نوافذ مغلقة
وتركتُ أحلامي القديمةَ كلها
من غير ذنبٍ أو جريرةْ
تعدو المواجعُ في دمي
وملامحي الثكلى أسيرةْ
وزرعتُ شِعري
كالنخيلِ
لعلّهُ
يبني صروحًا من شظايا القلبِ
في الأرضِ الفقيرة
شعري المقاتلُ ما استطاع الحربَ
أو صدَّ الصراعاتِ المريرةْ
الشِعرُ في هذا
الزمانِ مقيدٌ
كلماتُنا تمشي
علي نفس الوتيرةْ
هَذِي ضباعُ الحيِّ فوق قلوبنا
تعوي وتمرقُ/ بهلواناتٌ مثيرةْ
ويلُوكنا هذا الزمانُ
بنفسِ آهات الجراحِ
وصوتِ أنفاسِ الهجيرةْ
**
لا لا تلومني إن قتلتُ الشعرَ يوما
أو هَجَرتُ كلامَهُ
ووأدتُ أبيات القصيدةْ
قد ضقتُ ذرعًا بالمنافي ها هُنا
وضفاف أوطاني – كما تدري – بعيدةْ
ومشاعري خَجْلَى على الأبوابِ
قد صارت شريدةْ
أنا قلبيَ المعطاءُ جاءَ
ليمنح الحُلمَ الشجيَ لمن يُريدهْ
بدأت القصيدة بالتشظيي والتنحي عن كل ماكان يحلم به سابقا ولم يعد له وجوداً لاحقا ؛ كل ذلك يعبر عن حالة القلق الوجودي .تطرح القصيده صراعا ذاتيا، يدفعه إلى الهروب من عالم قديم بعد ضجر وسأم دون ذنب وجناية ؛ أي وجود حالة من الوجع تحفر أخاديد بين حنايا جسده . يستخدم الشاعر عصام سامي التوكيد المعنوي من أجل إغناء القيمة التعبيرية للنص . يرى الشاعر ذاته أسير الزمن ... خطواته ثملة السير .. يعاني من الإحباط .. من لوعة الزمن .. لايعرف كيف يضع بوصلته على خارطة الحياة .. أرخت الحياة ضنونها وحنيت ظهره .. نشر شعره في كل مكان ، ليسمعه القاصي والداني وعابر السبيل . إستخدم الشاعر _ النخيل _ كاستعارة تشبيهية ؛ فهي رمز الشموخ والعطاء ، وهي تمثل تفاعل الزمان بعمرها الطويل ، والمكان في قدرتها على الانبات في الأرض الفقيرة . يوظف الكاف التشبيهية كي تزيد من قوة الفكرة والصورة المرسومة ؛ فما يقابل ذلك رغبته في امتداد لغته الشعرية واستمرار عطائها ، ومنح نصه الشعري ديمومة الزمن ، والقراءة المفتوحة . يتأمل الشاعر بناءا لغويا شعريا كالصرح القائم من شظايا قلبه ؛ كل ذلك يعبر عن الصور الخيالية المتأرجحة كورقة خريف ارتشفتها الأرض . يتخذ من لفظة _ الفقيرة_ دلالة رمزية للمعاناة وقهر السنين ، اللامبالاة ، الاهمال ؛ من هنا لايجد الشاعر مساحة خضراء يرتع فيها شعرة . يستخدم الشاعر كلمتي _ أسيرة ، فقيرة_ للدلالة عن البؤس ، والإهمال ، قلة الحيلة و قهر السنين ، والظمأ ، قحط الغيام ، ونضوب ندى الوجة والأرض . ما عادت قصائده تشحذ الهمم وتسعر الحماسة في نفوس فقيرة أرهقوها .. أرهبوها ...أمطروها خوفا ورعبا ..لم يعد للعبور جسورا ، والروح اصبحت أسيرة زمانها وأصبحت وجوههم عبوسا قمطريرا ، وأيامهم قيظا وزمهريرا . كلمات الشعر غدت أسيرة اهواهم ، مغلولة الوزن والتفعيلة، باردة الحس ..فاقدة النغمة ، كل القوافي أصبحت على وتيرة واحدة .. خاملة .. باهتة ..