثلاث مرات كان العداد متوقفا والأمر متوقف على ما يطلبه السائق . نقطة أخيرة وليست آخرة لكن ما تقتضيه المساحة هي آدمية عبور المشاة في نهر الطريق ، بالمختصر المفيد لا توجد آدمية ، ولا احترام لكبير في السن ولا لإمرأة ولا خوف على طفل ، فهل يليق هذا بمسمى الجمهورية الجديدة ، إذا كانت هناك صعوبة في تركيب الإشارات الضوئية فما أكثر رجال المرور ، أين اختفوا هل عملهم أصبح مقصورا على الوقوف لجمع الأتاوات من الميكروباصات التي تتوقف في أي مكان وتسير بطريقة ثعابنية في الشوارع والوقوف على مطالع الكباري مما يؤدي إلى كثير من الحوادث ، ماذا يفعل الثوب الجديد بإنسان بينه وبين النظافة عداءً شديد ، وماذا تفعل الجمهورية الجديدة أمام بشر اعتادوا على المخالفة والجشع والطمع وعدم الأمانة ولا رقابة ولا ردع لأمثالهم . كم كتبنا وكم كتب غيرنا ، وكم تحدث أصحاب الخبرة بأنه مهما تمت الإصلاحات الخارجية وتُرك الداخل دون عناية ورقابة فكأنك ياأبو زيد لا رحت ولا غزيت ، لا بد من الرقابة ولا بد من رقابة على الرقابة قبل أن تستفحل الأمور ويصبح الإصلاح ضربا من المستحيل ، المجتمع يقوم على هذه الأشياء البسيطة وغيرها الكثير فإذا حدث التواء بها تحول المجتمع إلى نوع من الغوغائية ، هل أتحدث عن الأخلاقيات ؟ .. لا داعي! . أختم بأن النقد والعين تدمع هو أفضل بكثير من الطنطة الإعلامية الكاذبة والمغرضة .حفظ الله مصر .