محمود عابدين يكتب : الحوار الوطني.. والأماني الممكنة

محمود عابدين يكتب : الحوار الوطني.. والأماني الممكنة
محمود عابدين يكتب : الحوار الوطني.. والأماني الممكنة
كثيرة هي مشاكلنا كمصريين.. وكثيرة جدا تلك الأماني التي يحلم بتحقيقها البسطاء من "الحوار الوطني" الذي دعا إليه رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي لبداية حياة سياسية يشارك فيها كل أطياف المجتمع باستثناء أعداء الداخل.. ليس من تلطخت يداهم بدمائنا فقط كما يردد البعض علمًا أو جهلاً أو خبثًا.. بل وكل من ثبت تورطهم بارتكاب هذا الجًرم بشكل أو بآخر.. ثم نضف إلى هذه القائمة جميع من أدانه القضاء بتضخم ثروته من دماء هذا الشعب المكلوم.
ومن وجهة نظر كاتب هذه الحروف.. يأتي ملف الفساد بكل أنواعه على رأس أولويات النقاش من جانب السادة المعنيين بتنظيم وتفعيل وتنفيذ وأهداف هذا الحوار.. فلولا الفساد الذي استشرى في جسد الوطن لعقود طويلة دون رادع.. لما كنا وصلنا إلى ما نحن فيه وعليه اليوم.
فوفق الدستور في المادة 218 منه: "تلتزم الدولة بمكافحة الفساد وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية".
وبحسب هيئة الرقابة الإدارية.. فإن مصر تقدمت 55 مركزاً في "مؤشر مكافحة الفساد" خلال 2020 مقارنة بعام 2019. وأقرت الحكومة المصرية قانون الخدمة المدنية عام 2017 وكان بين أهدافه مكافحة الفساد الإداري.. وبحسب تقييم مصر في مؤشر أكثر الدول فسادًا لمنظمة الشفافية الدولية بين 32 و36 من أصل 100 نقطة في مؤشر الفساد (من 0 الأكثر فسادا لـ 100 أكثر شفافية) بين الأعوام 2015 و2018، بترتيب هو 105 من أصل 180 دولة عام 2018.
وصحيح أن الحكومة الحالية ورثت تركة ثقيلة من الفساد عمرها عشرات السنين.. لكننا في الوقت ذاته نحملها عبء مسئولية مكافحة هذا الفساد بكل أشكاله وصوره وأنواعه.. خصوصا وأن مصر – بحسب الخبراء – بها 33 جهازا رقابيا لمواجهة الفساد.. ولكي نقضي على الفساد أو نحجمه.. لابد من وجود إجراءات جادة وحاسمة لتتبع الفاسدين والمفسدين داخل الأجهزة الحكومية وخارجها، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التعديلات التشريعية ورفع أجور العاملين بالجهاز الإداري للدولة ومعاشاتهم.
 
بعد ملف الفساد.. يأتي ملف الإرهاب الأسود بكل تفاصيله وتاريخه وعناصره وأسبابه وأهدافه في الداخل والخارج.. حيث بذلت الأجهزة المصرية المعنية جهودا تاريخية لمواجهة هذا السرطان الذي كاد أن يطيح بالدولة المصرية لولا عناية الله سبحانه وتعالي وتضحيات أبطالنا العِظام في الجيش والشرطة.. ويتضح ذلك جليا من خلال جهود الدولة المصرية ومقاربتها الشاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف المؤدي إلى الإرهاب من التقرير الوطني المصري حول مكافحة الإرهاب لعام 2021، والذى أصدرته وزارة الخارجية كثمرة تعاون بين مختلف الجهات الوطنية المعنية بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف المؤدى إلى الإرهاب.
كما واصلت مصر منذ ثورة الثلاثين من يونيو 2013 تنفيذ مقاربة شاملة للتعامل مع الأبعاد المختلفة لظاهرة الإرهاب، بهدف تقويض ما يُسمى بالجماعات “المُتأسلمة”، وفى مقدمتها جماعة “الإخوان” الإرهابية، التي تَتَّخذ من الدين ستاراً لتحقيق مآربها السياسية في فرض نموذج تكفيري ينحرف عن صحيح الدين ومبادئه السمحة على المجتمع، ويشمل إسقاط مُؤسسات الدولة الوطنية على غرار ما شهدته عدد من دول المنطقة، حيث بدا جلياً للكافة أن جماعة الإخوان الإرهابية تمثل المنبع الرئيسي الذي انبثقت عنه كافة الجماعات الإرهابية، على اختلاف مُسمياتها، واستمدت منه المبادئ الفكرية المتطرفة الدموية التي أرساها الإرهابيان "سيد قطب" و"حسن البنا" مثل "الحاكمية" و"الجاهلية"، و"أستاذية العالم".
