صرح الفنان فتحى عبدالوهاب بأنه يتمنى أن تكون آخر كلماته فى مشهد أو عمل فنى يؤديه، تصريح قوى ورائع وله دلالة وكنا ننتظره منذ زمن طويل فى ظل التقية التى يمارسها الآن فنانون كثيرون، التصريح من فنان رائع يمتلك أدواته ويحب فنه ويحترمه، يعرف قيمة الفن وقوته وأثره فى تكوين وجدان وعقل الشعوب، لماذا فرحت بهذا التصريح من هذا الفنان الجميل؟ أولاً لأنه لم يدخل فى موجة التقية كما ذكرت، وهى موجة عاتية أكثر خطورة من موجة الفنانات التائبات، فقد أصبحت جملة «ربنا يتوب علىّ من التمثيل»، أو «أنا عارفة إن وقت هدايتى لسه ما جاش، وإن أنا باعمل حاجة حرام».. إلخ، هذه العبارات وغيرها من التى انتشرت مع ما يسمى السينما النظيفة التى كانت باباً خلفياً لسيطرة المزاج السلفى على الفن، ووقوع كثيرين من الفنانين والفنانات فى فخ الدروشة المصطنعة ونفاق الشارع السلفى ومغازلته.
النفاق الدينى لتلك التيارات من بعض الفنانين الكبار للأسف كان فجاً ومكشوفاً، ووصلنا لدرجة مناقشة هل يصافح البطل البطلة؟ وممنوع لمس الممثل للممثلة حتى وهو يمثل دور طبيب بيقيس النبض لمريضة!! كوميديا سوداء عشناها وما زلنا نعيشها مع مَن هم المفروض أن يشكلوا وجداناً ويصنعوا وعياً. جاء فتحى عبدالوهاب بهذا التصريح ليقلب الطاولة على هؤلاء المنافقين، لم يخف أن تخصم مثل تلك الآراء من شعبيته وجماهيريته.
كان المهم عنده أن يكون صادقاً مع نفسه بلا أقنعة ويجاهر بما يقتنع، ويثبت أن الفن ليس سبوبة عنده، ولكنه لا يستطيع ببساطة أن يخون موهبته وقناعاته. فتحى عبدالوهاب ألقى بحجر فى البحيرة الراكدة، صارخاً: لا تخجلوا من فنكم، افخروا بأغلى وأرقى نشاط إنسانى وهو الفن والإبداع، واجهوا العالم بإبداعكم الذى يغير أجيالاً ويرقّى أوطاناً ويصنع مستقبلاً.
ولقد تساءل بهذا التصريح: لماذا تتوارون حين يشيرون إليكم بأنكم فنانون؟ الله يرحم يوسف وهبى الذى ترك الثروة والرفاهية والأطيان وذهب ليتعلم فن التمثيل. حارب الدنيا حتى فرض على الجميع احترامه واحترام فنه، اقرأوا كلمات احترام وإعجاب أينشتاين بتشارلى شابلن الذى غير العالم كما غيره صاحب نظرية النسبية، ولا يقل عنه فى التأثير والإضافات التاريخية.
إن الممثل وعى ورسالة وحالة بهجة ومتعة وشجن نحتاجها دوماً وأبداً. نضحك معه ونبكى معه ونحلم معه، ويقع عليه اللوم إن تخلى عن تلك الثقة وذلك الشعور، وبدأ فى تصدير احتقاره لفنه للناس، ساعتها لا يلوم الضباعَ إذا نهشته على الفيس بوك، لأنه هو الذى نهش نفسه فى البداية.
تحية لفنان حقيقى ومتحقق اسمه فتحى عبدالوهاب، وله كل الحب وكل الاحترام، وفخور بأن لدينا ممثلاً بهذا الوعى وبتلك الثقافة.