ماعاد لشعره سوى الركون الى لحن يردده القارىء بدون همة وغيرة . سجنت عنده بحور الشعور ، اقفهرت القوافي من التفعيلة. ما عاد لشعره أن يواجة الصراعات والحرب الكاسرة ، ولم تعد هناك بشارة يقظة ، فالحس أصابة الوهن والخدر من يد سليطة . يتخذ الشاعر من استعارة كلمة '' الضباع'' دلالة رمزية إلى الفجور والعادات السيئة ، شيمته الغدر وبث الخوف في نفوس الناس وسرقة قوتهم ؛ أي الكسب والاستلاء على مجهود الآخرين ،كسرقة الظالم لقوت شعبه. يتميز الضبع بروح الدعابة ، يجمع صوته مابين العواء، البكاء والضحك ؛ انه المكر ، كمكر من يعتلي المنصب ويفتري على الشعب وينهب كسبه . يتخذ الشاعر من لفظة الهجيرة دلالة رمزية لما يعانيه البشر من متاعب وهموم وأنفاس ثقيلة وقت الظهيرة . تميزت القصيدة بمزاوجة الزمان والمكان _ الارض _ مع وجود التوازن اللفظي كي يحافظ على الإيقاع الموسيقى للنص الشعري ، واستمالة القارىء له من خلال لغة النص الموسيقية والبنائية . أعطت القصيدة نوع من السمفونية الصوتية عن طريق عواء الضباع وحركاتها البهلوانية ، وهذا ما يجسد التعاقب الصوتي ليحقق نغما جماليا ؛ ثم أردف ذلك بايقاع صوتي جديد نتأ من خلال انفاس الظهيرة في سلمها الصاعد والهابط نتيجة التعب وشدة الحر. يستأنف الشاعر التوكيد المعنوي ؛ أصبح البشر في هذا الزمان لقمة سائغة لمن تجبر عليهم ، وبنفس أنين ألم الجراح وأنفاس الحر الأليمة. يختم الشاعر بعضا من أسطره الشعرية بنفس الوتيرة من التقفية والوزن ، وبصورة متفرقة من أجل إعطاء بعد إيقاعي موسيقي للنص ، وارفاد مساحة متنوعة للقارىء لبسط توقعاته من الصور الشعرية . يشرع في مقطوعته الشعرية الثانية بتكرار منفي يتموج ويمتد إلى ما هو محتميا بين توجعاته. يجسد النص كلاما انفعاليا مابين الفعل ورد الفعل ؛ ما بين أضمار شعره ، وملامة الآخر له . يفتح التكرار باب جديدة لظهور دلالات جديدة تتواشج مع النص الشعري ، فضلا عن زيادة الإيقاع للجمل الشعرية . يعيش الشاعر حالة النفي والاغتراب ، وقراره في نظم الشعر بات بين الخلاص ، الهجر ، والضجر منه وهو يعيش منفاه ؛ وهذا يدل على الملل والسأم ،و الأضطراب. يوظف الشاعر عبارة_كما تدري_ لتوكيد المعنى اللفظي للقارىء ، وحمله على مشاركته الانفعالية مع الحدث الشعري . وتلوح عبارة _ها هنا _الى دلالة الوجع والوعيد عند الشاعر وهو يعيش بعيدا عن وطنه ؛ وكذلك دلالة التنبيه . أخذت حالته تتحول من الشعور الى اللاشعور ؛ الشرود الذهني . احتشدت القصيدة بالتحولات الزمنية والمكانية ، ما بين اللفظية ، الايقاعية ، النفسية والشعورية ؛ هذه كلها خلقت تنوعا صوريا ، مترابطا مع بعضهما حفاظا على وحدة القصيدة . يستخدم الضمير _أنا _ليؤكد ذاتيته في التمرد على واقعة ، ويمنح ما كان يحلم به لمن يريده ؛ ويصبح ذاتا مجردة في الحياة .