تتحدث قصة ملك فرنسا لويس الحادي عشر الذي كان يؤمن إيمانا راسخا بالتنجيم أن أحد رجال بلاطه المتملقين تنبأ بموت أحد أفراد أسرته وصدقت النبوءة ! وشعر الملك بضيق شديد خاصة أن الرجل يتمتع بكل تلك القوة في بلاطه ،، وشعر الملك أن الرجل بات يشكل خطورة على سلطته فاستدعاه وقد خطط لأن يرميه من نافذة القصر بطريقة ذكية ! ولكن قبل أن يفعل خاطبه قائلا : تزعم أنك قادر على التنبؤ بما تحمله السماء لنا وأنك تعلم أقدار الآخرين؟ إذن قل لي : ما هو قدرك؟ وكم من المدة المتبقية من حياتك؟ لكن العراف الماكر فكر بروية وابتسم قائلا سألقى حتفي قبل ثلاثة أيام من أن يلقى الملك حتفه ،، هنا استخدم العراف ذو البصيرة فكرة تعود إليه بالفائدة لإنقاذ نفسه من موت محتم ،،
هذه القصة يستشهد بها البعض عندما يتحدثون عن البصيرة و الذكاء في التعامل مع بعض الأمور و بطل القصة هنا هو العراف صاحب الحكمة و البصيرة و الذكاء ! و لكن ماذا عن ملك فرنسا الذي آمن بقدرات العراف و لم يكتشف كذب نبوءته ؟ الم يكن ضعيفا ينقصه كثيرا من الحكمة و المعرفة و لا شيء يحميه من الزيف و الخداع ،، الم يعميه ايمانه بالخرافات عن رؤية الحقيقة ! لقد استجاب لخطة العراف المتملق بسهولة و بات الملك عاجز عن تحجيم العراف الذي تزداد قوته يوما بعد يوم في بلاطه ! و عجز عن التخلص منه بل قدم له الحماية و الرعاية الصحية طيلة حياته و اصبح عبد للعراف و هو الملك ! و عبد للنبواءات الخادعة لانه لا يملك البصيرة او الذكاء ،،
فإذا نزع من قلب الإنسان البصيرة و فقد الإدراك و الفطنة سوف يضل الطريق و يصبح مشوش حتي و ان كانت الامور واضحة امامه فإنه لن يستطيع رؤيتها و سوف تغلق امامه كل ابواب المعرفة و يطمس الله علي قلبه فلا يفرق بين الحق و الباطل و تختل كل جوارحه و يصيبه الشك في كل من حوله و يصعب عليه اتخاذ قرار صحيح في وقت الأزمات و يصبح إنسانا متذبذبا ،،
لا شك ان مع كل التطور و وسائل التكنولوجيا في عالمنا الحاضر الا ان حياتنا اصبحت اكثر تعقيدا و اكثر توترا بعد ان كانت الحياة بسيطة و الانسان يعيش علي الزراعة و الصيد و التجارة بدون تعقيدات و كانت الحياة تسير في أمان و الناس أكثر براءة و العلاقات الانسانية اكثر وضوحا و ليست مجرد شعار مرتبط بأنشطة سطحية او علاقات محدودة و لم تكن العلاقات الإنسانية علي حساب الكفاءة و العدل او تحمل المسئولية حتي في احلك العصور
و في عالمنا المعاصر و مع زيادة الوعي باهمية العلاقات الانسانية في ادارة اي دولة نجد ان معظم الحكومات المستبدة لا تعتمد سياسات اقتصادية و اجتماعية تحقق الامن الاجتماعي للمحكومين بشكل عادل و غالبا ما يخاف الناس في هذه المجتمعات من الحاكم الذي ليس له القدرة علي التواصل معهم و غير قادر علي تفقد احوالهم الا عن طريق بطانة و مستشارين و رجال قصر يسمعونه ما يحب ان يسمعه ! لا يختلفون كثيرا عن منجم الملك بطل قصتنا فهم يقرأون أفكار الحاكم و يتصرفون بناء علي ذلك لكن مع الفارق فالمنجم اراد انقاذ نفسه و لم تكن لديه النية لاذية الملك و كل ما حصل عليه هو الحماية و الرعاية الصحية طيلة حياته و لكن رجال القصر اليوم يضحون بالحاكم و المحكومين لتحقيق مصالحهم الشخصية و ان كنت قد اطلقت عليهم من قبل لقب كهنة المعبد الا انهم تفوقوا علي الكهنة و العرافين بمراحل و احاطوا انفسهم بهالة و يظنون انهم في مأمن لكن غالبا سوف تكون نهايتهم مأساوية ! و التاريخ مليء بالعبر و كل لبيب بالاشارة يفهم ؟؟؟؟