في هذا السياق.. مهم جدا أن نشير إلى خطة الأمم المتعدة لعام 2030  - بحسب ما جاء في تقرير السيد. عمرو عبد اللطيف أبو العطا ( سفير مصر وممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، ورئيس لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأم ":
- "على الرغم من جهود المجتمع الدولي لمنع الإرهاب ووقف تدفق المقاتلين الأجانب للالتحاق بالمنظمة الإرهابية التي تسمي نفسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، فقد ارتفع عدد أولئك المقاتلين إلى أكثر من الضعف خلال عام ونصف العام. ويقدَّر أن أكثر من 30 ألف شخص قد انضموا إلى صفوف داعش بصفة مقاتلين إرهابيين أجانب قادمين من أكثر من 100 بلد، أي أكثر من نصف مجموع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة"، وأضاف:
- "لكن لا يمكن أبدا تبرير العمل الإرهابي. ولا تبرر الذرائع الدينية أساليب العنف على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، لن نستطيع قط هزيمة الإرهاب في الأجل الطويل ما لم نعالج الظروف المسببة لانتشاره. وسُلِط الضوء على هذه المسألة في عدد من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالتهديدات الأشد خطورة على السلم والأمن الدوليين بصفة عامة، وبالإرهاب على وجه الخصوص، ومن بينها القراران 1963 (2010) و 2129 (2013). ويجسد أول مرتكزات استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب (قرار الجمعية العامة 60/288) العزم على معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب. وأوردت خطة العمل التي قدمها الأمين العام لمنع التطرف العنيف (A/70/674) تفاصيل بعض هذه الظروف المحتملة، مثل: قلة الفرص الاجتماعية والاقتصادية؛ والتهميش والتمييز؛ وسوء الإدارة؛ وانتهاكات حقوق الإنسان؛ وسيادة القانون؛ والنزاعات الطويلة الأمد والنزاعات التي لم تتم تسويتها؛ ونشر الفكر المتشدد في السجون".
وبعيدا عن تعريفات وتقارير وتعاطي المجتمع الدول بكل مؤسساته وهيئاته و.... نتمنى من خلال تلك الكلمات أن ينبه أصحاب القرار في بلدي لخطر هذا السرطان الإرهابي.. وأن يستعدوا جيدا لاقتلاع بقياه من الجذور.. ولكي يتم ذلك.. لابد من البحث والتنقيب عن خلاياه النائمة في كافة مؤسسات الدولة.. ( التعليم بكل مراحله نموذجا ).. فخطر هؤلاء مازال قائما.. وأمانيهم في العودة إلى ما كانوا عليه في عصرهم الذهبي ( فترة حكم السادات ومبارك ) أمرا مسيطرا على: عاملهم البسيط قبل عالمهم المغرر به.. فالقضية إذا خطيرة إلى أبعد مدى ممكن.. وتحتاج إلى رأى كافة الخبراء المعنيين بدراسة وعلاج هذا الإرهاب: أمن.. علم نفس.. دين و....
بعد ملفي الفساد والإرهاب.. يأتى ملف الفن.. أو «القوة الناعمة» كما يحلو للكثيرين تسميتها.. فهذا الملف من أخطر القضايا التى ساهمت فى ضياع شباب مصر.. فهو بحاجة حقيقية إلى وقفة جادة للقضاء على: "مرتزقة" و "سكلية" و"سماسرة" الدراما الذين شوهوا صورة المجتمع المصرى عربياً وعالمياً.. بل وأشاعوا الفوضى وركزوا على السلبيات دون الإيجابيات.. وأظهروا المصريين فى أعمالهم «غير المحترمة» وكأنهم مجموعات من البلطجية وتجار المخدرات والفهلوية والراقصات والخونة والعملاء والإرهابيين وبنات الليل.. لقد حدث هذا العبث يا سادة فى غفلة من الزمن بعد 25 يناير 2011 ..لكن يظل السؤال: من سمح لتجار اللحوم الحمراء بالتجارة فى اللحم الأبيض؟!.. أين الأجهزة الرقابية من هذه النوعية من الأعمال الفنية الهابطة....؟!
