صموئيل نبيل أديب يكتب : لغز القمص لوقا؟

صموئيل نبيل أديب يكتب : لغز القمص لوقا؟
صموئيل نبيل أديب يكتب : لغز القمص لوقا؟
أعترف أننى لا أفهم تصرفه… القمص لوقا هلال كاهن كاتدرائية مار يوحنا الحبيب،  و وكيل مطرانية نجع حمادي.. يتصرف دائما في الأفراح تصرفاً لا أفهمه  … فبحكم أن كنيسته هي الأكبر في منطقتها،  تتوافد عليها الأفراح من مختلف المحافظات المجاوره،  و يتوافد معها الكهنة و الشمامسة  القادمين للتهنئة والمشاركة في الصلاة في الزفاف …. يحضرون قبل الزفاف بساعة في انتظار العروس، فيستقبلهم في مكتبه بالسلامات الحارة.. و عندما تدخل العروس إلى قاعة الكنيسة،    يدخل الكاهن الضيف إلى الكنيسة،   فيسلّم عليه القمص لوقا مرة أخرى بحرارة كما لو كانا التقيا  الآن فقط…!!!! 
أنظر إليه متعجباً!!  أتساءل  هل نسي  أنه قد سلّم  على نفس الكاهن منذ أقل من ساعة ؟؟  و لكن الأمر يتكرر كلما حضر كاهن غريب، أو ضيف قادم من الخارج… يُرحّب به القمص لوقا  في مكتبه،   و يعيد الترحاب به داخل الكنيسة… 
أسأله عن هذا التصرف العجيب، فيخبرني ضاحكاً :"لما تكبر هقولك" .. أتحسس شنب إعدادي الأخضر على شفتي، و أكاد أخبره أننى كبير بما يكفي… و لكني أعرف  أنه لن يشرح شيئا…
و لكني لم أنسَ الموضوع حتى جاء يهنئني ذات يوم على نجاحي في الثانوية.. فنظرت إليه نظرة ذات معنى قائلاً " أنا كبرت و عايز أفهم" 
يضحك قائلاً "لسه فاكر.."  يصمت  قليلاً ثم يقول   "أخاف أن أقع تحت آية( وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!" (مت 18: 7).  فشعب الكنيسة لم يرني وأنا استقبل الضيوف في المكتب قبل الزفاف، و لكنهم يرون الضيف في الكنيسة، و قد يظنون أنني  ربما لست سعيداً بوجود كهنة اغراب في الكنيسة.. لذا أُصرّ على أن أسلّم عليهم أمام الناس، لكي لا يقع أحد في خطيئة الإدانة و أكون  أنا سبب عثرة له" … 
أنظر إليه متعجباً.. فهو الكاهن الأقدم في المنطقة كلها، بل وكيل مطرانية نجع حمادي، هو حرفياً قد  ربّى أجيالاً،  الكاهن الأكثر ضحكاً و ابتساماً في التاريخ،  أستاذ التاريخ الكنسي في الكليات و المعاهد،  الكاهن الذي يجامل و يعزي،  في الأفراح و الأحزان، المسلمين قبل المسيحيين .. حتى قيل  أنك تجد صورته في ألبوم كل أفراح الصعيد بلا استثناء… 
لذا فلو كان هناك شخص يستطيع أن يرتكن على سمعته  سيكون هو القمص لوقا.. 
لذا كان غريباً بالنسبة لي، أن يظنّ شخص ما على وجه الأرض كلها، أنّه متعالٍ أو متكبّرٍ… فكيف يخشى هو من أن يكون سبب عثرة للآخرين ؟! 
 
الآن و بعد  عشرين  عاماً.. بعد  أن نضج  طفل  إعدادي، و تساقط  الشعر من رأسي ، أعترف أني أواجه صعوبة ليس في فهم ما فعله، وإنما في معرفة كيف يستمر في فعله، في وسط عالم أصبح  لا يهتم بمشاعر الآخرين، و يعيش في شعارات  الفيس بوك، من نوعية (اللى عايز يفهمني غلط يفهم -  أنا مش ملزم أصلح فكرة حد عني  ).. 
ف بالكاد يستطيع إنسان أن لا يفعل أي خطأ    و لكن أن يهتم بأن   لا يكون سبب عثرة للآخرين، هو  بالتأكيد  الشيء الأكثر صعوبة على الإطلاق . 
لذا استحق هو أن يكون المحبوب من جميع الناس.