الجواب إنني تأكدت أن هناك تخطيطاً متعمداً للقضاء على شباب مصر وتدمير مستقبلهم من أعداء الداخل والخارج.. ودعونى أقولها بصراحة: لن ينصلح حال الفن المصرى إلا بتطهيره من «الخفافيش» و«الوطاويط» و«البعوض» وكل أنواع الحشرات الزاحفة التى علقت به وأنتجت لنا أعمالا تشبه إلى حد كبير أفلام البورنو بواسطة تُجار اللحم الرخيص ومخرجى وكتاب وممثلى السبوبة.. ولن ينصلح حال الفن إلا إذا ربطناه بالمصلحة العليا لأمننا القومى مقارنة بسينما هوليود الأمريكية وبوليوود الهندية..وهذا لن يحدث إلا إذا كانت لدينا رقابة صارمة على هذه الأعمال التى شوهت – عن عمد – تاريخ الدراما المصرية وعمالقة فننا الجميل.
بعد ملفات: الفساد والإرهاب والفن.. يأتي في الأولويات ملف الحد الأقصى للأجور والصادر به القانون رقم 63 فى 3 من يوليو سنة 2014 والذى دخل على ما يبدو إلى ثلاجة الأموات.. فالمعروف أن هذا القانون حدد سقفا للأجور بما لا يتجاوز 42 ألف جنيه شهريا لكل العاملين فى أجهزة ومؤسسات الحكومة والوحدات الإدارية المحلية والهيئات الاقتصادية والخدمية.. كما أنه يسرى أيضا على الموظفين القانونيين العموميين والعمال الخاضعين للقوانين والنظم الخاصة دون أن يستثنى أحداً.. لكن من الواضح-الواضح جداً- أن الحكومة ضربت به عرض الحائط.
لذا نتمنى طرح هذه القضية في الحوار الوطني حتى يخضع الجميع تحت مظلة القانون المشار إليه بعد أن «فلت» منه المحظوظون بعض الوزرات والهيئات و... كل ذلك مخالف بالطبع للمادة 27 من الدستور التى تنص على «تقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات بما يضمن الحياة الكريمة وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر وفقاً للقانون".
بعد ملفات: الفساد والارهاب والفن.. تأتى الأولوية لملف الثقافة.. وبعيدا عن استئثار أصحاب الحظوة والسطوة بالمناصب القيادية بهذه الوزارة.. وبعيداعن نوعية الكتب دون المستوى التى توافق عليها الجهات المعنية بطباعتها من ميزانية الدولة.. فإن ما يعنيني في هذا الملف.. هو حالة الانحطاط الثقافى التى وصلنا إليها مؤخراً بسبب تفشى الفكر المنحل.. والألفاظ البذيئة التى ملأت بعض الكتب ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى.. والتى تحاصرنا الآن أينما نذهب فى: الشارع وفى الجامعات والمعاهد والمدارس والمواصلات.. ناهيك عن دور العرض وما يتلفظ به الفنانون تحت زعم «الإبداع».. يا أخى «ملعون أبو ده إبداع» ..وهذا ما طالبنا به من قبل وبُح صوتنا لأعضاء البرلمان فى اللجان: الثقافية والإعلامية والأمنية.. لكن .... والآن نعيد تكرار نفس المطالب من المعنيين بإنجاح الحوار الوطني.. فعليهم أن يدرسوا أسباب وعلاج هذا التغيير الكارثى جيداً ..ثم يضعوا لنا تشريعات فاعلة وقابلة للتنفيذ حتى نستعيد هويتنا المهددة بالاندثار عن طريق عملاء وخونة وأنصاف وأرباع مثقفين فرضوا علينا فرضاً من خلال إعلام موجه.
الملف الأخير في هذا المقال.. هو ملف «المعاشات».. وحتى لا أطيل على القارئ.. سأستشهد بما كتبنه قبل ذلك وكشفته الوزيرة الوطنية السابقة ميرفت التلاوى عندما قالت: «عندما كنت وزيرة للتأمينات .. حاول يوسف بطرس غالى أن يأخذ أموال التأمينات إلى خارج مصر ليستثمرها فى السوق الدولى.. وكان موقفى واضحاً ومحدداً.. وهو أننى لا يمكن أن أسمح بخروج أموال المعاشات التى تقدر حينها بـ 400 مليار جنيه من مصر».. موضحة أن "يوسف بطرس غالى حينما زارها فى مكتبها بمقر الوزارة.. كان برفقته فى هذه المقابلة رئيس « سيتى بنك الأمريكى » وحاولا – كذبا - الادعاء بأن امتيازات البنك الأمريكي ستكون أعلى من البنوك المصرية.. وهذا غير صحيح على الإطلاق.. لأن بنك الاستثمار فى مصر كان يعطى نفس الامتيازات".. لكنها المؤامرة التى خطط لها يوسف بطرس وصديقه الأمريكى بإخراج فلوس التأمينات خارج مصر.. فما كان من الوزيرة الوطنية إلا أن رفضت هذا العرض وبشدة حتى قيل حينها إنها طردتهما من مكتبها.. وللحديث بقية.